حكايات خاصة جدا لـ"المغتربات" فى بيوت التطرف

العدد الأسبوعي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


الحجاب يغنى عن البطاقة الشخصية ويخفض الإيجار

مالكة تمنع الطالبات من ارتداء البنطلون.. و"الاسترتش" يرفع أجرة السكن


فى الوقت الذى تحارب فيه الدولة الإرهاب بشتى الطرق، للقضاء على بؤر التطرف البعيدة عن الأعين، خاصة الشقق المفروشة المؤجرة، هناك فئة يجب تسليط الضوء عليها وعدم تهميشها، بالتزامن مع بداية العام الدراسى الجديد، لما لها من تأثير كبير على الأمن والاستقرار فى المجتمع، وهم الطلاب.

فمع بداية كل عام دراسى، لم يعد يقتصر اعتماد الطلبة على السكن الجامعى فقط، الذى يكتفى بأعداد محددة من الطلاب وبمواصفات معينة لقبولهم، ما دفع الكثير إلى تأجير سكن طلابى بالقرب من محيط المعهد أو الجامعة، يتقاسمونه مع طالب آخر أو أكثر، الأمر الذى سهل على ذوى النوايا الخبيثة تشكيل عقول هؤلاء الطلاب واستغلالهم وفقًا لأهوائهم ومعتقداتهم الشخصية.

«سارة» واجهت هذه الأزمة، بعدما قررت تأجير شقة سكنية فى منطقة إمبابة، تجعلها أقرب إلى جامعة القاهرة، التى تدرس فيها بكلية التجارة، لتجد الطالبة صاحبة الـ20 عامًا شريكتين لها بالسكن إحداهما قبطية. لم تكن «سارة» تعبأ بالاختلاف الدينى لصديقتها فى السكن بل كان ثلاثتهن على وفاق، يتشاركن طعامهن ويتقاسمن أحيانًا ملابسهن، حتى شاركتهن أخرى رابعة فى إيجار الشقة، حاولت تغير مسارهن الفكرى مرارًا وتكرارًا بتلميحات غير مباشرة.

ومع الوقت، بدأت الفتاة الرابعة تنبيه شريكتيها المسلمتين وتحذيرهما من التعامل مع الصديقة القبطية، وتكلمت حول تحريم عدم ارتداء الحجاب أمامها، لأنها تعد أجنبية عليهن، كما طلبت منهما ألا يشاركاها فى طهى الطعام خوفًا من إحضارها لحومًا محرمة. واستمرت الفتاة فى أفعالها لدرجة وصلت أن أجبرت الفتاة القبطية على الاستماع يوميًا إلى القرآن الكريم بصوت مرتفع، فى محاولة لمضايقتها، وعندما حاولت «سارة» نصح صديقتها بالمساواة فى التعامل مع زميلتهما المسيحية دون تفرقة وجدت نفسها متهمة بالكفر والنفاق.

الأمر نفسه عانت منه «ليلى» فى العام الماضى، عندما وجدت نفسها مجبرة على تأجير شقة سكنية خلال عامها الدراسى الثانى، بكلية الطب فى أسيوط، عقب رفض قبولها فى السكن الجامعى، وبعد جولة طويلة على الشقق السكنية التى ترتفع إيجاراتها عن مقدرة الفتاة، نصحتها زميلة لها بتقاسم إحدى الغرف المؤجرة فى شقة بمنزل يطلق عليه «الفتيات المسلمات»، تابع لإحدى الجمعيات الخيرية، وذلك مقابل 150 جنيهًا فقط فى الشهر. وعندما تحدثت مع المدير، أخبرها أنه يشترط فى الفتاة ليتم قبولها أن تكون على خلق دينى وأن ترتدى الحجاب والزى الشرعى، حتى تتمكن من الاختلاط ببقية صديقاتها مقابل هذا المبلغ الزهيد.

«أمانى» أيضًا واجهت موقفًا مشابهًا، بعدما التحقت بكلية الآداب فى جامعة الإسكندرية، ولصعوبة انتقالها من القاهرة إلى هناك يوميًا، اضطرت إلى الاعتماد على السكن الجامعى، إلا أنها لم تفضل الجلوس فيه بسبب مضايقات الزملاء وانتشار حالات السرقة، ما دفعها لتأجير شقة تقاسمتها هى وصديقتها مع فتاتين أخريين بجوار الجامعة، تبدو عليهما علامات الهدوء والالتزام. ومع اقتراب موعد امتحانات منتصف العام، فوجئت «أمانى» وصديقتها بمالكة العقار تطلب مقابلتهما، ثم سألتهما عن بعض الأمور المتعلقة بالدين، ونبهتهما إلى حرمانية ارتداء البناطيل الضيقة «الاسترتش».

لم تكترث الفتاتان فى البداية لحديث المالكة، ولكن فوجئتا فى شهر الامتحانات بها ترفع سعر الإيجار 200 جنيه للمستأجرة الواحدة، وعندما سألا صديقتيهما فى السكن علما أنها تحاول الضغط عليهما ليستجيبا لرغبتها ويلتزما بالملابس المحتشمة التى وجهتهما لارتدائها.

