مي سمير تكتب: سر الخوف فى "الهالوين"

مقالات الرأي



شعوب قديمة اعتبرته اليوم الفاصل بين عالمى الأحياء والأموات وموسم ظهور الأشباح


كلمة هالوين، تعنى ليلة عيد جميع القديسين، وتعود للقرن الثامن عندما حدد البابا جريجوريوس الثالث، عيد جميع القديسين فى الأول من نوفمبر، ولكن البعض يرى أن أصول احتفال الهالوين ترجع لمهرجان يسمى «ساوه» كان يحتفل به الكلتيك القدامى الذين عاشوا فى أوروبا قبل ألفى عام فى المنطقة التى تعرف حالياً بأيرلندا والمملكة المتحدة وشمال فرنسا.

وكان شعب الكلتيك يعتبر أن أول يوم فى نوفمبر هو بداية العام الجديد، وبالتالى كانوا يحتفلون بالسنة الجديدة وباليوم الفاصل بين نهاية الصيف وموسم الحصاد وبداية الشتاء المظلم البارد فى 31 أكتوبر، خصوصاً أن قسوة الشتاء كانت مرتبطة بوفاة البشر، لذا اعتقدوا أيضاً أن هذه الليلة تتلاشى فيها الحدود بين عالمى الأحياء والموتى.

تطور هذا الاحتفال وحمل شكله التقليدى المعروف اليوم فى الولايات المتحدة الأمريكية، واختلطت فيه معتقدات وعادات المجموعات العرقية الأوروبية المختلفة فى أمريكا، مع معتقدات الهنود الحمر السكان الأصليين لأمريكا ما أنتج النسخة الحديثة من «الهالوين».

فى الولايات المتحدة تبدأ الأمهات فى صنع أقنعة مخيفة، يضعنها على وجوه أطفالهم ليظهروا بشكل الأشباح، فلا تتمكن الأرواح الشريرة من التعرف عليهم وأذيتهم، كما ارتبط العيد أيضاً بوضع الحلوى على أبواب المنازل لتنشغل الأرواح المتجولة بأكلها بدلاً من أذية البشر.

هذا العيد الذى أصبح معروفاً بـ«عيد الرعب»، يثير تساؤلات عديدة حول شغف الإنسان بالأموات والرعب، فى هذا الإطار، ارتبط الخوف فى ثقافات الشعوب برموز مختلفة.

1- سر الخوف

الخوف عاطفة إنسانية قوية وبدائية، ينبه إلى وجود خطر، وكان حاسما فى إبقاء الجنس البشرى على قيد الحياة، ويقسم العلم الخوف لنوعين أولها الاستجابة الكيميائية الحيوية أو الاستجابة العاطفية.

يعد الخوف، باعتباره تفاعلاً كيميائياً حيوياً عاطفة طبيعية وآلية للبقاء على قيد الحياة، وعندما نواجه تهديداً محسوساً، تستجيب أجسامنا بالتعرق وزيادة معدل ضربات القلب وارتفاع مستويات الأدرينالين التى تجعلنا فى حالة تأهب قصوى فيما يعرف بـ«القتال أو الطيران»، حيث يستعد الجسم للدخول فى القتال أو الهرب.

أما الخوف كاستجابة عاطفية، فهو رد فعل شخصى للغاية، وينطوى على بعض ردود الفعل الكيميائية فى أدمغتنا التى تثيرها، يمكن اعتبار الشعور بالخوف فى ظل ظروف معينة ممتع، كما يحدث عند مشاهدة أفلام الرعب.

يدمن بعض الناس الأدرينالين، ويشعرون بالسعادة فى الرياضات المتطرفة وغيرها من حالات التشويق التى تسبب لدى الآخرين رد فعل سلبى وتدفعهم لتجنب المواقف المحفزة للخوف بأى ثمن، ورغم أن رد الفعل البدنى هو نفسه، يتوقف اعتبار الخوف إيجابيًا أو سلبيًا، على الشخص نفسه، الغريب أن البعض يشعر بأعراض الخوف حتى لو كانوا يشاهدون فيديو أو صورة مثل أصحاب الخوف من المرتفعات.

2- الأشباح تظهر فى أمريكا

المقصود روح شخص ميت أو حيوان يمكن أن يظهر فى الواقع، وتختلف أوصاف الأشباح من الوجود غير المرئى إلى الأشكال الخفية الشفافة أو بالكاد المرئية، إلى الأشكال الواقعية أو المرئية.

