أحمد سامي يكتب: الصِحافي بين مطرقة "الممر" وسِندان الحقيقة

مقالات الرأي

بوابة الفجر


لا شك بأن فيلم الممر، أحدث حالة وطنية كبيرة في نفوس من رأوه، ووجد أثرًا طيبا لدى من شاهدوه، خصوصًا عرضه في هذه الأوقات العصيبة من تاريخ مصر، وتزامنا مع ذكرى واحدة من أهم الحروب التي خاضتها.

الفيلم كان رائعًا في تأريخه لفترة ما بعد نكسة 1967، وإعادة القوات المسلحة بث الثقة برجالها، وتنفيذها عمليات في سيناء، فيما يعرف بحرب الاستنزاف قبيل نصر أكتوبر 1973، تلك الروعة التي طالت قصة الفيلم والسيناريو والحوار والتصوير.

ولكن في حلقي غُصة، ويشاركني في ذلك قطاع عريض جدا من الصحافيين الذين أبدوا سعادتهم بالفيلم، في الوقت الذي انتقدوا فيه دور الصحافي أو المراسل الحربي أو المحرر العسكري "إحسان" والذي جسده الفنان أحمد رزق.

الدور أظهر الصحافي بشكل سيء جدا، لا رأي ولا شخصية ولا رسالة، كأنه آلة يحركها زملاؤه في الفيلم، ذلك مصحوب بتوبيخ وتسفيه وتهكم عليه، ما ترك أثرًا سيئَا لدى من شاهده ممن يمارس تلك المهنة العظيمة.

ألم يقرأ المخرج أو المؤلف تاريخ الصحافيين الذين عاشوا تلك الفترة؟ ألم يصل إلى علمه على سبيل المثال المشرف لا الحصر، أن جريدة الجمهورية قدمت شهيدين منها في حرب الاستنزاف، وهما المحرر العسكري محمد بخيت أبو السعود، والمصور حسن عبد القادر، فضلا عن السائق محمد الكردي، وإصابة غيرهم في سبيل عملهم وتغطيتهم للحرب؟ وغيرهم من الأساتذة الكبار الذين نفخر بهم، منهم من استشهد ومنهم من هو حي يرزق الآن.

نعم دور (إحسان) في فيلم الممر لم ينفِ وجود تلك النوعية من الصحفيين في المهنة، فصناع الفيلم سلطوا الضوء على فئة تتعامل معهم، بداية من الممثل حتى المخرج مرورا بالراقصات والمطربين والمطربات إلخ، وهناك من يلّمع ويمجد في نجمه المفضل ويفرد له المساحات هنا وهناك، من أجل أن يحصل على صورة أو دعوة لحضور حفل يجمعه بفنانه المفضل، ويصبح صديقه أو وكيل أعماله أو مستشاره الإعلامي، وهذا بعيد تماما عن مبدأ التعميم، فهناك من هم على قدر كبير جدا من الاحترام والمهنية ودماثة الخُلق.

كنت أرى أنه من الأفضل أن يكون اختيار المخرج لشخصية الصحافي، مناسبة للحالة العامة للفيلم والذي يندرج تحت بند الأفلام الحربية التارخية التي توثق لمرحلة مهمة في تاريخ مصر سياسيًا وعسكريا وصحافيًا، فهناك نماذج مشرفة لصحافيين بذلوا أرواحهم واستشهدوا في أثناء تغطيتهم المعارك الحربية على الجبهة تحت خط النيران في الخنادق وفي الخيام وسط الجنود والمقاتلين، وهناك من هم بصحة الآن، فخر لجموع الصحفايين، وأمثلة كثيرة كان يمكن الاستعانة بها في فيلم كهذا.

لن أفترض سوء نية صُناع الفيلم في تصوير الصحافي بهذه الحالة، واستقدام شخصية ودور بلا شك أحدث شرخًا في نفس كل صحافي، يمارس مهنته بقدر كبير من المهنية والحرفية في وقت "أصفر" طغت المادة والترافيك فيه على كل شيء، ولكن أخشى أن يكون هذا هو انطباع المواطن عن الصحافي كما يصوره الفيلم، وهذا مناف تماما للحقيقة.
 
لن نكون كالنعام وندفن رؤسنا في الرمال، ونخفي حقيقة وجود صحافيين أساءوا للمهنة وأصبحوا واجهات جرائدهم ومواقعهم المختلفة، همهم الأول تلميع مصادرهم للحصول على نفحة أموال أو منصب مستشار إعلامي أو وكيل أعمال، ولكن لا يجب أن نغفل دور قطاع عريض جدا من الصحافيين يؤدون أدوارهم على الوجه الأكمل، كلُّ في مجال تخصصه يمارسون المهنية والموضوعية قدر ما يسمح لهم، وهو كُثر مغمورون في أماكن عملهم، أرادوا أن يصبحوا كالأخوين علي ومصطفى أمين، أو هيكل أو فاطمة اليوسف أو عادل حمودة أو  وغيرهم من أساتذة المهنة العظام، لا أن يصبحوا "إحسان" في فيلم الممر.