البطريرك يوسف العبسي يترأس القداس الإلهي في مدينة كوردوبا الأرجنتينية

أقباط وكنائس

اللقاء
اللقاء


ترأّس البطريرك يوسف العبسيّ، بطريرك الروم الملكيين الأرثوذكس، معَ المطران إبراهيم سلامة، ولفيف من كهنة الإيبارشية صلاة القداس الإلهي بمناسبة المئويّة الأولى لتأسيس كنيسة القدّيس جاورجيوس في مدينة كوردوبا – الأرجنتين.

وبحضور شعبيّ ورسميّ ودينيّ حاشد امتلأت الكنيسة بالمؤمنين الذين جاؤوا ليشاركوا بهذه الاحتفاليّة معَ صاحب الغبطة ليعبّروا عن إيمانهم بكنيستهم الأمّ وفخرهم بمرور مئة عامّ على تأسيس الكنيسة التي رعت آباءهم وأجدادهم.

وفي عظته ركّز صاحب الغبطة على أهميّة ومعنى هذا اليوبيل المئويّ لتأسيس الكنيسة:

اليوبيل في نظر الكنيسة، وفي نظر الكتاب المــُـقدّس، محطّة يتوقّف فيها المؤمن لشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه خلال السنوات الماضية وعلى ما سينعم به عليه أيضًا في السنوات القادمة. اليوبيل هو إذن نظرة إلى الوراء ونظرة إلى المستقبل انطلاقًا من الحاضر لنرى مدى حضور الله في حياتنا نحن المؤمنين وما أثمر هذا الحضور من أفعال.

إذا ما تطلّعنا نحن اليوم إلى الوراء في هذا اليوبيل، بعد مرور مئة عام على تأسيس كنيستنا، فإنّ أوّل ما نستطيع أو يجب أن نفعله هو أن نشكر الله تعالى على هذه المئة سنة التي أنعم بها علينا والتي كانت حافلة ببركاته على أكثر من صعيد.

وتكلّم عن التحدّيات التي مرّ بها أجدادنا وآباؤنا حتى أسسوا هذه الجالية والرعيّة والكنيسة:

في الواقع لم يكن مجيء أجدادنا وآبائنا إلى هذه البلاد في ذلك الوقت بالأمر السهل، لقد واجهتهم تحدّيات مختلفة.

أوّل تحدٍّ كان أنّهم جاؤوا معظمهم لا يملك شيئًا أو لا يملك إلّا القليل وكان عليهم أن يواجهوا الحياة الصعبة القاسية في بلاد يجهلونها ولا يعرفون حتّى لغتها ومنهم من كان أيضًا لا يقرأ ولا يكتب. ومع ذلك جاهدوا وكدّوا وتعبوا واستطاعوا أن يوفّروا لأنفسهم سبل العيش الكريم ومن بعدهم لأولادهم وأحفادهم، ولم يشكّلوا على هذا النحو عبئًا على البلد الذي استضافهم.

والتحدّي الثاني كان اندماجهم بالمجتمع الأرجنتيني الذي جاؤوا إليه. هنا أيضّا نرى أنّهم استطاعوا أن يندمجوا كلَّ الاندماج في هذا البلد المضياف، بالعادات والتقاليد ونمط الحياة والثقافة والعلم والسياسة وشاركوا في كلّ مجالات الحياة الأرجنتينيّة إلّا أنّ ذلك لم يمنعهم من الحفاظ على هويّتهم لا سيّما الهويّة الكنسيّة أعني انتماءهم إلى كنيسة الروم الملكييّن الكاثوليك.

وهذا ما كان في الواقع التحدّي الثالث لهم. جاء أجدادنا وآباؤنا إلى هذه البلاد ولم يكن معهم إلّا إيمانهم تقريبًا. وبفضل هذا الإيمان استطاعوا أن يستمرّوا كجماعة وككنيسة ونحن نعلم أنّ أجدادنا قدموا إلى هذه البلاد ولم يكن فيها أحد من الكهنة أو الرهبان من كنيستهم الملكيّة الروميّة الكاثوليكيّة. لقد سبقوا الكنيسة إلى المجيء إلى ههنا. ومن شدّة إيمانهم بالله وتعلّقهم بكنيستهم طلبوا بل طالبوا أن يأتي إليهم كاهن يخدمهم وعمّروا هذه الكنيسة. وعلى هذا النحو استطاعوا أن يحافظوا على هويّتهم الكنسيّة، على طقوسهم وعاداتهم وتقاليدهم الكنسيّة. كان في مستطاع أجدادنا وآبائنا أن يندمجوا اندماجًا تامًّا بالكنيسة المحلّية وكان هذا أسهل عليهم وأقلُّ كلفة. إلّا أنهم ما فعلوا ذلك.

