"بحثًا عن الأمن والسلامة".. مدرسة بالصعيد تتعاون مع أولياء الأمور لطلاء الجدران والأرصفة

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


في المدارس الحكومية، حيث تكثر أعداد الطلاب، وتتكدس بهم الفصول، وينتشرون بكثافة في باحاتها، في فوضى عارمة تتسبب في كثير من الأحيان في حدوث مشاكل وصدامات بين الطلاب وبعضهم، فيما يكونون أكثر عرضة للإصابة بالعدوى أو الأمراض نتيجة تواجدهم في ذات الأماكن، لذا لم تمر تلك الأزمة على مدرسة ساحل البقيلي التابعة لمركز نجع حمادي بمحافظة قنا، مرور الكرام، إذ تكاتفت المدرسة مع أولياء الأمور، في تنظيم حركة مرور الطلاب داخل المدرسة، عن طريق طلاء الأرصفة والجدران بألوان تنتبههم من خلالها إلى الأماكن التي يحق لهم التواجد بها، أو الأخرى المحظورة عليهم.

بدأ الأمر بتنويه من إدراة المدرسة، بضرورة طلاء حوائط المنشآت، والأرصفة التي تطوق حدائقها ويخطو فوقها الطلاب دون وعي، الأمر الذي من الممكن أن ينجم عنه حوادث تدافع أو اصطدام، لذا تم الاتفاق على ذات الألوان التي تستعين بها إدارة المرور في تنظيم حركة السير داخل الشوارع، فخططوا أن يكون المشروع صورة مضغرة من الكيان التابع لوزارة الداخلية "كتير من المدارس بتعمل داعلشان الشكل الجمالي"، يقول عيسى فكرى، أحد معلمي المدرسة لـ"الفجر".

مال القائمون على المدرسة إلى الأبيض والأسود، كألوان رئيسية ومعممة بشكل كبير في كل القطاعات الحكومية، لكنها أضافوا إليها الأصفر والأزرق، كمحاولة منهم لتوفير عوامل الأمن والسلامة بشكل أكبر للطلاب، وفي الوقت ذاته، عمد عيسى إلى ذلك عن قصد، بهدف أن يتسع القاموس المعرفي للطلاب، ويحوي داخله دلالات الألوان وما تشتمل عليه من مفاهيم قد تضفي قيمة وأهمية لحياتهم، خاصة أنهم في مراحلهم العمرية الأولى "طلاب الجامعة لما بيلاقوا الألوان دي في الشوارع أو في أماكن دراستهم بيكون عارفين مدلولها"، بعكس طلاب الابتدائي أو الإعدادي في محافظات الصعيد؛ المحكومون إلى حد كبير داخل عالم ضيق وبسيط، تختلف في آلياتها وأدواتها عن غيرها من البلدان.

كجزء من الخطة المزمع تنفيذها، تم التنفيذ في معسكر جماعي، شارك فيه جميع طلاب المدرسة رفقة بعض المعلمين، أمسك الجميع بالفرشاة وانطلقوا في حبور ونشاط، يحولون الجدران والأرصفة الباهتة، إلى أشياء جديدة تزهو بالألوان، والتي ستكون فيما بعد هي دليلهم في التحرك والتنقل داخل أروقة المدرسة، كما تخلل هذا المعكسر الصغير بعض التنبيهات والإرشادات، بالإضافة إلى محاضرة تعريفية مبسطة عما تحويه هذه الألوان من دلالات، والتطرق كذلك إلى الفارق الذي يمكن أن تحدثه، في حال التزم الجميع "كنا بنقول لهم لو التزمتم بالألوان دي مش هتلاقوا زحمة في المدرسة تاني".

لم تكن تلك الفكرة لتتم لمعلم التربية الرياضية، لولا دعم المدرسة  ومساندة الأهالي، حيث نُفذت المعسكر الصغير تحت غطاء من تعاون الجميع وتكاتفهم، خاصة تبرع أولياء الأمور بما أسعفتهم القدرة والإمكانية على تقديمه من دعم مادي أو معنوي. فبهذا المبلغ تم شراء أدوات الطلاء وزيوت الدهان، الأمر الذي جعل تلك المبادرة على بساطتها، تأخذ في نظر عيسى منحى آخر ومعنى مختلفًا؛ فمن نافذة معسكر التلوين، رأى أن الأهالي يقفون وراء أبنائهم ومستعدون لتقديم كافة أنواع الدعم مهما كلفهم الأمر، لكن ينقصهم أن يلحظوا هذا التطور والتغيير بأعينهم، وألا يكونوا على الهامش، كما تدحض التجربة من وجهة نظره المزاعم التي تنادي بأن أولياء الأمور لم يعودوا مقتنعين بجدوى التعليم والأنشطة الطلابية.

لم تنل الفكرة إعجاب أولياء الأمور فحسب، بل كان لها صدى داخل الإدارة التعليمية التابعة لها مدرسة ساحل البقيلي، حيث أثنت على الجهود التي تقوم بها المدرسة بصفة دائمة من أجل رفع كفاءة ومهارات الطلاب على الرغم من الإمكانيات البسيطة، الأمر الذي خلق حالة من البهجة داخل المدرسة، ولوحظ ذلك على الطلاب في تجاوبهم والتزامهم مع ما تشير إليه الألوان، وبالتالي قلت حدة المشاكل وحالات التدافع التي كانت تحدث باستمرار.

معسكر التلوين، لم يكن النشاط الأول للمدرسة، فهي حريصة على التنقيب في أشياء لها وجود حقيقي ومردود إيجابي على طلابها، فهي تنظم على الدوام يومًا رياضيًا، يتم فيها تخطيط أرضية ملعب المدرسة، وتقسيمه إلى حارات، يمارسون خلالها راضيات عدة مثل الجري والوثب والقفز، وكذلك عمل دروات لكرة القدم بين الفصول، لكن عيسى فكري يطمح إلى ما هو أبعد من ذلك، فيتمنى أن تتعاون معهم الإدارة بشكل أكبر، بحيث تتيح لهم عمل دورات في الإسعافات الأولية، ومسابقات في اللياقة البدنية، أو عمل دوري كرة قدم يضاهي في تنظيمه الدوريات الكبرى، وهذا من شأنه أن يحرك الحماس الكامن داخل الطلاب، ويزيل التراب عن مواهبهم الدفينة.