100 نصيحة من كتاب نوبل "اقتصاد الفقراء"

العدد الأسبوعي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


توفير برامج معاش ورعاية صحية لكبار السن

الاستثمار مباشرة فى تغذية الأطفال وتوفير فروع البنوك فى القرى الأكثر فقرًا


دعا محمود محيى الدين، النائب الأول لرئيس البنك الدولى، الدول العربية للاستفادة من أبحاث الاقتصاديين الثلاثة الفائزين بجائزة نوبل هذا العام، فى مجال سياسات مكافحة الفقر، والقضاء على الفقر المدقع، وهو الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة وبرامجها حتى عام 2030.

فاز خبراء الاقتصاد أبهيجيت بانيرجى، أستاذ الاقتصاد الهندى، وإستر دوفلو، اقتصادية فرنسية، ويعملان معا فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومايكل كريمر، اقتصادى أمريكى أستاذ بجامعة هارفارد، بجائزة نوبل للاقتصاد لعام 2019، لوضعهم نهجا ساعد ملايين الأطفال على مستوى العالم، وذلك من خلال معالجة الفقر، عن طريق تقسيمه لقضايا أصغر وأدق فى مجالات، مثل: التعليم والرعاية الصحية، ما يسهل حل المشكلات.

وقال محيى الدين، إن الجائزة هذا العام ردت الاعتبار للحلول الاقتصادية العملية المبنية على بحوث تطبيقية تفيد الناس، حيث أجرى هؤلاء الخبراء دراسات تجريبية، للمساهمة فى علاج مشكلات الفقر والارتقاء بالرعاية الصحية للفقراء، مضيفا، المنهج الذى استخدمه الاقتصاديون الثلاثة فى مكافحة الفقر، بتحليل العينات ومقارنتها بأخرى خاضعة لظروف مختلفة، يساعد فى النهاية صانع القرار على استهداف أدق وتحقيق نتائج أفضل، خاصة فى ظل قيود الموارد الموجهة للأكثر احتياجا.

ويرى محيى الدين، أن هذا المنهج يساعد أيضا فى التعامل مع مشكلات الفقر كحالات متفردة، فلكل حالة لإنسان فقير خصائصها واحتياجاتها وإمكاناتها فى الاستجابة، فالأمر ليس مجرد أعداد أو نسب فى المجتمع.

وحصل الخبراء الثلاثة على جائزة نوبل مناصفة، بعد الطرح الذى قدمه الزوجان استر دوفلو وابهيجيت بانرجى، وهما أستاذان بمعمل عبداللطيف جميل للتطبيقات العملية لمكافحة الفقر، الذى تأسس عام 2003، وذلك فى كتاب «اقتصاد الفقراء»، والذى يعتبر إعادة نظر شاملة فى طريقة مكافحة الفقر، وتمت ترجمته إلى 17 لغة.

وحاول الخبيران فى كتابهما، أن يواجها الصعوبة التى يجدها القراء فى الاطلاع على كتب الاقتصاد، بسبب أسلوبها الأكاديمى وعدم عرضها لنماذج معايشة ميدانية، وذلك من خلال العمل مع فقراء فى دول مختلفة، لمعرفة الأسباب الحقيقية خلف الفقر المدقع الذى يعيشه الملايين حول العالم.

وأنتجت هذه المعايشة عديدا من الكتب والأبحاث المتخصصة فى الاقتصاد التنموى، من خلال 240 تجربة فى 40 دولة، والتى توجت جهودهم بجائزة نوبل، بعد أن جاء كتابهم مبسطا موجها للقارئ العام، بجانب المختص، رغم عمق موضوعه وخطورته.

ويبدأ الكتاب المكون من 470 صفحة، بمقدمة مهمة تحمل طابع إنسانى من خلال نبذة عن حياة الباحثين الخاصة، مهدت للبحث عن أسباب الفقر فى العالم، من خلال حكايات شخصية تحدث على أرض الواقع فى كينيا ونيجيريا والهند وبنجلاديش وجنوب افريقيا، ليحمل الكتاب الوجه الاقتصادى والاجتماعى على حد سواء.

ويشير الكتاب فى مقدمته، إلى أنه فى الغالب يتم الخلط بين اقتصاد الفقر واقتصاد الفقراء، وهو ما يفشل جهود الحرب على الفقر فى العالم، لذلك علينا التخلى عن عادة اختزال الفقراء فى شخوص كرتونية وفهم حياتهم بشكل حقيقى، بما فيها من تعقيدات وثراء.

ويوضح الكتاب، أن هناك اقتصادا شديد الثراء ينشأ عن فهم الحياة الاقتصادية للفقراء، مثل ما الذى يشترونه ويفعلونه تجاه تعليم أطفالهم وصحتهم، وكم عدد الأطفال الذين يقررون إنجابهم، وهو ما جاء من خلال 8 قضايا ناقشها خلال صفحاته.

