طارق الشناوي يكتب: السينما السعودية تتقدم.. والمصرية "للخلف دُر"!

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي


مصر فى أضعف حالاتها السينمائية.. من خلال متابعتى للأفلام المشاركة بالمهرجان داخل وخارج التسابق فى (قرطاج) أقول مع الأسف إن (الحالة جيم)، ولكن فيما يبدو أن الكل صار من (بنها)، إذا كنت لا تدرى فتلك مصيبة، وإذا كنت تدرى فالمصيبة أعظم، وكل التفاصيل مع الأسف تؤكد أنها أعظم.


ما يجرى أمامنا يؤكد أننا نتراجع، ليست هذه هى المشكلة، (أُم المشاكل) أنه لا أحد صارت تفرق معه، لا نتحدث عن فيلم جيد أو ردىء، ولكن صناعة تنهار، وما نراه مجرد حلاوة روح، لا ننتظر جائزة نحصل أو لا نحصل عليها، ولكن عن مكانة مصر محليًّا وعربيًّا ودوليًّا، تضآلت تلك المكانة على الصعيد السينمائى تمامًا، الفن ليس كما يعتقد البعض بنظرة قاصرة دائرة (مشفرة)، من أصحاب المزاج الخاص الذين من الممكن نعتُهم بـ(الناس الرايقة اللى بتضحك على طول) لديهم اهتمامات بعيدة عن أرض الواقع، وهؤلاء طبقا لهذا التوصيف يعيشون فى (كوكب تانى)، بينما الدولة تتوجه بالدرجة الأولى إلى (الكوكب الأولانى) الذى يعيش فيه الغالبية العظمى من المواطنين.

سبق أن كتبت Bننا لا نعثر فى المهرجانات السينمائية التى تقام على أرض (المحروسة) على أفلام تستحق أن تمثلنا، لا أن تُمثل بنا أو علينا.. أسوأ رسالة من الممكن أن نصدرها للعالم هى أن مصر لا تعثر على فيلم مصرى جدير بالتسابق داخل مصر.. فى الماضى، كنا نقول إن أصحاب الأفلام المصرية يفضلون المشاركة فى مهرجانات تمنح جوائز مالية ضخمة مثل (دبى) و(أبوظبى)، ولكن بعد توقف المهرجانين كان لابد أن تتجه الأفلام المصرية للمهرجانات المصرية، ولدينا مثلا (الجونة) الذى يمنح جائزة مالية معتبرة للفيلم الفائز دوليًّا وعربيًّا، على أرض الواقع لا تجد (الجونة) ولا (القاهرة) ولا حتى (الإسكندرية)، فمن يتقدم؟.. وإذا حدث، نكتشف أنها أفلام لا ترقى لكى تحمل اسم مصر. توقعت أن هناك من سيأخذ بعين الاعتبار تلك الكارثة، فوجدت أن لا أحد على الخط، وكأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد مجموعة من السينمائيين يريدون من الدولة أن تدعم شيئًا لا يهم سوى دائرة خاصة، بينما الدولة تمنح جهدها لدعم رغيف العيش وتوفير الزيت والسكر وزيادة عدد المواطنين الذين يحصلون على بطاقة التموين.. الثقافة فى ذيل القائمة، أو هى فى الواقع بعيدة عن الذيل. الدعم القليل الذى كنا نحصل عليه فى الماضى من خلال المركز القومى للسينما توقف لأسباب روتينية، تراجُعنا بالأساس سببه أن المناخ لم يعد قادرًا على منحنا فيلمًا، وتلك هى قطعًا مسؤولية الدولة، فلا أتصور أن المواهب قد نضبت.. ماتت مشروعات سينمائية لأن السوق الحالية بمفرداتها المتعارف عليها ترفضها، والإيرادات المرتفعة فى شباك التذاكر لعدد قليل من الأفلام لها قطعًا مردودها الإيجابى، إلا أنها تشير إلى نجاح نوع وليس صناعة سينمائية، وعلى هذا تفاقمت الأزمة، وسوف تتفاقم أكثر وأكثر، والجهات المسؤولة لا حس ولا خبر.

على الجانب الآخر انتعاش فى عدد من الدول العربية، يسعدنى قطعًا أن أراه، سوف أضرب مثلًا فقط بدولتى السودان والمملكة العربية السعودية، السودان يشارك بثلاثة أفلام فى مختلف مسابقات المهرجان: القسم الروائى (ستموت فى العشرين) لأمجد أبوالعلاء، والتسجيلى الطويل بفيلمى (حديث الأشجار) صهيب قسم البارى (والخرطوم أوفسايد) مروى زين، سبق أن تناولت هذه الأفلام فى مقالات سابقة، بينما السعودية تشارك فى قسم الروائى الطويل بفيلم (سيدة البحر) لشهد أمين، وكان قد سبق للفيلم المشاركة فى قسم (أسبوع النقاد) بمهرجان (فينسيا) واقتنص جائزة (فيرونا) الفيلم الأكثر إبداعا.

الشريط السينمائى هو أول تجربة طويلة للمخرجة، ثرىٌّ فى بلاغته الإبداعية، يأخذ من الأساطير والموروثات العقلية التى تضع المرأة فى أدنى سُلّم الحياة وكأنها مجرد قربان للحياة، ليطل من خلالها على الحاضر ويحفز التوجه الذى يدعو إلى التغيير الحتمى فى المجتمع، والذى يبدأ بمنح المرأة حقوقها المشروعة، الشريط بالأبيض والأسود عن قرية جافة قاحلة، الملح فى البحر يقتل الحياة، ويحيل حياة البشر إلى جحيم، إنهم يعيشون على الخوف من غضب البحر، ويواجهونه بالتضحية بعروس البحر، وهى نفس الأسطورة المصرية القديمة التى كانت تمنح النيل فتاة جميلة خوفًا من الفيضان، وهكذا يهدون البحر قربانًا، والرجل هو الذى يقدم ابنته بيديه للبحر.. الفيلم يقدم العالم السحرى من خلال صورة تنضح بدرجات لونية متباينة محملة بكل التفاصيل، ليصبح التدرج البصرى بين الظلمة والنصوع الضوئى هو أبجدية هذا الفيلم.. المخرجة شهد أمين تُطل على الحياة من خلال الحراك الذى نتابعه على أرض الواقع. يستعيد الفيلم واحدًا من أهم الأفلام العربية والخليجية تحديدًا للمخرج الكويتى خالد صديق (بس يا بحر)، والذى أنتج فى مطلع السبعينيات، ولكن الفيلم السعودى ليس استنساخًا للفيلم الكويتى، هناك أجواء خارجية للبحر والطبيعة فرضت قدرًا من التوافق. اللغة الفنية شاعرية بالصورة والتعبير الذى يترك مساحة من الخيال، تكثيف الحوار حيث تعتمد البطلة بسيمة حجار على اللمحة ونظرة العين، أتصور أنه فى مساء السبت القادم سيتوج الفيلم السعودى بجائزة، بينما لا أمل للسينما المصرية إلا ربما فى الفيلم المصرى القصير (حبيب) للمخرج شادى فؤاد، والذى لم أشاهده حتى كتابة هذه السطور.