"بإزميل وشاكوش".. عادل ماهر فنان يحترف أقدم مهنة عرفها التاريخ

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


على بُعد خطوات من مدخل دار الأوبرا يجلس عادل عامر الشاب ذو ال ٢٩ عامًا على الرصيف الذي اتخذه ليروّج لفنه اللافت للانتباه، ممسكًا بلوحةٍ خشبيةٍ وقد حفر عليها أحد الشخصيات منها المشهورة، مستغرقًا في نحت وتشكيل ملامح الشخصية بإبداع، ليخرج بورتريهًا مختلفًا عن نظرائه.

برع عادل منذ صغره في كتابة الخط العربي الذي يحتاج إلى مهارة عالية وصبرلا يتوفر عند الكثيرين، ولم يعرف الشاب أن شغفه هذا سيقوده إلى صنع منحوتات خشبية تتنوع ما بين آيات قرآنية ولفظ الجلالة وأسماء الله الحسنى وغيرها، يتوقف عندها المارة وتحظى بإعجاب الجمهور، ثم يجد نفسه يتقن فن الحفر على الخشب، لتتحول تلك الهواية التي نمت معه عامًا بعد الآخر إلى مهنته الأساسية التي يكسب منها قوت يومه بدلًا من ندب الحظ على الوظيفة النظامية.






بأدوات بسيطة "إزميل وشاكوش"، وعمل دؤوب ربما يصل إلى خمس أو ست ساعات متواصلة وبمساعدة خياله النشط يصنع عادل أجمل اللوحات، فإذا اقتربت ذكرى مولد أحد الأشخاص الأعزاء على قلبك يمكن أن تكون لوحة محفور عليها اسمه أو صورته الشخصية أحب الهدايا بالنسبة إليه.

تدخل صناعة البورتريه دورة طويلة وشاقة حتى يخرج المُنتج النهائي إلى النور، "هما 9 خطوات عشان يطلع البورتريه "، وأولى هذه الخطوات هي رسم الصورة على اسكتش من الورق، وبعد ذلك نقلها بقلم رصاص على الخشب ومن ثم نحتها مرورًا بعملية التلوين مع تدريج الألوان وصولًا إلى الزخرفة، وتحتاج هذه الدائرة إلى يومٍ كامل ليصبح البورتريه جاهز للتسليم.

يعد التنر والطين أبرز المواد المستخدمة لدهن الخشب والحصول على اللون البني بدرجاته والذي يفضله عادل،  بالإضافة إلى الاستعانة بألوان مائية في حالة احتواء الصورة على ألوان أخرى مثل الأحمر والأصفر وغيرها، وهو ما يعيق يعطل عادل لكنه يضطر لاستعماله ليناسب كل احتياجات الجمهور، على الرغم من أن هذه الألوان تقلل من قيمة الحفر، فهو يحبذ البني لزخرفة الخشب.







لم يتلقى الشاب عادل ماهر تعليمًا متخصصًا في الرسم أو التشكيل، إلا أن موهبته التي تشكلت بالفطرة ووضعها الله داخله، فرضت نفسها على الجميع، وهو بدوره سعى لتطويرها من خلال تعاليمه على يد أحد النحّاتين والمتخصص في الفن الشعبي "أيمن حمدون"، ولا ينكر عادل فضله عليه، "أستاذ أيمن حمدون اللي علمني ده نحات كبير وبيصمم عرايس بورق الجرانين وهو نحات خشب".

رغم أن عادل يحمل مؤهلُا جامعيًا عاليًا "بكالوريوس تجارة"، إلا أن هذا لم يمنعه من تحقيق حلمه واتباع هوايته في النحت فانضم بعد التخرج إلى فريق مسرحي عمل بكافة أشكال الفن، ظل شغف الشاب ذو ال29 عامًا بالنحت يراوده حتى قرر أن يسلك هذا الاتجاه، فصنع أشكالا متنوعة ورسومات مختلفة عانى من أجل إيصالها للآخرين.





طرق الفنان أبواب التكنولوجيا الحديثة لعرض فنه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وشرع في إنشاء صفحة على "الفيسبوك" ليقترب أكثر من الشباب، إلا أن الحظ لم يحالفه كما حالف الكثير من قبله، " التسويق على النت مش الأساس عندنا.. محتاج دماغ حد متخصص وفلوس"، لذا قرر النزول إلى الشارع وعرضه موهبته على الناس.

اتخذ عادل ماهر من رصيف مترو الأوبرا منفذا لعرض إبداعاته، ليكون على اتصال واحتكاك مباشر من الجمهور الذين أثروا بدورهم على الشاب وفرضوا ذوقهم الخاص عليه، فبعدما كان يصمم لوحات نابعة من ذوقه وثقافته أصبح ينفذ ما يطلبه الناس في الشارع، فتجد بين أعماله ميداليات خشبية بسيط وذات سعرٍ معقول، "اشتغلت الأول في اللي بيحبوه الناس لوجو الأهلي صور محمد منير.. ولما الناس عرفتني بتطلب مني بورتريهات تهاديها".





يستخدم عادل أنواعًا معينة من الخشب يسمى MDF منه المصري والصيني والكوري لكنه يفضل النوع الإسباني؛ لأنه حسب قوله أكثر مرونة في الاستعمال والنحت عليه، وتتراوح أسعار لوحات "البورتريهات" وفقًا لمقاساتها ما بين 120 إلى 250 جنيهًا، كما يصنع ميداليات خشبية محفور عليها أسماء الأشخاص وتبدأ قيمتها النقدية من 10 جنيهات لتناسب فئة الشباب.

يُعرّف الشاب نفسه على أنه فنان شارع، فقد حضر عادل بعض المعارض الفنية منذ عدة سنوات مضت، لكنه يرى أن المعرض يقف عائقًا أمامه أحيانًا لارتباطه بموعد تسليم طلباته، كذلك يعتبر الفنان أنه بحالة إلى تحصيل كمية مناسبة من اللوحات والرسومات تمكنه من عرضها على الشرائح المختلفة من جماهير المعارض، ورغم ذلك فهو ينوي المشاركة في المعارض الفنية المقبلة.

استطاع عادل الوصول بفنه إلى الدراما المصرية، فقد استعان به مديرو الإنتاج في مسلسل "حق ميت" بطولة النجوم "حسن الرداد وزوجته إيمي سمير غانم" والذي عُرض في رمضان عام 2015، بالمشاركة في صنع بعض ديكورات المسلسل.

يحلم عادل ماهر بتكوين فريق من صغار الشباب وتعليمهم المهنة التي تعد أقدم المهن التي عرفها التاريخ، وتزخر الحضارة المصرية بفن النحت الذي ميزها منذ آلاف السنين، للحفاظ  على فن " الأويمة" كما يطلق عليه من الاندثار، " أنا أتمنى أعلم الشباب الصغير لكن مافيش حد عنده، هيجي يومين وبعد كده هيقولي إيدي وجعتني.. أصل الشغل صعب".