وفاة مارسيل نينو أول جاسوسة إسرائيلية فى مصر

العدد الأسبوعي

مارسيل نينو
مارسيل نينو


"يديعوت أحرونوت" تكشف تفاصيل أكبر فشل للموساد فى "العملية المخجلة"

توفيت الثلاثاء الماضى، مارسيل نينو، أول جاسوسة إسرائيلية فى مصر والتى شاركت فى عملية لافون أو عملية سوزانا التى خطط لها جهاز الموساد ونفذها عام 1954 بتفجير بعض مكاتب المصالح البريطانية والأمريكية فى مصر.

كان هدف العملية منع قوات الاحتلال البريطانى من الانسحاب من مصر، حتى لا يتفرغ الضباط الأحرار لمحاربة إسرائيل، إذ سبب صعودهم كابوساً لدى الإسرائيليين لذا تقرر تنفيذ عملية تلهيهم عن محاربة تل أبيب وأدى الاتفاق بين القاهرة ولندن على إجلاء القوات البريطانية من قناة السويس إلى تنفيذ الفكرة بشكل سريع.

وخططت المخابرات الإسرائيلية لتفجير مكاتب المصالح البريطانية والأمريكية فى القاهرة والإسكندرية والزعم بأن مصريين نفذوها، وفكرت تل أبيب فى استخدام خلية نائمة أسستها عام 1950، مكونة من مجموعة من الشباب اليهودى المصرى، والتى كان هدفها التجسس لمصلحة إسرائيل داخل بعض الدول العربية، والعمل فى حال اندلاع الحرب بين العرب وإسرائيل.

وسافر أعضاء الخلية «المصريين» إلى إسرائيل وقضوا 4 شهور لتلقى بعض التدريبات ليكونوا مستعدين للعمل فى أى وقت وبشكل احترافى، ومن بينهم مارسيل نينو، المولودة فى القاهرة عام 1929، والتى توفى والدها وعمرها 10 سنوات، وانتقلت للحياة فى حى مصر الجديدة.

وعندما بلغت نينو الـ14 عاماً انضمت لحركة «هاشومير هتساعير» أو «الحارس الصغير»، وهى أول حركة صهيونية شبابية تم تأسيسها عام 1913 على أيدى مجموعة من الشباب اليهودى، بهدف التواصل بين اليهود، وكان لها حوالى 100 فرع فى أنحاء العالم.

وبفضل انضمامها لهذه الحركة، تعرفت نينو على طبيب يدعى حاييم فيكتور سعديا، والذى كان يبحث عن مجموعة من الشباب لديهم الروح والحماسة لفكرة الصهيونية، وعرفها بدوره على شلومو هالال، مندوب الوكالة اليهودية فى مصر، وخلال أول مقابلة بينهما، قالت نينو إنها العائل الوحيد لأسرتها، وطلبت من هالال الاعتناء بوالدتها إذا حدث لها مكروه، ثم التقت «نينو» بإبراهام دار، الشهير بـ«جون دارلنج»، وتطوعت فى شبكة التجسس التى أسسها الأخير، وأصبح اسمها الحركى «كلود».

كان دور «مارسيل نينو» أو «كلود» فى عملية لافون، أن تكون نقطة الاتصال بين الخليتين اللتين أسسهما «دارلنج» فى القاهرة والإسكندرية ونقل وتوصيل العبوات والطرود بينهما.

وتعرفت مارسيل نينو أيضاً على ماكس بينت، الذى كان يعمل لمصلحة المخابرات الإسرائيلية ولكن لأداء مهمة أخرى، ولكنه سلمها بعض الطرود لتوصيلها لخليتى القاهرة والإسكندرية، كما علمها التصوير والكتابة بالحبر السرى.

واستقر «دارلنج » على 13 من شباب اليهود فى مصر والإسكندرية، والذين عملوا بضع سنوات فى مصر كخلايا نائمة، وفى 8 يوليو عام 1954 صدرت الأوامر ببدء تنفيذ التفجيرات، من خلال بث شفرة من تل أبيب عبر برنامج إذاعى يهتم بشئون المرأة وربات البيوت، عن طريقة تحضير الصلصة التى تصلح لإضافتها للسمك والسجق والمكرونة، وتتكون من الطماطم والكمون والفلفل الأخضر.

