"حياة بطعم الموت".. قصة أكاديمي عراقي هزمّ جميع التنظيمات الإرهابية بسوريا والعراق

تقارير وحوارات

مصطفى الدوليمي
مصطفى الدوليمي


عشرة أشهر يتجرَّع مصطفى الدوليمي الغيظ، حتى سنَحت له فرصة الخروج من مدينة الموصل، بعد عودته من النزوح يومًا واحدًا بأحد المناطق القريبة من محافظة أربيل، في العاشر من يونيو عام 2014، تاركًا أسرته، حفاظًا على أملاكهم عقب أيقنهُ بأن ما عُرف بـ "تنظيم الدولة الإسلامية"، أُعلن مصادرة أملاك كل من ترك المكان عنوةٍ، متوجهًا في بداية رحلته صوب الأراضي السورية، ليواجه عناصر "داعش" بها في خضم الحرب الضروس بالبلاد، ومنها إلى جبهة النصرة، وبعض الفصائل المتطرفة  "بعد ما أعرف فين أروح وين أنطي وجهي.. أهرب من دم لدم.. كأنه يوم القيامة".







أمعن الأستاذ بكلية الطب جامعة الموصل، النظر في الهروب من جحيم أصحاب الرايات السوداء، بعد تشكيل جهاز "الحسبة"، الذي يهدف لتطبيق الشريعة الإسلامية بشكل متشدد، وتحويل ثاني أكبر مدينة في العراق من حيث السكان، إلى جهنم، لكن مستقبله كان العقبة التي تواجهه في البداية- لاسيما وأنه كان في الفرقة الثالثة بكلية العلوم، قسم الفيزياء الطبية- قبل إدراكه وعَورة الطريق "كان أكو تخوف وقلق.. ما أعرف إيش راح يصير فيني".


 




جثَم الهم على صدره عبر مروره على السيطرة الأولى والثانية، داخل سيارة بضائع في تمام الساعة الثالثة صباحًا مطلع شهر مارس عام 2015- بعد أن دفع مبلغ مالي قيمته (1500 دولار أمريكي) لأحد السماسرة، حتى وصل إلى مدينة تلعفر، إحدى المدن العراقية الواقعة في الجهة الشمالية الغربية من البلاد، والتي كانت معقلاً لتنظيم داعش الإرهابي-، إذ قام أحد أفراد التنظيم بتفتيش العربة، وعندما قرب منه تراجع وسمح لسائق بالمرور "رددت الشهادة.. لو وقتها شافني كان أعدمني".







ما برِح تفاصيل هذا اليوم محفورًا في ذهن الدوليمي، متذكرًا صلاته بدون وضوء إرْتياعًا من أحد أفراد التنظيم، عند سؤاله بأداء فريضة العشاء، وقتل صديقه خلال محاولته بالهروب ورَمَى جثته "حياة بطعم الموت"، يوقظه زميله ليخبره بأن الطريق لمدينة الرقة- في شمال سوريا والواقعة على الضفة الشرقية لنهر الفرات-، مسدودًا ولا بد الرجوع إلى محافظة الحسكة، ورجعت السيارة مرة أخرى ومنها إلى دير الزور السورية، التي بها آخر معاقل داعش السورية، ليواجه مصير يشوبه الخوف والارتباك، يشدّ اللجام السائق، حتى وصلوا مع رفع أذان العصر إلى الدير، برغم من إطلاق الرصاص صوبهم بصورة كثيفة، من قبل بعض الجماعات الإرهابية، إلا أنهم لا يعيروها أي اهتمام، مواصلين طريقهم لمدينة الرقة المدمرة "شاهدنا خرابة"، وعند تطرقهم إلى الجراج المقصود  لسفر إلى تركيا، والاستفسار عن كيفية السفر، قيل لهم أحدهم طريق سوريا- تركيا سد "حظنا كان سئ جدا".






لينتقل الشاب الهارب من داعش، برفقة زملائه العراقيين، إلى محل سوري وسرد لصاحبه قصتهم وقام بحمايتهم بعيدًا عن أنظار "داعش"، وذهبوا إلى منطقة ريفية بالقرب من مدينة حلب السورية، ليستقبلهم إحدى الجماعات المتطرفة، بعد عشر ساعات من خروجهم من الدير، وبتفتيشهم وجدوا مع "الدوليمي" هاتف تليفون به إحدى الصور لجبال السورية، ليفاوضه إحدى أفراد التنظيم "مبين عليك عراقي ياتعطني دولارات بنفس سعر الجوال إما اقتلك"، وهرول الشاب العراقي صوب أصدقائه لإعطائه (٥٠ دولار أمريكي) باعتبارها طوق النجاه لحياته، ليعود لرحلته مجددًا، بعدما ذهبوا مع أحد التجار- الذين استغلوا حاجتهم واستنزفهم ماديًا-، إلى منطقة بحلب، ليتم يومه العاشر دون أن يعرف مصيره، حتى بُزوغ أشعة الشمس الأولى من اليوم الحادي عشر "ضلينا ننتظر مع العوائل السورية المهاجرة ببنية آيلة للسقوط موعد سفرنا حسب ما اتفقنا مع التاجر بأن يساعدونا على الهروب مقابل٣٠٠ دولار لكل فرد..ونظمونا في مجموعات كي لا تتعرف علينا عناصر داعش.. وقبل ما نعبر الوادي تركونا ورحلوا"، وما كان أمامهم سوى الركض للوصول إليه، في هذه الأثناء طلبت منه إحدى الأسر حمل ابنتهم "ميرا"، وبرغم ارتفاع الوادي عبر الدوليمي، ولكن أصدقائه وأسرة  الطفلة التي لا تتعدى الثلاث أعوام، لم يتمكنوا من العبور، بعدما نزل عليهم وابل من الرصاص لم يعلموا هم "داعش" أم قوات الجيش التركي.






أولج في السير في الجبال، حاملاً الطفله، تاركًا أمتعته مع أصدقائه-الذين انهزموا- "كل فلوسي وهويتي معهم.. وضليت انتظر بعد بالوادي فترة من الوقت"، أعقبها واصل ركضه ما يقارب من ست ساعات "صرت أفكر في معاناة أهل ميرا"، وكيفية الوصول إليهم، حتى وصل إلى مدينة غازي عنتاب جنوب تركيا، والمفترض أن يخرج منها على أساس الذهاب لأنقرة، لكنه فقد كل وسائل الإتصال بأسرة الطفلة وزملائه، حتى ظهر أمامه شخصًا يتحدث اللغة العربية، وقص حكايته له، وطمئنه بأنه لا بد من مخابرة الجيش التركي وبالفعل تمكن من ذلك، وعلم بوقتها أن أسرة ميرا، وأصدقائه محجوزين لديهم "ما صدقت بوقتها وبمرور نصف ساعة حضرت العيلة وأخدوا البنية"، وظل في تركيا عدة أشهر، ثم عاد إلى كركوك، وأبلدَ بها عامين، كمل دراسته الجامعية، وبتحرير الموصل، عاد لمدينته  "كنت من الأوائل وصرت محاضر في كلية الطب.. ولم يهزمني داعش ورجعنا لديارنا".