وتعرف المحاولة المتعمدة للاتصال بروح شخص متوفى باسم استحضار الأرواح، حيث انتشر الاعتقاد بوجود أشباح على نطاق واسع فى الثقافات القديمة، وبعض الممارسات الدينية القديمة والطقوس الجنائزية، وطرد الأرواح الشريرة، وبعض ممارسات الروحانية والسحر الطقسى، مصممة خصيصا لراحة أرواح الموتى، كما أن الخوف من الأشباح مرتبط إلى حد كبير بالشعب الأمريكى، وفقا لدراسة أجريت عام 2009 من قبل مركز بيو للأبحاث، قال 18٪ من الأمريكيين إنهم رأوا أشباحاً خلال حياتهم.

الإجماع الساحق للعلوم هو أن الأشباح غير موجودة، ومن المستحيل تزوير وجودها، وتم تصنيف صيد أو مطاردة الأشباح على أنه علم زائف، وبعد مئات السنين من البحث لا يوجد دليل علمى على وجود أمكان تسكنها أرواح الموتى، حيث أشارت الأبحاث إلى أن مشاهدة الأشباح قد تكون مرتبطة بأمراض الدماغ مثل مرض الزهايمر.

3- أوروبا تفضل الخوف من «دراكولا»

حكايات مصاصى الدماء هى القصة المفضلة الدائمة خلال عيد الهالوين، ولكن يمكن العثور عليها على مدار السنة فى الأفلام والتليفزيون، وفى الكتب والمدونات، إذ يبدو تعطش الجمهور لمصاصى الدماء لا نهاية له مثل تعطش مصاصى الدماء للدماء.

مصاص الدماء الأكثر شهرة هو بالطبع، شخصية دراكولا التى قدمها برام ستوكر، وتشير بعض الروايات الأوروبية إلى أن ظاهرة مصاصى الدماء «حقيقية»، ويستشهدون بالأمير الرومانى فلاد تيبس «1431-1476»، ويقال إن ستوكر استوحى بعض جوانب دراكولا من شخصية هذا الأمير الرومانى، وتم وصف تيبس باعتباره مصاص دماء، مع أنه فى رومانيا، لا ينظر إليه باعتباره ساديًا يشرب الدماء ولكن بطل قومى دافع عن إمبراطوريته من الأتراك العثمانيين.

ويلاحظ ماثيو بيريسفورد، مؤلف كتاب «من الشياطين إلى دراكولا: إنشاء أسطورة مصاصى الدماء الحديثة»، أن هناك أسسًا واضحة لمصاصى الدماء فى العالم القديم، على سبيل المثال هناك اقتراحات بأنهم ولدوا من السحر فى مصر القديمة باعتبارهم أرواح شريرة تم استدعاؤها إلى هذا العالم.

وهناك العديد من النسخ من مصاصى الدماء فى جميع أنحاء العالم، منهم آسيويون، مثل شخصية «شون الشى» الصينية وهى روح شريرة تهاجم الناس وتستنزف طاقة حياتهم، وهناك أيضا آلهة الغضب التى تشرب الدم والتى تظهر فى «كتاب الموتى فى التبت».

4- المصريون يشعرون بالرعب من النداهة

فى التراث العربى هناك مجموعة من الشخصيات التى شكلت مصدرًا للخوف والرعب، أشهرها «النداهة» وهى أسطورة مصرية لسيدة رائعة الجمال تخرج فى الليل من النهر لتنادى على رجل يقع فى أسر جمالها ويلاحقها، وفى النهار يتم العثور عليه مقتولاً وفى الغالب يغرق فى النهر. وهناك القطرب أو الرجل الذئب الذى تمت الإشارة إليه فى كتب ابن سينا الذى لاحظ أن أحد مرضاه يعانى من كثافة شعر بشكل غير مألوف ولهذا أطلق عليه اسم القطرب. وكان الرحالة العربى أحمد بن فضلان، وصف أشخاصاً بهذه الملامح يشاركون فى المعارك الحربية، ومن الثقافة اليمنية عرف العالم العربى شخصية «العظروط» وهو جن متوحش يظهر فى منطقة حضرموت ليلاً فى الشوارع المظلمة، من بعيد يبدو «العظروط» كإنسان طبيعى ومع الاقتراب منه يكتشف الشخص حقيقته المرعبة، رغم أنه لا يقتل ولكنه يكتفى بتخويف من يقابله. وهناك أيضا أسطورة أم الصبيان أو أم الدويس وهو اسم لمخلوق يعتقد البعض بوجوده و تنتشر الحكايات عنه فى اليمن وبعض دول الخليج العربى وفی جنوب غرب إیران، وحسب كتاب «الجنية» لمازن فاروق بدر، أم الصبيان هى أنثى غول شديدة البشاعة لها أرجل بقرة، وتتنكر غالباً فى شكل امرأة جميلة تظهر فى الليل أو قبل الفجر لتخطف الرجال وتتزوجهم، أو تحولهم لحيوانات إذا رفضوها.