طارق الشناوي يكتب: الجوائز للسودان وتونس والسعودية.. والسينما المصرية "فى الطراوة"!

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي


كما كان متوقعًا خرجنًا من مهرجان (قرطاج) فى دورته، والتى تحمل رقم (30) صفر اليدين، ويا مولاى كما خلقتنى، رحنا بالسلامة ورجعنا بالسلامة، وبلا أى (تانيت) ولو برونزى ولا حتى شهادة مشاركة شرفية، بينما المهرجان الأعرق عربيا وإفريقيا منح جوائزة للسينما التونسية والسعودية، وكان نصيب السودان هو الأكبر بالأرقام، والأفلام السودانية الثلاثة التى تحصد الجوائز أينما حلت هى التسجيلى الطويل (حديث الأشجار) لصهيب قاسم البرى، والروائى الطويل (ستموت فى العشرين) لأمجد أبوالعلاء والتسجيلى الطويل (أوفسايد خرطوم) لمروى زين، مخرجون ثلاثة يعلنون للدنيا أن السودان قرر أن ينهض رغم كل المعاناة، وسيظل القادم أفضل، يمتلكون إرادة تمنحهم قدرة أن يصل إبداعهم للعالم، السينما السودانية تشارك فى المهرجانات العربية وهى محملة بالجوائز من مهرجانات كُبرى مثل (برلين) و(فينسيا) وهكذا اقتنصت الجوائز الذهبية عربيا فى (الجونة) ثم (قرطاج) وطبقا للقواعد المنظمة لمهرجان القاهرة والتى تمنع مشاركة الأفلام الثلاثة رسميا بالمهرجان، لأنها سبق لها التواجد فى هذه المهرجانات، ولهذا قرر محمد حفظى رئيس مهرجان القاهرة، أن يحتفى بها بعيدا عن المشاركة الرسمية، وذلك بإقامة يوم خاص للسينما السودانية، التى شهد لها هذا العام بأنها تحمل للعالم اسم السينما العربية، ويجرى الإعداد ليوم به كل المفردات التى تحمل ملامح البلد الشقيق بكل ومضاته، بالطبع السينما تتصدر المشهد وخصوصية العلاقات المصرية السودانية، ستصبح دافعا لكى نرى يوما رائعا.

(المملكة العربية السعودية) حققت لا شك فى السنوات الأخيرة، قفزة بتواجدها فى العديد من المهرجانات، واقتنصت أيضا الجوائز، فيلم (سيدة البحر) لشهد أمين حصل على جائزة التانيت البرونزى فى مسابقة الفيلم الروائى، وكان قد سبق له الحصول على جائزة (فيرونا) للفيلم الأكثر إبداعا فى مهرجان (فينسيا) ضمن (أسبوع النقاد) السينما التى تقفز بعيدا عن الصندوق هى التى تستوقف لجان التحكيم والأمر يتعلق بقدرة المخرج على أن يقتنص ما هو أبعد من خياله، السينما التونسية توجت بالتانيت الذهبى (نورا تحلم) لهند بوجمعة، كما أن بطلة الفيلم هند صبرى حصدت للمرة الثانية جائزة أفضل ممثلة، بعد أن حظيت بها فى (الجونة).

مصر لا حس ولا خبر، توقعت ذلك فى كل المقالات السابقة، كان لدينا أمل فقط فى مسابقة الروائى القصير بفيلم (حبيب) إخراج شادى فؤاد، بطولة سيد رجب وسلوى محمد على، يشى الشريط السينمائى بمخرج شاب لديه إحساس، وقدم فعلا فيلما له منطقه الدرامى والتعبيرى، كما أن سيد رجب قدم دورة بحالة مزاجية عالية، لم أتمكن لضيق الوقت من مشاهدة الأفلام القصيرة الأخرى التى حظيت بالجوائز فى هذه المسابقة، حتى أدرك بالضبط أين يقف منها الفيلم المصرى، وفى كل الأحوال فإن الأزمة التى تعيشها السينما المصرية لا يمكن تجاهلها.

ومع الأسف مهما قلنا وقال غيرنا لن يتحرك أحد، لا تزال النظرة القاصرة للسينما هى التى تحكم المنظومة، فى تونس مثلا قرر وزير الثقافة محمد زين العابدين مضاعفة قيمة الدعم المادى الذى توجهه الدولة للسينما، وهو فى الأغلب دعم لا يرد، يسهم فى تنفيذ عدد من المشروعات السينمائية التى لا تجد حماسا كافيا من شركات الإنتاج الخاصة، الدولة أيقنت أهمية أن تدفع للمهرجانات بأفلام تحمل اسم تونس.

نعلم أن ميزانية وزارة الثقافة المصرية تلتهمها بنود أجور العاملين ولا يتبقى شىء يوجه للثقافة إلا بقايا البقايا، ولهذا لا يمكن أن نطلب من د. إيناس عبدالدايم توجيه دعم مادى، كما أن لنا تجربة مع رئيس الوزراء السابق، عندما أعلنت كل الجرائد على لسانه قبل ثلاث سنوات أنه رصد مبلغ 50 مليون جنيه لدعم السينما، ولم يتم وقتها تكذيب الخبر، عشنا حلما جميلا ثم استيقظنا جميعا لنكتشف الكابوس.

ملحوظة قبل الاستيقاظ، تم تشكيل لجنة فى وزارة الثقافة، لبحث كيفية رصد المنحة المالية وقيمتها وهل تسترد أم لا، وما هى المعايير؟ وشارك فى وضع كل هذه المحددات عدد من القامات السينمائية، واتضح بعدها أنه لا يوجد أى ورق رسمى لدى وزارة المالية يفيد بأن رئاسة الوزراء رصدت حقا هذا المبلغ.

السينما قضية أمن قومى، أحد أهم أسلحة الدفاع عن الوطن، بينما كل ما يجرى فى البنية التحتية السينمائية يؤكد أن ما وصلنا إليه من ترد ينذر بمزيد من التردى، القيادة السياسية هى التى يجب أن توجه الدفة نحو إنقاذ الصناعة، وإعادة الروح لعدد من المبدعين المصريين، الذين أصبحوا طبقا للظرف القاسى جدا الذى تعيشه الصناعة السينمائية حاليا خارج نطاق الخدمة، لدينا مواهب ماتت كمدا لأنها لم تعد قادرة على الصمت أكثر من ذلك، مثل المخرج أسامة فوزى الذى قدم لنا أربعة أفلام روائية من بين الأفضل سينمائيا، وهى (عفاريت الأسفلت) و(جنة الشياطين) و(بحب السيما) و(بالألوان الطبيعية) وظل أكثر من عشر سنوات يحلم بفيلمه الخامس، ولا يجد من يتحمس ويشاركة الحلم، فى مثل هذا الأيام من العام الماضى قرأنا خبر رحيله، جمعتنا قبل أيام قليلة من وداعه جلسات حيث تشاركنا فى لجنة تحكيم وعشت معاناته، عندما اكتشف أن كل الأبواب مغلقة، وظل يحلم بالمستحيل، حتى وجد أن الحل فقط فى السماء، أعرف العديد من السينمائيين تقتلهم الآن أحلامهم المستحيلة، هل ينتظرون تحقيقها فى السماء أم أن هناك أملا على الأرض!.