"معجزة فلكية فريدة"..كيف أبدع المصريون القدماء في تعامد أشعة الشمس على وجه رمسيس؟

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


في ظاهرة فلكية فريدة من نوعها تحدث منذ 33 قرنًا من الزمان، تتعامد أشعة الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني في منطقة قدس الأقداس داخل معبد أبو سمبل بمدينة أسوان مرتين كل عام، الأولى في 22 فبراير يوم تتويجه ملكًا على مصر والثانية في 22 أكتوبر يقال إنه يوم مولده، وكذلك الإعلان عن بدء موسم الزراعة عند المصريين القدماء.

 

وتقطع أشعة الشمس مسافة 200 متر مرتين كل عام حتى تصل إلى قدس الأقداس، لتتعامد على وجه رمسيس الثاني، ثم تقطع 60 مترًا آخرين لتكمل تعامدها على تماثيل الآلهة آمون رع إله طيبة، لمدة عشرين دقيقة، ونصف تمثال رع حور أختي، ويظل تمثال الإله "بتاح" إله الظلام عند المصريين بعيدًا عن الشمس.

 

عقبرية المصريين

 

وتجسد تعامد أشعة الشمس على تمثال رمسيس الثاني، التقدم العلمي الذي شهدته مصر في أزهى عصور التقدم والحضارة حين لم يعرف العالم أي شكل من أشكال التحضر، كما تُظهر ما وصل إليه العلماء المصريون في مجالات الفلك والنحت والهندسة، وتخترق أشعة الشمس معبد أبو سمبل الذي يرتفع بطول 60 مترًا داخل منطقة قدس الأقداس. 

 

ظاهرة غريبة وصفها المختصون بالمعجزة الفلكية، تعكس براعة المهندسين المصريين في استباط وتقدير المسافة الزمنية التي تمر فيها الشمس لحظة شروقها من نقطة الشرق بالضبط، وغروبها من نقطة الغرب تمامًا في 21 مارس، ثم تتغير نقطة الشرق بمقدار ربع درجة يوميًا نحو الشمال، ومن ثم تصل في شروقها إلى نقطة أبعد ب23 درجة و27 دقيقة شمال شرق يوم 22 شهر يونيو.

 

واستطاع قدماء المصريين فهم وتقدير المسافة التي تمر فيها الشمس على كل نقطة خلال عملية الشروق والغروب مرتين كل عام، تمكنوا من إحداث هذه الظاهرة التي تجذب الآلاف من أنحاء العالم لمشاهدتها في دهشة وانبهار لا مثيل له في ربوع الأرض.

 

موسم الزراعة

 

لم يبنِ المصريون القدماء معبد أبو سمبل للعبادة وتقديس الآلهة فقط، فحسب آخر الدراسات العلمية فإن ظاهرة تعامد الشمس ترتبط ببدء موسم الزراعة عند القدماء، فقد برع المهندسون المصريون في تصميم المعبد بناء على حركة الفلك لتحديد بداية موسم الزراعة وتخصيبه، بما يتناسب مع يوم تعامد الضوء على وجه الملك رمسيس الثاني ملك مصر.

 

الاكتشاف لأول مرة

 

اكتشف ظاهرة تعامد الشمس لأول مرة المستكشفة وعاشقة الحضارة المصرية "إميليا إدوارذ" والفريق المرافق لها عام 1874، وسجلتها في كتابها الذي نشرته عام 1899 بعنوان "الف ميل فوق النيل"، ومن أشهر اقتباستها في هذا الكتاب " تصبح تماثيل قدس الأقداس ذات تأثير كبير وتحاط بهالة جميلة من الهيبة والوقار عند شروق الشمس، وسقوط أشعتها عليها".

 

إعادة اكتشاف معبد أبو سمبل

 

ظل معبد أبو سمبل بمدينة أسوان منسيًا حتى عام 1813 فقد أحياه من جديد المستشرق السويسري جي أل بورخاردت الذي عثر على كورنيش المعبد الرئيسي، بمعاونة نظيره الإيطالي المستكشف جيوفاني بيلونزي، اللذان سافرا إلى موقع المعبد، لكن دون جدوى من حفر الرمال التي غطت مدخل المعبد.

 

لم يستسلم المستكشف الإيطالي بيلونزي حيث عاد مرة أخرى عام 1817، ومع إصراره لإعادة هذا الكنز المفقود نجح هذه المرة في محاولته المجمع، ويربط الرشدون السياحيون في الموقع أسطورة أبو سمبل، بأنه كان فتى صغير من أهل المنطقة يدعى بهذا الاسم، وهو الذي قاد المستكشفين إلى مكان المعبد المدفون في وقت مبكر، فقد كان يراه من وقت لآخر في الرمال المتحركة، لذا أطلقوا اسمه على المعبد.

 

الجدير بالذكر أن ظاهرة تعامد الشمس على تمثال الملك رمسيس الثاني كانت تحدث يومي 21 أكتوبر و21 فبراير قبل عام 1964، ولكن بعد نقل معبد أبو سمبل من موقعه القديم عبر تقطيعه؛ لإنقاذه من الغرق تحت مياه بحيرة السد العالي، ونقله إلى موقعه الحالي الذي تم نحته داخل الجبل، أصبحت هذه الظاهرة تحدث يومي 22 أكتوبر و22 فبراير.