طارق الشناوي يكتب: "يوم وليلة" حقيقة الحقيقة!!

الفجر الفني

بوابة الفجر


كان ياما كان، فى سالف العصر والأوان، مخرج مصرى من الممكن أن يقدم فيلما ينتقد ممارسات الشرطة، نتذكر مثلا (هى فوضى) ليوسف شاهين وخالد يوسف، اعترضت الرقابة على الاسم (فوضى)، وأضاف يوسف شاهين (هى) فوافقوا، ولا أجد فرقا (أحمد هو الحاج أحمد)، هددهم (شاهين)، 80 عاما، لو تعنتوا سوف يربط نفسه فى عمود نور أمام مجلس الشعب، خافوا من الفضيحة العالمية.

ما أثار حفيظة الداخلية شخصية أمين الشرطة (حاتم)، الذى أدى دوره ببراعة خالد صالح، ومقولته الشهيرة (اللى مالوش خير فى حاتم مالوش خير فى مصر)، اعتبر نفسه معادلا موضوعيا للوطن، الرشاوى عينى عينك، حافظ السيناريو الذى كتبه ناصر عبد الرحمن على إحداث توازن فى قسم الشرطة، شاهدنا أيضا الشرفاء، الرسالة وصلت، بأن هناك فسادا داخل هذا القطاع الحساس.

فيلم (يوم وليلة) عرض قبل أيام فى ختام مهرجان (مالمو) بالسويد، اعتبره فى تلك الجزئية الوجه الآخر لـ(هى فوضى) الذى مثل مصر فى مهرجان (فينسيا) 2007، الشخصية التى أداها خالد النبوى، أمين الشرطة، عنوان الشرف ناصع البياض، ولا نرى فى قسم الشرطة سوى الالتزام بتطبيق القانون، مخرج الفيلم، أيمن مكرم، قال إن أبناء الشعب مرتشون وخارجون عن القانون، بينما الشرطة (ميت فل وعشرة)، حرص النبوى فى كل مشاهده على ألا يرتدى زى أمين الشرطة، وأظنها مقصودة، حتى لا يذكر الناس بخالد صالح الذى تحول بأدائه إلى صورة ذهنية راسخة، من الصعب أن يتقبل الجمهور أمين شرطة آخر.

كانت السالة واضحة، السماح بتناول مشاكل الأقباط مقابل تناول الشخصية الإيجابية لأمين الشرطة.

الدولة تنزعج عند الاقتراب من هذا الخط الدرامى الملتهب، المخرج لا يقدم المسيحى فى صورة ملائكية، وينتقد مستشفيات الأقباط التى تفتح فقط أبوابها للأثرياء، يشير إلى الكنيسة عندما ترفض منح بطلة الفيلم حنان مطاوع تصريحا بالزواج الثانى، تدفع رشوة لمستشفى التأمين الصحى وتحصل أيضا على رشوة كموظفة، عن طريق الدرج المفتوح، وهى أيضا واحدة من الأساليب المباشرة، والتى تؤكد افتقار الفيلم للخيال، يقدم شخصيات متناثرة هنا وهناك، مثل البلطجى أحمد الفيشاوى والممرضة درة والتاجر خالد سرحان والمذيعة وغيرهم، الأحداث تجرى ليلة مولد السيدة زينب، الشخصيات ذات بعد واحد بلا انسيابية ولا ألوان أو ظلال، فقط تتواجد داخل الكادر. (يوم وليلة) ليس فيلما يستحق الحماس الفنى له، فقط يحسب للمخرج، أنه كسر (تابو) تقديم شخصيات قبطية، لا تحاط كما تعودنا بأوراق سوليفان، من الممكن قطعا أن يواجه الشريط بغضب من الأقباط الذين دأبوا على أن تعاملهم الدراما بحساسية مفرطة، كما أنه ربما يثير تحفظ قطاع من المسلمين الذين سيقولون لسنا كذلك، إلا أنه يقول شيئا من الحقيقة، أخفق فى التعبير كحالة درامية وسينمائية، وجامل الشرطة أكثر مما ينبغى، وافتقد جماليات السينما هذه حقيقة، إلا أن المصادرة لم تعد من أسلحة هذا الزمن، وهذه حقيقة الحقيقة!!.