بعد اتهامها بالنصب.. حكاية الطلاب المصريين في جامعة دونتسك بأوكرانيا

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


الأسبوع الماضي تقدم بعض الطلبة المصريين الذين يدرسون بجامعة الدونتسك الطبية - في مدينة "كيرفوجراد" بأوكرانيا- بشكاوي منها، مؤكدين أنهم تعرضوا لعملية نصب تم إدارتها على نطاق واسع من قبل وسطاء التعليم، استقدموهم من مصر ليُفاجئ الطلاب بأن الجامعة خالية من مقومات الدراسة الجادة، لتتحول نبرة الإقناع إلى تهديدهم بالفصل إن حاولوا الانتقال إلى جامعات أخرى، غير التي يسيطر عليها الوسطاء، والتي تقع في مدن أوديسا وخاركوف، "الفجر" تواصل مع أحد الطلاب بالجامعة للوقوف على تفاصيل الأزمة.

عام2016 أنهى "حاتم محمود" - اسم مستعار- دراسته الثانوية الأزهرية، حيث كان يُمني نفسه بالحصول على مجموع يهيئ له الالتحاق بكلية الطب، لكن لم يحالفه الحظ في تحقيق الحلم الذي راوده منذ الصغر، ليعطيه أحد أصدقائه خيطًا جديدًا من الممكن أن يوصله إلى ما أراد "قال لي إني أقدر أسافر وأدرس في أوكرانيا من خلال أحد المكاتب" حسبما قال الشاب لـ"الفجر".

شرع "حاتم" في خطوات رحلة الدراسة بأوكرانيا، من خلال أحد المكاتب المسؤولة عن مساعدة الطلاب في الحصول على قبول دراسي لدى الجامعات الأوروبية، فتم الاتفاق على مبلغ مالي يتقاضاه المكتب "دا كان مقابل شغله"، ثم قام بتسجيل الفيزا بالسفارة الأوكرانية الكائنة بمنطقة المعادي، لتأتيه منحة القبول بعد عشرين يومًا، وبعدها كان الشاب على متن الطائرة المتجهة إلى مدينة كيرفوجراء حيث تقع الجامعة، لبدء الدراسة.

في السنوات الثلاثة الماضية كانت الأمور بالنسبة لصاحب الـ21 عامًا ورفاقه تسير طبيعيًا، الجميع يلتزم بالقانون السائد الذي فرضته الدولة بضرورة تسجيل الطلاب الأجانب عن طريق "كفيل"، يتولى المسؤولية عنهم ويكون ضامن لهم أمام الحكومة "نفس فكرة الكفيل في بلاد الخليج"، لكن الأزمة أخذت في الاحتدام عندما رفض بعض الطلاب أن يتم تسجيلهم من خلال كفيل؛ والذي يعتبر المبرر الوحيد الذي تمنح به الدولة حق الدراسة للطلاب الأجانب "لو مش عاوزك تسجل في جامعة هو مش شغال فيها مش هتعرف ودا قانوني".

الضجة الكبيرة التي رافقت مشكلة الطلاب المصريين في أوكرانيا، يرجع سببها إلى الشكوى التي تقدمت بها السفارة المصرية في جامعة دونتسك لدى المجلس الأعلى للجامعات بضرورة إلغاء الاعتراف بها في مصر، وغلق الباب أمام الدفعات الجديدة الراغبة في الدارسة بها، في الوقت الذي أوعزت فيه إلى الطلاب المصريين بالتحويل منها، يقول "حاتم" إنهم نزلوا على رغبة السفارة، وعقدوا النية على سحب ملفاتهم والدفع بها في جامعة أخرى "ساعتها الكفيل رفض طلبنا"، فانقطعت عنهم مساعدات السفارة ولم تتم عملية التحويل، ولم يعد هناك خيار آخر أمام الشاب وزملائه سوى الاستمرار وسط التخبط الذي يسود الموقف.

على الرغم من اقتناع الطالب بأن المشاكل واردة ومتوقعة، إلا أن المشهد أمامهم ما زال ضبابيًا، فالسفارة المصرية ألغت الاعتراف بالجامعة داخل مصر في الوقت الذي لم يتمكنوا فيه من التحويل إلى جامعة أخرى "إحنا لما اشتكينا كان علشان المساعدة مش الضرر"، ومما يزيد من حزنه حينما يقارن هذا الموقف بالطريقة التي تعاملت بها السفارة الهندية مع طلابها عندما حدثت معهم مشكلة مماثلة، فتدخلت على الفور وقامت بحلها.

