خطيب الحرم المكي: الاعتداء على "أرامكو" من ضروب الفساد في الأرض

السعودية

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


أكّد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور "فيصل بن جميل غزاوي"؛ أن الاعتداء الآثم الجسيم الذي وقع على المنشأتين النفطيتين التابعتين لـ"أرامكو" هو ضربٌ من ضروب الفساد في الأرض وانتهاكٌ صارخٌ للحرمات، وتعظم شناعة هذا المنكر العظيم والجرم القبيح والجناية الفظيعة؛ بكونه ظلمًا عظيمًا في شهر الله المحرّم المعظم؛ أحد الأشهر الحُرم.

وقال "غزاوي"؛ في خطبة الجمعة من المسجد الحرام: من أسماء الله الحسنى الواردة في كتاب الله المؤمن، كما قال تعالى في وصف نفسه (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، فالمؤمن من معانيه التي اشتق منها الأمان، فهو الذي يهب عباده المؤمنين الأمن في الدنيا بالطمأنينة والأنس الذي يجدونه في قلوبهم بفعل الإيمان به سبحانه وتوحيده، وكذلك هو الذي يؤمن لجميع خلقه كلَّ ما يَأمنُ بقاء حياتهم إلى أجلهم المحتوم بتوفير رزقهم ودفع الغوائل عنهم.

وأضاف: "من مطالب الحياة الطيبة الأمن والأمان، فكيف يعيش المرء في حالة لا يجد فيها أمنًا ولا استقرارًا، وكيف يطيب عيشه إذا عدم الأمن، وهو كذلك ضرورة لكل مجتمع حيث السلامة من الفتن والشرور والآفات، وبه يتحقق الاطمئنان والسكون والرخاء والازدهار، وبه تستقيم المصالح وتحفظ الأنفس، وتُصان الأعراض والأموال، وتأمن السبل وتقام الحدود، وبفقده تضيع الحقوق وتتعطل المصالح وتحصل الفوضى ويتسلط الأقوياء على الضعفاء ويحصل السلب والنهب وسفك الدماء وانتهاك الأعراض، إلى غير ذلك من مظاهر فقد الأمن للمجتمع".

وأردف: الأمنُ نعمةٌ عُظمى ومنَّةٌ كُبرى لا يدرك قيمته ولا يستشعر أهميته إلا مَن تجرع غصة الحرمان منه واصطلى بنار فقده، فوقع في الخوف والقلق والذعر والاضطراب والفوضى والتشريد والضياع، فكم من غريبٍ فقد موطنه وكم من شريدٍ غاب عن أهله وعشيرته، وكم من منكوبٍ تائهٍ لا يعرف له مأوى ولا يشعر بطمأنينة ولا استقرار، وانظروا إلى صور فقْد الأمن في العالم اليوم وما مُني به كثيرٌ من الناس من اجتياح الفتن المدلهمة والحروب الطاحنة وإحاطة الخوف والرعب والجوع والسلب والنهب في فوضى عارمة وجنايات ظالمة.

وتابع: نظرًا لأهمية الأمن؛ فإن الله تعالى وعد المؤمنين بأن يجعل لهم بدلًا من الخوف الذى يعيشون فيه، أمنًا واطمئنانًا، وراحة في البال، وهدوءًا فى الحال إذا عبدوه وحده، واستقاموا على طاعته، ولم يشركوا معه شيئًا، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ، كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).

وقال إمام المسجد الحرام: الأمن هو الهدف النبيل الذي تنشُدُه المجتمعات، وتتسابق إلى تحقيقه الشعوبُ، يقول تعالى مُذكرًا قوم سبأ بنعمة الأمن الحاصل لهم في سيرهم ليلًا ونهارًا في قراهم، ﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾، ويقول -سبحانه- ممتنًا على قريش بنعمة الأمن: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) وقال أيضًا ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾، وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من أصبح آمنًا في سِربه، مُعافًى في جسده، عنده قُوت يومه؛ فكأنما حِيزَت له الدنيا" رواه الترمذي، وابن ماجه.

وأضاف: المؤمن الصادق لا يرضى بأن تمس بلد الإسلام بسوءٍ؛ فضلًا عن أن تكون بلاد الحرمين؛ بل يقف معاديًا متصديًا لكل مَن يريد التطاول على قيمها وثوابتها أو يسعى في إشاعة الفوضى فيها أو الاستجابة لمَن يريد زعزعة الاستقرار والإخلال بأمنها.

وأردف: لا غرابة في ذلك، فالمحافظة على الأمن والاستقرار في مجتمعنا عبادة نتقرّب بها إلى الله -عزّ وجلّ-، وهي مسؤولية الجميع، فلا بد من تكاتف الجهود في هذا المجال للتصدّي لمَن يحاول الإخلال بأمن البلاد والعباد والوقوفِ أمام كل دعوةٍ تُهدِّدُ الأمن، وتُزعزِعُ الاستقرار، فلا هناءَ في عيشٍ بلا أمن، ولا سعادة في مالٍ بلا استقرار.

وتابع: الاعتداء الآثم الجسيم الذي وقع على المنشأتين النفطيتين لهو ضربٌ من ضروب الفساد في الأرض وانتهاكٌ صارخٌ للحرمات، وتعظم شناعة هذا المنكر العظيم والجرم القبيح والجناية الفظيعة بكونه ظلمًا عظيمًا في شهر الله المحرّم المعظم؛ أحد الأشهر الحُرم.