طارق الشناوي: ناصر انتقم من فوزى؟!!

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي


سألونى عن شخصية لم أعش زمنها، وتمنيت أن ألقاها؟ على الفور أجبت الموسيقار محمد فوزى، فهو الأقرب إلى مشاعرى فى ألحانه وصوته الذى يشبه فقط روح فوزى، ولهذا ستجد من يقلد أم كلثوم أو عبد الوهاب أو حليم أو فريد وغيرهم، بينما الروح لا تتجسد إلا فى صوت فوزى.

الكثير مما يروى ويقال عن فوزى، الذى احتفلنا أمس بذكراه، إلا أننا من فرط الحب نضيف بحسن نية كثيرا من الأكاذيب، ومع الزمن ننسى أنها أكاذيب.

لديكم مثلا أن عبد الناصر انتقم من فوزى لأنه رفض أن يقدم أغانى تهتف باسم الزعيم، بعد أن تلقى أكثر من إشارة؟.

حكاية شيقة، وتصب قطعا لصالح فوزى كصاحب موقف سياسى، إلا أنها لا تستند إلى منطق، فى زمن عبد الناصر لم يكن الفنان ولا المثقف يجرؤ أن يقول إلا سمعا وطاعة للزعيم المفدى، لا تصدقوا بالمناسبة مثلا أن الكاتب ثروت أباظة فى رواية (شىء من الخوف) قال (زواج عتريس من فؤادة باطل) قاصدا عبد الناصر، إنه تفسيرنا، أو بالأحرى خوفنا، فقررنا أن نحيل عتريس إلى ناصر أو ناصر إلى عتريس، مثلما أيضا فسر البعض فى عام 59 أغنية فوزى (يا مصطفى يا مصطفى أنا بحبك يا مصطفى) على أساس أنه يقصد التغزل فى زمن ما قبل الثورة، واستندوا إلى الشطرة الثانية (سبع سنين فى العطارين وإنت حبيبى يا مصطفى) قالوا إنه يغنى لمصطفى باشا النحاس، رئيس الوزراء فى عهد الملك، كان قد مضى على ثورة 52 سبع سنوات، ومن حسن الحظ أن الرقيب وقتها هو أديبنا الكبير نجيب محفوظ، سخر من هذا التأويل وأباح (يا مصطفى).

هل يجرؤ أحد أن يتلقى (أوردر) بالغناء أوالرقص للرئيس ولا ينفذ؟، رصيد عبد الحليم وعبد الوهاب وأم كلثوم هو الأكثر فى الغناء لناصر والسد وغيرها وغيرها، المنطق أن فوزى انتظر من الدولة أن تمنحه ضوءا أخضر للغناء لناصر، ولكن لم يحدث، فهو مثلا لم يدع لحفل فى 23 يوليو مثل أم كلثوم وعبد الحليم وقال لا، ربما لم تدرك الدولة أهمية أن يغنى فوزى، بعد أن عانى سينمائيا وغنائيا مع بداية تحقيق عبد الحليم لجماهيرية طاغية منذ منتصف الخمسينيات.

التأميم جاء ضربة قاصمة قطعا لفوزى وشركته (مصر فون)، بينما شركة عبد الوهاب وعبد الحليم (صوت الفن) نجت من المذبحة، ربما للصلة التى تجمع بين عبد الحليم والمشير عبد الحكيم عامر، المنطق أن فوزى حاول إنقاذ شركته، ولا أستبعد خاصة وأنه تربطه علاقة قوية جدا بأم كلثوم- فلقد كانت تطبع أسطوانات أغانيها فى شركته وهى قريبة من عبد الناصر- ربما حاول ولكن أم كلثوم فى النهاية لا تستطيع التصدى لهذا التيار العاتى، فوزى كان لديه طموح فى مجال صناعة السينما والموسيقى يفوق عبد الوهاب، غامر مثلا بإنتاج أفلام ملونة واستورد معدات لصناعة الأسطوانات فى مصر، فوزى تجاريا كان أقوى من عبد الوهاب، وفى ظل احتكار الدولة وأيضا عشوائية من يتولى إدارة المنظومة برمتها، من الممكن أن يغتال فوزى، فاستبد به المرض حزنا بعد قرار التأميم والمعاملة المهينة التى تلقاها من السلطة، اعتبرها البعض انتقاما من ناصر، وأنا أراها غشومية نظام، وهى جريمة أقصى من الانتقام، ومسؤول عنها ناصر.