لم نكتف بما سمعناه من الفتيات السابقات، فبدأت رحلتنا فى البحث، لنجد انتشارًا ملحوظًا عبر مواقع التواصل الاجتماعى، لإعلانات إيجار سكن الطلاب التى تشترط الملتزمات فقط، تواصلنا مع أحد أصحاب هذه الإعلانات بداعى الرغبة فى الحصول على سكن بسوهاج. أرسل لنا صاحب الإعلان صور السكن الذى يقع بحى شرق، موضحًا أنه يشتمل على كافة الأجهزة الكهربائية اللازمة، ثم أخبرنا أنه بسعر رمزى، 270 جنيهًا شهريًا فقط، بشرط الالتزام الدينى وارتداء الحجاب والمواظبة على الصلوات وحفظ القرآن الكريم.

وعندما أبدينا تعجبنا من هذا الشرط، برر أن الالتزام الدينى ليس عيبًا أو حرامًا، بل هو تشجيع للفتيات للحفاظ على شرفهن وسمعتهن فى الغربة، كما أنه على الجانب الآخر مراعاة لأولياء الأمور ممن يتخوفون من اختلاط أبنائهم بأصدقاء السوء ممن قد يؤثرون على أخلاقياتهم سلبًا. وعن إجراءات التأجير المطلوبة، أكد لنا أنه يكتفى برقم الهاتف وأضاف «والباقى كما اتفقنا»، فى إشارة إلى شرط الالتزام الشرعى.

إعلان آخر تواصلنا مع صاحبه، الذى افتتح حديثه معنا بدعاء «اللهم احفظ بناتنا وبنات المسلمين من كل سوء»، ليسرد لنا تفاصيل السكن المتوفر بمدينة نصر لطالبات جامعة الأزهر. فى البداية شرح لنا العنوان تفصيلًا، ثم أخبرنا أن التأجير بسعر 4900 جنيه من المالك بدون عمولة، بالإضافة إلى شهر تأمين لـ7 أسرة مقسمة على 4 غرف، أى يتم تقاسم المبلغ مع 7 زميلات بالشقة التى أكد أن كافة المرافق والأجهزة الإلكترونية متوفرة بها.

وعندما سألناه عن الشروط أخبرنا أنه يحتاج إلى صورة كارنيه الجامعة ورقم الهاتف، ثم أملى علينا شروطًا أخرى تتمثل فى ضرورة ارتداء الحجاب وعدم العودة إلى السكن بعد السابعة مساء، بالإضافة إلى أنه يمنع استضافة الطالبات من خارج السكن لأى سبب أو حتى لمجرد اللقاء، وفى حال الإخلال بأى شرط من شروط العقد تلغى الإقامة على الفور فى نفس الوقت.

التجارب السابقة كشفت لنا تهاونًا ملحوظًا فى تأجير السكن للطلاب، بالإضافة إلى التلاعب فى أسعار الإيجارات وإملاء شروط التعاقد وفقًا لأهواء المالك ومعتقداته الشخصية والدينية، بدون وجود ضوابط ثابتة تحكم هذا الإجراء لحماية الطلبة المستأجرين خارج جامعاتهم بغرض التعلم.

وبخصوص هذا الشأن تواصلنا مع النائب يسرى المغازى، وكيل لجنة الإسكان بالبرلمان، والذى شدد على أن الشريحة المعنية بهذه الأزمة تحتاج إلى التركيز عليها خلال الفترة المقبلة، لردع الإرهاب ومنع تسلل العقول الدموية المتطرفة بين الشباب، مستهدفة تلويث العلم الذى يشق الطلبة رحلة طويلة من منازلهم إلى محافظات أخرى تبعد مئات الكيلو مترات للحصول عليه.

وأوضح «المغازى» أن هذه الملاحظة فى غاية الأهمية، لافتًا إلى أن المجتمع كان فى الماضى وسطيًا هادئًا لا يصنف الناس، لاسيما أن التطرف سابقًا كان يقوم عليه خلايا نائمة غير ظاهرة بوضوح على الساحة، على عكس ما يحدث الآن.

ونوه إلى أنه بعد بروز هذه الخلايا وتجسدها اليوم فى صورة الملاك والمستأجرين، وجب مراعاة هذه الأزمة والبحث عن حلول جذرية لها، محذرًا الطلاب من البقاء تحت رحمة هؤلاء، ومطالبًا بانتقالهم إلى مساكن أخرى فى حال اكتشافهم طبيعة توجهات الملاك وشركاء المسكن، والابتعاد عن منافذ بث السموم السوداء حتى يتم توفير الحل الصحيح.

وأضاف أن لجنة الإسكان فى أول اجتماع قادم لها ستهتم بمناقشة هذه المشكلة، للتوصل إلى حل يشتمل على جميع الأبعاد القانونية والأمنية، بعد الاطلاع على قانون الإيجارات العام، لتقنين أوضاع تأجير السكن الطلابى وتحديد ضوابط أكثر حزمًا، تضبط العلاقة بين المستأجر الطالب والمالك، كإجراء وقائى يحمى من نشر الأفكار المغرضة بعدما بدأت الدولة رحلتها للقضاء عليها قبل سنوات.