وتطرق الكتاب إلى أن المساعدات أو المعونات الأجنبية لا تمثل إلا قدرا ضعيفا للغاية من الأموال التى تنفق على الفقراء سنويا، حيث إن معظم البرامج التى تستهدفهم يتم تمويلها من خلال موارد الدول الخاصة بهم.

ولفت النظر إلى السؤال الأهم، وهو أين تذهب أموال تلك المساعدات، أى اختيار المشروع الصحيح الذى ينبغى تمويله، فهل يكون مشروعا يوفر الطعام أم يوفر معاشات لكبار السن أو ينشئ عيادات طبية للمرضى، ثم بعد ذلك التفكير فى أفضل سبل إدارته وتشغيله.

وأضاف الكتاب، أنه يجب التفكير فى حلول محددة للمشكلات الفعلية بدلا من التفكير فى المساعدات الخارجية، لافتا إلى أن الأسباب الكامنة وراء فشل سياسات مكافحة الفقر وتحقيق أثر المساعدات هى: الأيديولوجيا والجهل والكسل سواء من ناحية الخبير أو مقدمى المساعدات أو صانع السياسة المحلى.

وفيما يخص الدعم المقدم للغذاء، دعا الكتاب الحكومات والمنظمات الدولية أن تعيد النظر فيما تطبقه من سياسات، فالأهم ليس تقديم مزيد من الحبوب وإنما الحصول على العناصر الغذائية الأخرى كالخضراوات الطازجة، وأيضا الاستثمار مباشرة فى تغذية الأطفال والأمهات الحوامل.

وأشار إلى، أنه كلما كانت نقود الإنسان العاطل أقل، ينخفض ميله إلى شراء الغذاء الصحى، ويتجه إلى الأشياء التى تجعل حياته أكثر متعة وأقل مللا، مثل الغذاء المميز أو جهاز التليفزيون.

أما فى قطاع الصحة، نصح الكتاب، بضرورة تطبيق مبدأ الوقاية خير من العلاج، وذلك من خلال توفير شبكات المياه والصرف الصحى للفقراء، خاصة أنهم يرون أن المراكز الصحية الحكومية غير فعالة سواء على مستوى الموظفين أو الأطباء، وبالنسبة لقطاع التعليم، كشف الكتاب،عن مشكلة عجز المدارس الحكومية فى جذب الأطفال، مما يسبب معدلات غياب تتراوح ما بين 14 و50% وحدوث ظاهرة التسرب من التعليم.

لذا، طرح حلين للمشكلة، وهما: زيادة الاستثمارات فى المهن والوظائف الجيدة الناتجة منه، ما يجعل الأهالى يشعرون بعائد له، بجانب تطبيق برامج التحويلات النقدية المشروطة.

وفيما يخص الزيادة السكانية، أو عمليات تنظيم الأسرة، أشار الكتاب إلى أن إنجاب العدد الكبير من الأطفال لا يعنى بالضرورة معاناتهم، ولكن يشير إلى أن الأم هى التى ستعانى، وهو غالبا ما يحدث نتيجة الحمل فى سن مبكرة أو الزواج وبالتالى الانقطاع عن التعليم.

وشرح الكتاب الفكرة، بأن مشاركة الأم فى قرار الإنجاب داخل الأسرة يتوقف على إمكانية عثورها على وظيفة، ومدى حريتها فى الحصول على الطلاق وإعالة نفسها، كما أكد أهمية توفير برامج المعاش والرعاية الصحية لكبار السن، وهو ما يجعل الآباء أقل لجوءا وميلا لإنجاب المزيد.

ولفت إلى المخاطر العالية التى يعانى منها الفقراء ولجوءهم للتحوط ضدها، فبالرغم من تمتع فلاحى الدول الغنية بالتأمين ضد مخاطر الطقس ونفوق الماشية وغيرها، إلا أن الفقراء لا يلجأون للتأمين، وأرجع ذلك إلى عدم وجود مراقبة لعمل الشركات أو مراقبة للمستفيدين منها، لذلك طرح فكرة أن تتدخل الحكومات من خلال تسديد جزءا من أقساط التأمين عن الفقراء. وأوضح، أن الفقراء عادة ما يلجأون لبناء المنازل بشكل بطيء للاستثمار فيها للمستقبل أو اللجوء لجمعيات الادخار الدوارة مع آخرين، لكنهم لا يلجأون لوضع مدخراتهم فى البنوك، لذلك نصح بخفض الرسوم الإدارية ورسوم السحب بالنسبة للحسابات الصغيرة، وتسهيل الإجراءات، وتوفير فروع البنوك فى القرى، مشيرا إلى الأسباب التى تجعل التمويل متناهى الصغر مفيدا فى مشروعات الفقراء وإقراضهم، إلا أنه ليس معجزة أو الطريقة المثلى كما يأمل البعض بسبب القيود الموجودة به، إلى جانب معاناة مشروعاتهم من التنافسية الشديدة وعدم الابتكار.