مي سمير تكتب: جرائم الحكومة الأمريكية الخفية

مقالات الرأي



استعانت بعلماء النازية لإجراء اختبارات على السجناء والفقراء السود وحرقت جثث الضحايا

فرق المخابرات الأمريكية زرعت أقطابا كهربائية فى سجناء خارج أمريكا بإحدى التجارب ثم أعدمتهم

بعض التجارب كان هدفها ابتكار عقاقير وأساليب تعذيب لانتزاع الاعترافات


هناك نوعان من الحكم فى الولايات المتحدة الأمريكية، واحد يعرفه الجميع ويرى مسئولوه يطلقون التصريحات ويتحركون حول العالم ويتكون من البيت الأبيض، والكونجرس، والمحاكم، والمجالس التشريعية للولايات، وحكومة أخرى خفية، معروفة بـ«الدولة العميقة»، حيث تدير عناصر مجهولة ومخابراتية وجنرالات ومصرفيون ومدراء شركات وجماعات ضغط السياسة الخارجية والداخلية بغض النظر عن أى حصول أى من الحزبين الجمهورى أو الديمقراطى على الأغلبية وأياً ما يكون الرئيس.

موقع «commondreams» افتتح تقريره المثير عن اللاعبين الرئيسيين الذين يتحكمون فى إدارة المشهد الأمريكى من وراء الكواليس، بهذه الفقرة السابقة، وبعدها سرد قائمة بالأجهزة الأقوى والأكثر أهمية فى الحكومة الأمريكية الخفية وهى وكالات الاستخبارات المنتفخة وغير المسئولة، على حد وصف التقرير.

تشكل هذه الأجهزة طليعة الحكومة الخفية، التى تشرف على «عالم أسود» شاسع، مهمته الحفاظ على السيطرة على السلطة المعروفة ولذا يتجسسون على الجميع ويعدلون نتائج الانتخابات، ويقدمون الرشوة، ويمارسون الابتزاز، والتعذيب، والاغتيال، والاغتيال المعنوى بـ«الدعاية السوداء».

هناك لمحات دورية عن الفساد الأخلاقى وعدم الكفاءة التى تحدد عالم الظل مثل التى قدمتها جلسات الاستماع فى سبعينيات القرن الماضى بقيادة السيناتور فرانك تشرش، ولكن أفضل نافذة على هذا العالم تأتى مع روايات تاريخية لجرائمه، بما فى ذلك تلك الموجودة فى كتاب ستيفن كينزر الجديد، «السجين الأعلى: سيدنى جوتليب وبحث وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عن السيطرة على العقول»، الصادر فى 10 سبتمبر الماضى ويرسم صورة قاتمة لكواليس المخابرات المركزية الأمريكية.

يكشف الكتاب عن المواقع السوداء وأساليب التعذيب التى ابتكرتها الوكالة فى العقود التى تلت الحرب العالمية الثانية، والتى شهدت اختطاف وتعذيب الأشخاص فى كثير من الأحيان، وهى حلقة لا غنى عنها فى هذه السلسلة القاتمة.

وعلى سبيل المثال، أثارت التجارب الطبية التى أجراها النازيون فى معسكرات الاعتقال واليابانيين فى منطقة منشوريا الصينية المحتلة ردود فعل بعد الحرب العالمية الثانية، كان هناك البعض فى الحكومة المرئية الذين سعوا لمحاسبة مجرمى الحرب، ولكن الحكومة الخفية كانت متلهفة على الاستفادة من نتائج هذه التجارب واستغلالها وتجنيد مجرمى الحرب الذين أشرفوا عليها للعمل فى أجهزة المخابرات والجيش الأمريكيين.

ولذا تم التعتيم على خلفيات العلماء النازيين الذين كانوا يديرون مشروعات الحرب الكيماوية والبيولوجية، التى أدت لقتل الآلاف من الضحايا بمن فى ذلك الأطفال، ولم يكن أى مجرم من هؤلاء، بمن فيهم كورت بلوم، الذى أشرف على أبحاث النازيين فى الحرب البيولوجية، بمثابة شخص شنيع أو سادى للغاية بالنسبة للولايات المتحدة إذ رحبت بالتعامل معه ومع أمثاله، بعد تبييض سيرتهم.

واحد من هؤلاء شيرو إيشى، الذى قتل 12 ألفا من الجنود الصينيين الأسرى، والمناهضين لليابان، والكوريين، والمنغوليين، والسجناء، والمرضى العقليين، بين عامى 1936 و1942 وبحسب بعض الروايات، أسرى الحرب الأمريكيين أيضاً فى تجارب طبية نيابة عن الحكومة اليابانية، كان بمثابة مصدر قيم للغاية للحكومة الخفية للولايات المتحدة الأمريكية.

