مدير آثار الكرنك: توابيت العساسيف كشف جديد.. وهذه هي الأدلة

أخبار مصر

بوابة الفجر


واجهت وزارة الآثار، عددا من الانتقادات حول الكشف الأخير في جبانة العساسيف، والذي اشتهر إعلاميًا بخبيئة العساسيف، والذي كشف عن 26 تابوتًا مصريًا قديمًا منها توابيت مذهبة، حيث وجه بعض المهتمين بالشأن الأثري في مصر عدة تساؤلات حول هذا الكشف، وهل خبيئة أثري أم إنها آثار مخزنة منذ عام 67.

ومن ناحيته قال الدكتور مصطفى الصغير مدير عام آثار الكرنك، إن الفاصل الحقيقي في هذا الموضوع سوف تثبته الحفائر ودراسة طبقات التربة المحيطة بالتوابيت لمعرفة ظروف دفنها بهذه الطريقة.

وأضاف: مسألة أن هذه الترابيت انتقلت من الشرق للغرب في ٦٧ أمر يصعب تصديقه لعدة أسباب أولها أن هناك أناس كثيرين في القرنة ممن عاصروا سنة ٦٧ لازالوا على قيد الحياة، والمنطقة كانت سكنية في هذا الوقت، فهل من المعقول دفن هذا العدد من التوابيت دون أن يرى أو يسمع أحد؟ لا أعتقد، لإنه لو صح هذا الكلام لصارت هذه التوابيت في خبر كان، وثانيًا لا توجد في أي دفاتر رسمية مثل هذا العدد المهول من التوابيت المفقودة من سنة ٦٧ أو قبلها، ثالثًا سبق أن اكتشفنا تابوتين في منطقة العلوة بالقرنة في ٢٠١٢ بنفس ظروف الدفن تمامًا، وبالتالي فإن طريقة الدفن السطحية خارج المقابر أو الكهوف كانت شائعة في القرنة.

وبالتالي -والكلام للصغير- أعتقد أننا أمام كشف أثري كبير سيعرفنا كيف تم التعامل مع توابيت كبار رجال الدولة في العصور القديمة بجبانة طيبة.

والدفن بهذه الطريقة يدل على أن المكان لم يكن موقع الدفن الأساسي، ولنا في خبيئة الدير البحري مثال، بعد انتشار سرقات لصوص القبور، تم تجميع توابيت ومومياوات الملوك للأسرات ١٨ و١٩ و٢٠ وتم حفظها في كهف في الدير البحري في عصر الأسرة ٢١ لحمايتها من سرقة اللصوص، وبالفعل نجحت هذه الطريقة وحصلنا على مومياوات ملوكنا العظام سليمة.

وتابع الصغير"لذا، أعتقد أنه تم استخراج هذه التوابيت من مكان حفظها الأصلي بالمقابر خلال العصر المتأخر بواسطة الكهنة أو حراس المقابر وتم وضعها بهذا الشكل ووضع الرديم عليها لتغطيتها تمامًا وكما قلت من قبل دراسة طبقات التربة من خلال الحفائر يمكن أن تعطينا الإجابة القاطعة".

وأشار إلى أنه ربما يكون وضع هذه التوابيت بهذا الشكل قد تم خلال القرنين ١٨ أو ١٩ أثناء فترة بداية الشغف بالآثار المصرية وجنون البحث عنها، وخاصة المومياوات، حيث انتشرت أفكار غريبة لدى المجتمع الغربي عن المومياوات المصرية، والتي وصلت لدرجة أن البعض كان يعتقد بوجود خواص بهذه المومياوات لها القدرة على الشفاء من الأمراض أو لها تأثيرات سحرية، حتى أنها كانت تباع بأسعار خيالية حينئذ، وقد استمر ذلك لفترة حتى استشعر المهتمون بالآثار مقدار الخطر الكبير الذي يهدد بقاء المومياوات المصرية.