أيام صعبة تمر على "حاتم" في أوكرانيا، تتوزع ما بين الدراسة وبين الخلافات التي تدب بين الحين والآخر مع الجامعة، يهون من حدتها السنوات الثلاثة المتبقية له في الجامعة والتي تفصله عن تحقيق حلمه في الحصول على بكالريوس الطب، ومن ناحية أخرى يؤمن في داخله أن هذا كان قراره في البداية ولابد أن يتحمل النتائج مهما كانت "المشاكل واردة في حياة أي إنسان"، كما أنه يحكي لأهله باستمرار عن كل ما يحدث معه، فيستمد القوة من ردودهم "أنت في مكان أنت الوحيد الأعلم بظروفه وإحنا واثقين فيك وفي اختياراتك".

يرى الشاب أن الكثير من الطلاب المصريين يتمنون فرصة مماثلة، لكنه في الوقت ذاته يقتنع بأن تجربة الغربة لا يستطيع أي أحد تحملها والتأقلم معها لما يحيط بها من تفاصيل مرهقة وأزمات يتعرض لها الإنسان باستمرار، والتي من الممكن أن تعصف به إذا لم يملك من الشجاعة الكافية لمواجهتها "فيه ناس بيحبوا أهلهم يوجهوهم في كل كبيرة وصغيرة"، تلك النوعية في نظره تواجه صعوبة في العيش بعيدًا ومن الممكن أن يرجعوا مرة أخرى في حال زادت الأعباء عليهم.

أشياء عديدة يتمناها "حاتم" على المدى القريب والبعيد، ففي الوقت الحالي يتمنى أن تُحل مشكلتهم مع الجامعة بشكل جذري، وأن تصل بهم السفارة إلى مرفأ آمن، كي لا تهدر جهد السنوات الماضية، وفي المستقبل يحلم بالعودة إلى مصر ويستقر بها بشكل دائم، فأوروبا في نظره مهما تعددت فيها مظاهر الجمال لا تُقارن بالدفء الذي يغمر روحه وهو وسط أهله.

"علي فاروق" رئيس الجالية المصرية في أوكرانيا يقول لـ"الفجر"، إن تلك الجامعة عبارة عن شبكة منظمة من السماسرة المصريين والأجانب للاتجار بالتعليم والضحية هم الطلاب المصريون، حيث خضعوا لعملية ابتزاز من بعض أشخاص ادعوا مناصب تحت مسمى جالية وهمية، فتلاعبوا بعقول الطلاب واستغلوا حاجتهم لتحقيق أحلامهم من أجل استكمال دائرة الابتزاز التي نصبوها حولهم بإحكام.

بداية ظهور المشكلة بحسب ما يقول رئيس الجالية المصرية، عندما قامت الجامعة بفصل 450 طالبًا فصلًا تعسفيًا لاختلاف السماسرة مع مدير الجامعة، حيث تعتبر على حد قوله مبنى إدارى يحركه السماسرة الموجودون بمكاتبهم داخل الجامعة ذاتها في ظل مستوى تعليمى تحت السيء، لذا كان لابد من التدخل لإنقاذ هؤلاء الطلاب، حيث يتابع السفير المصري الدكتور حسام الدين على بنفسه الأزمة وتطوراتها، كذلك وزارة الهجرة برئاسة نبيلة مكرم، ويضيف "فاروق" أن أزمة سماسرة التعليم حاضرة في كل جامعات أوكرانيا، لكن هذه الجامعة تفوق غيرها من حيث أزماتها ومشاكلها المستمرة مع الطلاب.

سعت الجالية المصرية والسفارة، في إيجاد حلول سريعة لتلك الأزمة، بأن قامت بتوفير جامعتين في مديتين مختلفتين في أوكرانيا، لكن السماسرة والجامعة رفضا إعطاء الطلاب ملفاتهم حتى يتمكنوا من الذهاب لأي جامعة أخرى، وهو ما تسعى السفارة المصرية إلى حله في الأيام القادمة.