وأشرف إيشى على مجمع مساحته أربعة أميال مربعة، يسمى الوحدة 731، يضم 3 آلاف من العلماء والموظفين الآخرين، وحسب كينزر فإن الضحايا «تعرضوا للغازات السامة بحيث يمكن فى وقت لاحق إزالة رئتهم ودراستها، وتحميصهم ببطء بالكهرباء لتحديد حجم الكهرباء اللازم للتسبب فى الموت، وتعليقهم من أرجلهم لدراسة تقدم الاختناق الطبيعى، وحبسهم فى غرف الضغط العالى حتى انفجار أعينهم، وغيرها من التجارب المخيفة التى تعرض لها هؤلاء الضحايا فى هذه البرامج.

وكتب كينزر: «بعد كل تجربة، يقوم علماء الأحياء المجهرية الذين يتعاونون مع إيشى بإزالة عينات الأنسجة بدقة وتثبيتها على شرائح لدراستها، واستخدم الفنيون أبحاثهم لتحضير الشوكولاتة المسمومة وعلكة المضغ، فضلاً عن دبابيس الشعر والأقلام المغلفة بالسموم لاستخدامها فى عمليات القتل القريبة، وفى المختبرات الصناعية، قاموا بتربية البراغيث التى تنشر الطاعون وتصنيع أطنان من الجمرة الخبيثة التى وضعت فى أغلفة القنابل وتستخدم لقتل الآلاف من المدنيين الصينيين».

ورغم هذه التجارب الشيطانية بذلت الحكومة الأمريكية الخفية جهوداً ضخمة لتوظيف إيشى والحصول على سجلات وشرائح واسعة من تجاربه الشنيعة، وتم تكرار هذه الأنواع من التجارب بعد ذلك بوقت قريب ولكن لصالح وكالة المخابرات المركزية هذه المرة فى برنامج سرى للغاية يعرف باسم «مشروع إم كى ألترا» وطبق هذا المشروع برنامجا غير قانونى من التجارب على البشر يتبع الوكالة الأمريكية. وكان الهدف من التجارب على البشر تحديد وتطوير العقاقير والإجراءات التى تستخدم فى عمليات الاستجواب والتعذيب، من أجل إضعاف الفرد وانتزاع الاعترافات من خلال السيطرة على العقل. وأدارت المشروع شعبة الاستخبارات العلمية التابعة للوكالة بالتنسيق مع شعبة العمليات الخاصة من الكتيبة الكيميائية فى الجيش الأمريكى.

يقوم كينزر ببناء كتابه حول سيدنى جوتليب، وهو عميل غامض وغريب وقوى فى الوكالة وأشرف على عدد من التجارب الطبية المختلفة خلال السعى فى بحثه عن السيطرة على العقل.

واستطاع جوتليب إقناع المخابرات المركزية أن السوفيت قد أتقنوا السيطرة على العقول، وأطلق على هذه التجارب اسم «بلوبيرد» ثم «ارتيشوكى» وحسب الكتاب كانت هذه التجارب واحدة من أكثر المشروعات المسيئة والعنيفة على الإطلاق التى ترعاها وكالة تابعة لحكومة الولايات المتحدة.

وغالباً ما حطمت جلسات التعذيب بشكل دائم عقول الأشخاص الذين خضعوا لهذه التجارب، حيث كان يتم اختطاف الضحايا «يُطلق عليهم فيما بعد التسليم الاستثنائى»، وإرسالهم إلى مراكز سرية فى جميع أنحاء العالم، تعرف حالياً بـ»المواقع السوداء» أو تم انتقاؤهم من نزلاء السجون فى الخارج وفى داخل أمريكا.

ومن بين الذين تم إجبارهم على المشاركة فى هذه التجارب الأمريكيين من أصول إفريقية والفقراء فى مركز أبحاث الإدمان فى ليكسينجتون، وكنتاكى.

أجرت الوكالة تجارب لزرع الأقطاب الكهربائية فى العقول للسيطرة على السلوك، إذ يقتبس كينزر من دراسة استخباراتية أمريكية: «طار فريق تابع للوكالة إلى سايجون فى يوليو 1966، وكان من بينهم جراح أعصاب وأخصائى أعصاب وفى مجمع مغلق فى مستشفى بين هوا، بدأ الفريق العمل باختيار 3 سجناء من فييتكونج من قبل المحطة المحلية للمخابرات دون سبب معروف، واعتمدت هذه التجربة على تخدير السجناء قبل زراعة أقطاب كهربائية صغيرة فى أدمغتهم، وعندما استعاد السجناء وعيهم، بدأ السلوكيون فى العمل على تحريضهم على العنف»، وعندما فشلت التجربة تم قتل السجناء.