وختم قائلًا كل هذه احتمالات مطروحة للبحث، وتظل الأجابة القاطعة في دراسة الحفائر بشكل علمي للوصول للنتيجة الصائبة، وسواء كان الدفن قديما خلال العصور القديمة، أو كان خلال القرنين ١٨ أو ١٩ فيبقى الكشف رائعًا مهمًا ومثيرًا.

ومنطقة العساسيف من المناطق الثرية جداً في القرنة، وكثيراً ما شهدت أحداث هامة ذات علامة فارقة في التاريخ الحضاري المصري قديماً وحديثاً.

لقد كان لي شرف العمل في هذه المنطقة لفترة تتجاوز العقد من الزمن، حيث كنت عضواً بأحد البعثات الأثرية الأجنبية العاملة في هذه المنطقة.

وتضم العساسيف أضخم مقابر تحت سطح الأرض موجودة بمصر على الإطلاق، حيث توجد بها المقبرة رقم TT33 لصاحبها بادي أمون أوبت من عصر الأسرة ٢٦، وهي أكبر مقابر العساسيف، ولهذا فقد استخدمت كمخزن ضخم للأثار في عام ٦٧، حتى تم إفراغ القطع الأثرية المخزنة بها ونقلها إلى المخازن المتحفية منذ حوالي ١٥ عاما.

وهناك مقابر مماثلة ومعاصرة للأسرتين ٢٥ و٢٦ مثل مقابر منتومحات وحاروا وباباسا وشاشانق وبادي نيت وغيرها، وتتميز هذه المقابر بمداخل شاهقة تحاكي صروح المعابد من الطوب اللبن، ثم فناء ضخم مكشوف، ثم قاعات أعمدة متعددة، ومقصورة الإله أوزير المماثلة لقدس الأقداس في معابد الألهة، هذا غير العشرات من الغرف الجانبية والممرات وأبار الدفن المتعددة.

كل ذلك على مستويات متعددة تحت سطح الأرض، قد تصل إلى خمسة أو ستة مستويات، كما توجد مقابر من عصور أخرى مثل مقبرة چار من الدولة الوسطى، ومقبرة خرو إف من عصر الأسرة ١٨.

وأغلب مقابر العساسيف تعود لعصر الأسرتين ٢٥ و٢٦، والطريف أنه أثناء حفر هذه المقابر، تم قطع الطريق الصاعد الخاص بمعبد الملك منتوحتب الثاني نب حبت رع مؤسس الدولة الوسطى.

ومن ضمن الاكتشافات العلمية الأثرية الفريدة من نوعها في هذه المنطقة والمرتبطة بالمومياوات والبقايا الأدمية، تم العثور على العشرات من الجماجم والهياكل العظمية المدفونة عشوائياً في رديم المقبرة رقم TT37 لصاحبها حاروا مدير استقبال الزوجة الإلهية من عصر الأسرة ٢٥.

ومن الغريب أن هذه البقايا الأدمية تم العثور عليها في طبقات تربة بها آثار واضحة لحريق ضخم مختلطة ببقايا جير، هذا الحريق صاحب مراحل دفن هؤلاء الأشخاص. وهو ما أثار علامات الاستفهام.

وبعد الكثير من الدراسات والأبحاث تم التوصل إلى أنه خلال القرن الثالث الميلادي (العصر الروماني) حدث أن انتشر الطاعون بشكل كبير في مصر خاصة في صعيدها، وحصد هذا الوباء أرواح الآلاف من الضحايا.

وكانت طريقة دفن الموتى بمرض الطاعون آنذاك، هو أن يتم دفن الضحايا وينثر على أجسادهم الجير الحي حتى يذيب جثثهم، والذي يتم استخراجه من جدران بعض مقابر العساسيف، ثم يتم إشعال النيران فيهم حتى تقضى على بقاياهم منعاً لانتشار وباء الطاعون.

ونستخلص من هذا أن طرق الدفن اختلفت تبعًا لمتغيرات وأسباب عديدة تتعلق بالعقيدة والسياسة والمستوى الاجتماعي وحتى في حالات تفشي الأوبئة أو انتشار سرقات المقابر، ولا نغفل المتغيرات التاريخية التي طرأت على كل ذلك.