"ليه مش في بالنا إن النهاية قريبة".. تفاصيل جديدة حول ضحية "قطار 934"

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


وجه بشوش، بشرة قمحاوية، عينان مملؤتان بالأمل، يظهر مبتسمًا دائمًا، قلب صادق يحاول أن يقتنص كل الفرص للفوز بلقمة عيشه، رغم أنه لم يكمل عامه الثالث والعشرون بعد إلا أن ملامحه كانت تظهر عليها علامات الشقى والتعب.

دائما الموت ينتقي الموهوبين، يختارهم من وسط الحشود، حتى وأن كانوا داخل عربة مكتظة بالركاب، داخل أروقة قطار رقم 934 إسكندرية مكيف والذي لقب بقطار طنطا، إذ طلب الكمسرى المسئول عن القطار من شابين دفع تعريفة تذكرة الركوب، إلا أنهما امتنعا؛ وعللا ذلك بعدم توافر المال الكافي معهم لدفع ثمن التذكرة.

مما دفع الأخير إلى إجبارهم على الهبوط من القطار، أثناء سيره بسرعة كبيرة، الأمر الذي تسبب في إنهاء حياة محمد عيد، دهسًا تحت عجلات القطار، وبتر ساق رفيقه الذي قفز معه.

وفي مساء يوم الحادث، أصدرت النيابة العامة قرارها بحبس المتهم (الكمسري) أربعة أيام على ذمة التحقيق، عقب إلقاء مباحث السكك الحديد القبض عليه في محطة طنطا، وأقرت أنه بالتشريح المبدئي للجثة تبين أن الرأس قد فصلت عن الجسد.

الآذان والأغاني.. طريقة "ضحية قطار 934" لحل أزماته





"فات قد إيه من العمر وفاضل قد إيه.. ليه مش في بالنا إن النهاية قريبة"، كلمات تغني بها محمد عيد، دون أن يعلم أنها من الممكن أن تكون عنوان لحياته القصيرة.

أبدع في الغناء تاركًا لرفاقه ذكرى جميلة لا تنسي، هكذا عقب أحد أصدقاءه قائلًا: "محمود كان أحسن حد فينا كلنا.. حتى صوته مكانش بيفارقنا في أي مكان نقعد فيه كان على طول بيغني".

غنى للحب، للخير، لكل ما هو جميل، كان يفر من الحياة إلى الغناء، محاولًا تهوين العقبات التي تعرقل طريقه على نفسه، على حد تعبير صديقة محمد إبراهيم، الذي أوضح أن محمد كان يسعى جاهدًا إلى تطوير تلك الموهبة التي رزقها الله بها، وكان يقرر أن يسعى إلى أن يشارك في أحد برامج المسابقات الفنية، عقب حصوله على فرصة عمل جيدة، تضمن له قوت يومه، وتكفل له حياة كريمة، آمنة كما كان يتمناها.

"مغني أم بيومي" لقب لازم الفقيد خلال رحلته الغنائية، فقد كان يجمع أصدقاءه ويجلسوا معًا ويبدأ هو بالغناء، كما أنه كان يجامل جيرانه وأصدقاءه بالغناء في أفراحهم مجانًا دون أن يتقاضى أي أجر، على حد قول إبراهيم.


فيما أعرب أحد أصدقاء محمد عيد، خلال تعليقًا كتبه على الصفحة الشخصية للفقيد عبر موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، عن حزنه الشديد لفقدانه أقرب الأقربين إلى قلبه، معلقًا: "كل ما أسمع الآذان هفتكرك يا صاحبي" 

تابع، أن محمد كان يغني لأهالي منطقته شبرا الخيمة حتى يسعد نفسه ويطرب آذانهم، وكان الجميع يتودد إلية، ويستمتع بجلسات الغناء التي كان يقدمها لهم.

تفاصيل رحلة "عيد" إلى عروس البحر المتوسط 






أما عن حرفته التي أتقنها بشدة هي صناعة الحلي والمدليات، فبعد أن اتقن تلك الحرفة من أحد الباعة في منطقة الحسين تحديدًا داخل أروقه شارع المعز، هم بصناعتها بنفسه داخل غرفته الصغيرة، بمنطقة شبرا الخمية، معتمدًا على بعض الأدوات البسيطة، كالجاكوش، المفكات، الغراء، خيوط الصوف، والحلقات المعدنية.






بعد أن صنع كميات هائلة من الحلي والإكسسوارات، متخذًا قراره ببيعها في محافظة الإسكندرية، إلا أن سوء الأحوال الجوية خلال الأيام القليلة الماضية كان سببًا كافيًا في إفسادها جميعًا، مما دفعه للعودة إلى محل إقامته، حتى يحاول تضميد جراح أحلامه في جمع قوت يومه التي حملها بين كفيه.






اتخذ "محمد" قراره باستقلال أحد القطارات، وهو يعلم تمام العلم أنه لا يملك ثمن تذكرة القطار، كما أنه ما عاد يملك المال الذي يبقيه في الإسكندرية على قيد الحياة، لم يكن يعلم أنه قطاره إلى النهاية، وأن عجلاته ستكمل رحلتها دهسًا على جسده، فاصلًة راسه عن جثمانه. 

حاول شرح حالته ووضعه المالي لمفتش التذاكر داخل قطار 934، إلا أنه لم يرق لحالهن وكذلك كان حال ركاب القطار الذين تعاملوا معه كأنه غير موجود، فلاحقوه بنظراتهم، حتى وصل إلى باب القطار، الذي أجبره الكمسرى على التوجه إليه والقفز منه، ليلقي الشهيد آخر كلماته للجميع "القطار ده مفيهوش حد جدع".

جنازة شعبية يحضرها كامل الوزير
ما إن قفزّ حتى سقط "محمد عيد" تحت عجلات القطار شهيدًا، وأصيب محمد أحمد ببتر في ساقه، وخلال الساعات القليلة التي تلت الحادث تقدم كامل الوزير، وزير النقل، بواجب العزاء لأسره الفقد، ووعدهم بصرف تعويض مائة ألف جنيه للضحية، وعشرون ألف جنيه للمصاب.

لم يكتف كامل الوزير بالتعويض فقط، وإنما حضر العزاء وسار في جنازة الفقيد، داخل محل إقامته بمنطقة أم بيومي في شبرا الخيمة، كما أنه وعد أسرته الضحية بتوظيف أحد أفرادها ليصبح عائلًا للأسرة.

كما أكد كامل الوزير، لشقيق عيد، عقب تقبيله لرأسه، أنه في حال لجوء أسرتهم إلى المحاكم ورفع قضية بهذه الواقعة، فأنه سيلتزم بالتعويض التي تقره المحكمة في هذا الشأن.

جاء ذلك وسط جنازة شعبية، تعالت فيها هتافات أهالي منطقة شبرا الخيمة بهتافين "عايزين حقه".. "لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله".