ويسألونك عن الروح قل عادت إلى "قصر السينما"

الفجر الفني

قصر السينما
قصر السينما


لم يكن بالأمر المنطقي أن تتم أعمال تطوير قصر السينما بجاردن سيتي على مستوى البنية الأساسية ولا يطال هذا التطوير مستوى الدور الأساسي لتلك البناية وهو المساهمة في دفع وتنمية ثقافة السينما وخلق حراك ايجابي وفاعل لتلك الصناعة التي تعد أهم روافد القوى الناعمة من وجهة نظري.

 

بعيداً عن الظرف السياسي، فقد تحول قصر السينما بعد عام 2011 إلى "مكان شبه مهجور" بكل ما تحتويه الكلمة من معنى، فكل من أتى مشرفاً أو مسئولاً عن هذا المكان- مع احترامي لهم جميعا ومنهم أصدقاء وأحباب- بعد تلك الفترة لم يكن ينظر له سوى انه وظيفة يتقاضى عنها أجر وربما لا يذهب لمكتبه فيه إلا نادراً و لمن يريد دليل على هذا الكلام، فبكل  بساطة أريد إجابة على سؤال: ماذا قدم هؤلاء وما هى انجازاتهم التى تحققت على الأرض؟.. إجابتي الشخصية انهم لم يقدموا سوى الهواء، أى الكلام، وصدروا العجز والمشاكل دون بذل أدنى جهد فى إيجاد حلول إبداعية، وأتذكر على سبيل المثال أن احد هؤلاء عقد اجتماع لإصلاح بروجيكتور بمائة جنيه وظل يدور حول نفسه وفى النهاية فشل فى إيجاد حل!

 

لسنا هنا للمطالبة بكشف حساب لهذا أو ذلك، ولكن هنا لنطرح ماكان وما هو حادث الآن في هذه القبلة السينمائية الهامة  وهنا ستظهر الفوارق بين من أدار فى السابق وبين من يدير الآن وهو الفنان تامر عبدالمنعم، والذى لسنا بصدد كتابة مقال لمنحه مزيداً من البريق رغم انه يستحق كل الإشادة والتقدير على ما يبذله من جهود متواصلة على مدار اليوم ليصبح قصر السينما على ما هو عليه حالياً.

 

بعد أن عدت مؤخراً لمتابعة قصر السينما عن قرب شديد دعونى أخبركم و أصف لكم إنطباعى الشخصي وأظنه يتسق بشكل كامل مع رأى الجميع نحو الحالة التى صار عليها، فبعد فترة ساد فيها اللون الرمادى والضوء الخافت ليسكنا جنبات المكان الموغل فى القدم الخال من أى زفرة روح باستثناء بعض الموظفين والعاملين به ينفذون ما يأتيهم من تعليمات فى اطار وظيفى بحت، يأتى تامر عبدالمنعم مديراً لقصر السينما بجاردن سيتى منذ فترة ويضع خطة شابة لتطوير المنشأة على كل المستويات بدأً من البنية التحتية مروراً بمستوى النشاط و برامج الدراسات الحرة وتطوير المكتبة واستوديوهات التصوير والصوت وقاعات العرض السينمائى ومعدات حديثة.. الخ، تستجيب قيادات وزارة الثقافة، لتستعيد المكان بريقه مثلما كان فى السابق على يد تامر عبدالمنعم ايضا فى الفترة من عام 2006 الى ما بعدها بسنوات قليلة ولكن هذه المرة- 2019-  بدا لى بشدة أن الأمر مختلف.

 

تعد عروض الأفلام هو سيد أنشطة قصر السينما، حيث يعرض فيلم يومياً لمدة خمسة أيام فى الأسبوع، وتتنوع بين عالمى وأوروبي وعربى وتسجيلى وروائي قصير ومؤخراً يعرض فيلم إفريقى يوم الاثنين من كل أسبوع بدأ من يوم 28 أكتوبر الجارى وذلك بعد أن تم اتفاق للتعاون وقعه تامر عبدالمنعم مدير القصر والسيناريست سيد فؤاد رئيس مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية وذلك ما يتماشى مع التوجه العام للدولة المصرية لإعادة كل الروابط مع دول القارة السمراء، وهناك أيضا عروض أفلام المرأة، ومن أحد البرامج الهامة على مستوى نشاط الأفلام وهو "نادي الرواية والفيلم" والذى يعقد عدة مقارنات بين رواية ما تم تحويلها لفيلم يطرحها ويناقشها متخصص مع الحضور وكذلك عرض ومناقشة التجارب الجديدة بعرض أفلام الشباب والهواة ومنحهم فرص مواجهة الجمهور ووضعهم على المحك والاستفادة من المتخصصين، وقدر هذا التنوع فى الأفلام، تجد التنوع فى الجمهور بتلبية ذوقه المتعدد وتبلغ الذروة متعتها فى حالة التفاعل بين المتخصص – المحاضر، مدير الندوة، الناقد – من جانب والمتلقي من جانب أخر حيث يتم تنمية الثقافة السينمائية لدى جميع الأطراف بأثر بالغ فى العقول والقلوب وهى معادلة صعبة لو تعلمون.

 

في الأحد الأول من كل شهر يكون عنوان اليوم "نجم وندوة" ويكون الضيف ممثل ذا تجربة خاصة فى السينما، أما الأحد الثانى فى الشهر تجد الضيف احد اهم صناع والعاملين بالمجال السينمائي يكون اليوم بعنوان "تجربتى مع السينما" ومؤخراً اتفق عبدالمنعم مع النجم الكبير سمير صبرى على إقامة يوم فى الشهر بعنوان "نادى التاريخ والذكريات" للحديث عن احد أهم رموز السينما.

 

تأتى الدراسات الحرة بقصر السينما كأحد أهم الركائز فى ذاك المكان الذى يشع سينما، والحقيقة ان هذا النشاط تحديدا افزعنى حين الاطلاع عليه لأنه فى ظل إسهال الإعلان عن جهات مغمورة وأشخاص مغمورين عن ورش متخصصة يحاضر فيها مجهولين وبأسعار طائلة، وجدت برنامج الدراسات الحرة المكثف بقصر السينما مائتي وأربعون ساعة مقسمة على ثلاثة أشهر كل شهر ثمانون ساعة، الشهر الاول محاضرات فى الإخراج والسيناريو والمونتاج والتصوير، والشهر الثانى دراسة التخصص، بينما الشهر الثالث للمشروع والتكلفة ألف وخمسمائة جنيه تدفع على ثلاثة أقساط بواقع خمسمائة جنيه كل شهر وهو دعم خيالى من الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة للمهتمين ومحبى فنون صناعة السينما، لا تندهش عزيزى القارئ حينما أبلغك انك ستجد متلقى الدراسات الحرة  يجلس أمام مدير التصوير سعيد شيمى فى محاضرات متعددة، ويحاضر مادة السيناريو أحد أهم أساتذة السيناريو فى مصر والعالم العربى وهو الدكتور اشرف محمد الأستاذ بالمعهد العالى للسينما وستجد سمينار يضيئه الخرج الكبير سمير سيف ومحاضرات يلقيها المخرج المتميز اشرف فايق ، وغير هؤلاء الكثير من القامات الذين وثقت حضورهم وغيرهم الصفحة الرسمية لقصر السينما وهى أيضا من الأمور التى زادت التفاعل بين الجمهور والمتخصصين والمؤسسة وكذلك جروبات تطبيق "واتس اب"، ومن ايجابيات  تلك الدراسات أن طالب علوم السينما المتلقى والمحاضر كلاهما أتى لقصر السينما بدافع الحب ، والحب فقط ، فلا الدارس ينتظر الاختبار لحصد درجة من هنا او هناك ولا المحاضر المتخصص تواجد لتقاضى مئات الآلاف من الجنيهات، وهنا يكمن السر، وهى الحالة التى خلقها الفنان تامر عبدالمنعم.

 

حينما تدخل مكتبة قصر السينما ما عليك إلا أن تحلم بالتخصص الذى تحب القراءة فيه وستجد مسئولى المكتبة ربما يتسابقوا لتوفيره لك، وإذا أردت أن تختار بنفسك فما عليك إلا أن تتجول لتجد احدث الإصدارات السينمائية المصرية والعربية والعالمية.

 

لو قمت بجولة داخل أروقة قصر السينما ستجد قاعات عرض سينمائى على أعلى مستوى وكذلك قاعات الندوات والمحاضرات بتجهيزاتها التقنية على الصوت والضوء ووسائل العرض التعليمية الحديثة ، ستجد استديوهات تصلح "location" تصوير، وكذلك وجود ستديو تسجيل صوت.

 

جهود جبارة خلقت حالة فريدة من نوعها فى تلك البقعة الآثرة على أرض مصر، الموظفين فى قصر السينما نقطة ضوء بالغة الأثر فيما اعتبره تجربة خاصة على صعيد تنمية الثقافة السينمائية، فتواجدهم يبدأ من الصباح الباكر وحتى قرب منتصف الليل ، ولن تجد من يشعر بالحرج سواء موظف رجل أو امرأة – لا أقول عامل -  حينما يأتى لك بمقعد تجلس عليه عندما تمتلىء القاعة ، ستجد الابتسامة تسبق أى تعامل مع الرواد وهو أمر له بالغ الأثر الايجابي فى النفوس ، المشكلة فى هذا المكان تختفى قبل ولادتها وان وجدت ستجد الحل يسبقها.

 

 

لن اكتب أن شهادتي مجروحة فى تامر عبدالمنعم لأنه صديق ولن أسطر كلاماً للاستهلاك الصحفي وأقول إن رئيس قصر السينما صنع المستحيل، لن أفعل ذلك فالحق بالفعل هو أن تامر عبدالمنعم يستحق العلامة الكاملة فى الإشادة فهذا حقه الذى يجب إلا يبخسه أو ينكره عليه أحد، وتامر لم يصنع المستحيل بل ما قام بفعل بشرى، لكن يبقى الفارق هنا بين أن من يدير فنان مبدع وأخر يدير بعقلية الموظف الخاضع لدساتير الروتين، فارق فى ان من يدير موهوب يفكر بعقلية احترافية فاعلة ويصنع الأحداث بحسن تخطيطه واستثمار علاقاته ، وأخر يدير لكن ينتظر الحدث لاستغلاله ، شكرا تامر عبدالمنعم وفريق العمل الذى يقف خلفه على عودة الروح إلى "قصر السينما" بجاردن سيتي.