بدأت خلية القاهرة فى هذا اليوم بزرع عبوة ناسفة داخل أحد مكاتب البريد ما أدى لانفجار هائل وحريق ضخم، وبعد 6 أيام تم تفجير المكتبة الأمريكية فى مدينة الإسكندرية، كما حدد أعضاء خلية القاهرة 23 يوليو الذى يمثل الذكرى الثانية لثورة يوليو لتنفيذ العملية الثالثة، بتفجير بعض دور السينما فى القاهرة والإسكندرية فى توقيت واحد، إلا أن العملية فشلت لانفجار إحدى العبوات فى جيب «فيليب ناتانزون» أحد أعضاء الخلية، وهو على سلالم سينما «ريو» حيث كان المخربون اليهود يضعون عبوات ناسفة صغيرة الحجم، فى جرابات النظارات، لتسهيل مهمتهم بتعمد نسيان الجراب فى الأماكن المستهدفة، وهو ما أدى لاكتشاف الشرطة المصرية للمخطط الإسرائيلى والقبض على جميع أفراد خليتى القاهرة والإسكندرية خلال شهر واحد.

وفى 27 يناير عام 1955، تمت محاكمة المتورطين فى الشبكة وصدر حكم بإعدام كل من: موشيه مرزوق، وشموئيل عازار، زعيمى الخليتين، وهو الحكم الذى تم تنفيذه، كما قضت المحكمة بالسجن المؤبد لكن من فيليب ناتانزون وفيكتور ليفى، والسجن لمدة 15 عامًا لمارسيل نينو وروبرت داسا، والسجن لمدة 7 سنوات لمائير زعفران، ومائير ميوحاس، والبراءة لإيلى نعيم وتسزار كوهين.

ومع بدء سقوط خلية الجواسيس حاول جون دارلنج، الذى لم تتوفر أدلة لتوجيه الاتهام له دخول مصر عبر أوروبا ثم السودان، لفعل أى شىء لإنقاذ بقية أفراد الخلايا الذين لم يتم القبض عليهم، وقبل صعوده إلى الطائرة المتجهة إلى مصر علم بأنه أصبح متهماً بناءً على أقوال فيليب ناتانزون وأن اسمه منشور بالصحف المصرية كمجرم مطلوب، حيث تم الحكم عليه غيابياً بالسجن المؤبد، لايزال هذا الحكم سارياً حتى اليوم حسب قول «دارلنج» نفسه.

وفى المقابل فرضت الرقابة العسكرية فى إسرائيل حالة من السرية على العملية التى أسموها «العملية المخجلة» وكذلك على تفاصيل المحاكمات، وظلت القضية يُشار لها بعبارات كودية ورمزية لسنوات طويلة، واستمر هذا التعتيم حتى بعد عام 1967، حيث كان يُشار للعملية «بالمشكوك فيها وأنها أضرت بكرامة إسرائيل»، و«العملية التى تسببت فى مقتل بعض اليهود».

وأشارت الرواية الإسرائيلية إلى أن المحاكمة العسكرية التى أصدرت الأحكام ضد أفراد الخلية كان يرأسها القاضى يوسف الدجوى، الذى تم تعيينه بعد عام واحد، كحاكم عسكرى لقطاع غزة، وسقط فى الأسر الإسرائيلى فى حرب 1956 بعد احتلال قطاع غزة.

وذكر «دارلنج»، 94 عاماً، فى حديث مع صحيفة يديعوت أحرونوت، أنه بعد نهاية حرب 1967، تكررت مفاوضات تبادل الأسرى لم يتم أيضاً المطالبة بالمجموعة فتدخل شخصياً ورفع الأمر لرئيس الموساد، مائير عاميت، وعدد من وزراء ومسئولى الحكومة، ومنهم موشيه ديان، الذى عنف المسئولين بشدة وقال لهم إن خليتى القاهرة والإسكندرية من أصحاب الرتب العسكرية وبينهم نقيب ورائد، ولا ينبغى تجاهلهم خلال المفاوضات.

وأثمرت ضغوط «دارلنج»، وقرر رئيس الحكومة وقتئذ ليفى أشكول، وقف مفاوضات تبادل الأسرى، إذا لم يتم الموافقة على الإفراج عن أعضاء العملية، وهو ما حدث بالفعل وخرجوا جميعاً عام 1968 وبينهم مارسيل نينو.