ولا بدَّ في هذا الصدد من القول إنّ كنيستنا هنا ليست كنيسة منافسة لسائر الكنائس ولا خصوصًا للكنيسة المحلّية التي نُكنّ لها كبّ الشكر والتقدير والامتنان، إنّما كنيستنا هي تعبير عن غنى الكنيسة الجامعة التي تضمّ ثقافات متنوّعة في الإيمان الواحد.

والتحدّي الرابع الذي هو نتيجة وحصيلة التحدّيات التي تكلّمنا عنها هو أنّ أجدادنا وآبائنا استطاعوا أن يحافظوا على وحدتهم وتضامنهم وتآزرهم بالرغم من تنوّع مشاربهم ومناطقهم وأفكارهم. وذلك بفضل التفافهم حول كنيستهم والكنيسة هي التي جمعتهم، وانتماؤهم الكنسي هو الذي جمعهم ووحّدهم. والواقع أنَّ كنيستنا هي كنيسة عابرة للحدود أيًا كان نوع هذه الحدود والجغرافيا أو الثقافة أو الأصل أو أو... وهذه هي ميزة كنيستنا من بين الكنائس الشرقيّةـ أنّها كنيسة جامعة في الكنيسة الجامعة.

هذه نظرة سريعة إلى الماضي في هذه المحطّة اليوبيليّة التي نحن فيها الآن نظرة إلى المئة سنة المنصرمة فالشكر لله عليها.

أمّا نظرتنا إلى المستقبل فلا تقلّ أهمّية عن نظرتنا إلى الماضي بل تفوقها بالرغم من أنّها مبنيّة على نظرتنا إلى هذا الماضي.

وأيضا شدّد على أن بقاء كنيستنا في المغتربات منوط بعدّة أمور منها:

بقاء كنيستنا منوط بالتمسّك بطقوسنا، الطقس، الصلوات هي هويّتنا الكنسيّة إذا ما تخلّينا عنها نكون قد ذبنا في الأخرين. لذلك يجب أن نحافظ على طقوسنا التي هي ميزتنا وخصوصيّتنا من جهة والتي هي غنى الكنيسة الجامعة من جهة أخرى. وهذه مسؤوليّة الكهنة بالدرجة الأولى لأنّهم هم المؤتمنون على الطقوس. وما يؤكّد ذلك أنَّ أجدادنا وآبائنا الأوّلين طلبوا أوّل ما طلبوا أن تكون لهم كنيسة وكاهن وطقوسهم الخاصّة لأنّهم كانوا يرون فيها هويّتهم في حين أنّه كان في مستطاعهم أن يتبعوا الطقس اللاتيني كما قلت.

وبقاؤنا منوط ثانيًا بوجود كهنة من كنيستنا. إلى هذا اليوم كان كهنة الاغتراب بشكل عامّ بمعظمهم الأعظم يأتون من الشرق. ولا أحد يجهل كم في ذلك من صعوبات للكهنة من حيث تعلّم اللغة والتأقلم مع البيئة المحلّية على كل الأصعدة. اليوم ما عادت كنيستنا قادرة برفد المغتربات بحاجتها من الكهنة لأسباب عديدة أوّلها النقص في الكهنة.

لذلك علينا نحن هنا أن نعطي الكنيسة الكهنة الذين تحتاج إليهم. هذه مسؤوليتنا نحن. علينا أن نشجّع أولادنا على اعتناق الحياة الكهنوتيّة. لا كنيسة من دون كهنة. أن نجد كهنة من البلاد هنا يجب أن يكون هاجس المسؤول الكنسيّ الأوّل. ورجاؤنا أن نرى في المستقبل القريب كهنة من بينكم.

ومن أسباب بقاء كنيستنا واستمرارها في هذه البلاد المحافظة على العائلة المسيحيّة. العائلة المسيحيّة هي قيمة كبيرة لا غنى عنها لبناء مجتمع صالح متّزن سليم. هذه القيمة وغيرها من القيم الإنجيليّة المسيحيّة بل الإنسانيّة بات مهدّدًا في الغرب مع الأسف بل معدومًا في أماكن كثيرة حيث تساوت القيم بحيث صار الخير مثل الشرّ والجمال مثل البشاعة والصلاح مثل الطلاح والحبّ مثل البغض والحياة مثل الموت.