"خلق تناقضات وصراعات داخلية".. ماذا تعرف عن حروب الجيل الخامس؟

تقارير وحوارات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


تعتمد الدراسات الإستراتيجية التطور الحاصل على الحروب منذ القرون السابقة، بإطلاقها مصطلح "الأجيال"، وذلك للتمييز بين إدواتها وإدارتها من جيل إلى آخر، لذا ارتبطت معاهدة ويستفاليا عام 1648 بنشأة الدول القومية الحديثة، والتي جلبت معها القوة والأسلحة العسكرية، وبالتالي كان ذلك بداية للعديد من الحروب.

آليات حروب الجيل الخامس
أما الحروب البشرية اليوم فقد أصبحت أكثر تطورًا وأُطلق عليها حروب الجيل الخامس، حيث تعتمد في الأساس على خلق تناقضات ما بين الدولة والمجتمع، باستغلال كافة الوسائل، لإحداث الخلل في العلاقة بينهما، فيقول الخبراء إن حرب الجيل الخامس تعتمد في إستراتيجيتها على احتلال العقول لا الأرض، ثم سيتكفل المحتل بالباقي، فهو يرتكز على سياسة العنف غير المسلح، مستغلًا جماعات وعصابات التهريب المنظمة، والتنظيمات الصغيرة المدربة، من أجل صنع حروب داخلية تتنوع ما بين اقتصادية وسياسية واجتماعية للدولة المستهدفة، وذلك لاستنزافها عن طريق جرها إلى صراعات داخلية، بالتوازي مع مواجهة التهديدات الخارجية العنيفة.

تتمثل التقنيات التي يستخدمها صانعو حروب الجيل الخامس، في أنها تتراوح بين الأدوات العسكرية كالصواريخ، والعمليات الانتحارية وعمل الكمائن، وبين القوة غير المسلحة والتي يكون فيها العدو فاعلًا دون أن يظهر بشكل مباشر، كما تشمل أيضًا الحرب الإلكترونية وما تحويه من سياسة تحريض الشعوب، كي يتم استغلاله لصالح أهداف ودول أخرى.

ومن بين التقنيات الحديثة أيضًا في تلك النوعية من الحروب، وإشاعة حالة الفوضى في أماكن الصراع بين الأطراف المحلية، حيث تأخذها الدول الكبرى ذريعة للتدخل في شئون تلك الدول واتباع سياستها الناعمة لتدخلها لما تقتضيه المصلحة العامة، مثلما حدث في العراق عام 2003، كما ترى بعض الدراسات أن الربيع العربي كان أحد هذه التطبيقات، وترى أخرى أن إغراق الدول بالمخدرات هو أحد الأسلحة الفعالة في تلك الحرب.

كيف ظهرت حروب الجيل الخامس؟
أسباب عديدة دفعت بحروب الجيل الخامس إلى الظهور، منها وسائل الإعلام التي تعد أحد أهم الأدوات المستخدمة في حروب الجيل الخامس، إذا تم تطويعها في إدارة العلاقات بين الدول، لصناعة رأي عام معارض للسلطة السياسية في الدولة، من أجل إضعاف قدرتها على ضبط الأمور وإحكامها، وموازنة العلاقة بين المجتمع والدولة، كما يلعب العامل المادي دورًا كبيرًا في تلك الحرب، فالقوة العسكرية تحتاج إلى تكلفة عالية، في حين تعد حروب الجيل الخامس أقل تكلفة منها.

اعتماد الدول على عقد تحالفات مع كيانات وتنظيمات وأفراد غير حكومية، أدى أيضًا إلى ظهور هذه النوعية من الحروب، وذلك للمارسة سلوك عدواني، مستغلة بذلك التطور الحاصل في دور هذه الكيانات في العلاقات الدولية، مبتعدة عن مفهوم التحالف التقليدي.

حروب اللاعنف
تغيرت فلسفة الحروب وتطورت بناءًا على تطور النظام الدولي، ونتيجة اختلفت القوة العسكرية أو العدوانية في إدارة المعارك، فحروب الجيل الأول التي بدأت منذ توقيع معاهدة وستفاليا 1648-1860، استخدمت فيها الدول البنادق والمدافع البدائية لفرض سيطرتها، واعتمدت على إقامة معارك بين جيشين متناحرين في أرض محددة، وبتكتيكات حربية تقليدية، وبهذا دخلت حروب القرون الـ17 و الـ18 والـ19 ضمن هذا التعريف ومن أمثلتها الحروب النابليونية في أوروبا 1803-1815.

أما الجيل الثاني من الحروب، فظهر خلال الحرب العالمية الأولى بعد أن تم استخدام المعدات العسكرية الحديثة كالمدرعات الثقيلة والطائرات المقاتلة، وتميزها بشن ضربات استباقية بالمدفعيات والطائرات، بهدف إحداث خسائر كبرى للعدو، ومما ساعد في ذلك هو قوة الاقتصاد الصناعي للدول الأوروبية لإنتاج عتاد عسكري بكميات ضخمة.

أما الجيل الثالث اعتمد بشكل أساسي على التطور التكنولوجي للقوة العسكرية، وخصوصًا ظهور الدبابات وتطور صناعة الطائرات المقاتلة ونظم الاتصالات، والتي أتاحت القيام بمناورات عسكرية لم تكن موجودة من قبل، هذا بالإضافة إلى الاعتماد على عنصر السرعة والمفاجأة وهو ما عرف "بالحرب المتحركة" والتلاعب العقلي بالخصم، من أجل تحطيمه من الداخل، وهو ما اعتمد من القوات الألمانية خلال الحربين العالميتين، وفي   الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967.

أما حرب الجيل الرابع فاعتمدت على أسلوب حرب العصابات، فبحسب المحلل السياسي الأمريكي "بيل ليند" يعتمد الجيل الرابع على الجماعات والعصابات لشن عمليات نوعية، دون الحاجة إلى أرض معركة تقليدية كما كان يحدث قبل ذلك، ولا لنقاط التقاء بين جيشين متصارعين.