18 عامًا على ذكرى هجمات 11 سبتمبر ودوائر الإرهاب تتسع (تقرير)

عربي ودولي

جانب من الحادث -
جانب من الحادث - ارشيفية


في تمام الثامنة و46 دقيقة، صباح يوم مشمس في مدينة نيويورك، بتاريخ 11 سبتمبر 2001 حلَّقت طائرة تجارية نفاثة إلى البرج الشمالي من مركز التجارة العالمي، مصيبةً الطوابق من 93 إلى 99، مع انتشار الأخبار في جميع أنحاء العالم في هذا التوقيت، حيث تساءل الصحفيون المصدومون عما إذا كان ذلك حادثًا عارضًا أم عملًا إرهابيًّا، لكن في الساعة التاسعة وتسع دقائق صباحًا، صُعق الجميع لرؤية طائرة نفاثة أخرى تتجه مباشرة إلى البرج الجنوبي، وفجأة، أصبح واضحًا أن الولايات المتحدة تتعرض لهجوم.

.

أصبح حجم الهجوم تلك اللحظة واضحًا بعد حوالي 40 دقيقة، عندما اصطدمت طائرة ثالثة بالبنتاغون، وبعد فترة وجيزة، جاءت الصدمة الرابعة، وانهار البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي بشكل مفاجئ في بضع ثوانٍ، دُمرت بنيته التحتية بسبب آلاف الجالونات من وقود الطائرات، وسرعان ما استسلم توأمه لنفس المصير.



غدا الأربعاء، تحل الذكرى الثامنة عشرة لتلك الهجمات المعروفة عالميا بهجمات الحادى عشر من سبتمبر2001، ورغم مرور كل هذه السنوات فمايزال هناك خبايا وأسرار تكشفها وسائل الإعلام الأجنبية وفي القلب منها الأمريكية من وقت لآخر.

وتأتي ذكرى أحداث 11 سبتمبر في ظل تحولات في سياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، إذ توجه لها أصابع الاتهام بأنها استغلت ذلك الحادث لنشر الإرهاب والفوضى في المنطقة العربية، لتقسيم الشرق الأوسط والسيطرة على البترول بالمنطقة.

كانت هجمات سبتمبر التي استخدم فيها انتحاريون طائرات مدنية قادوها لترتطم بأهداف في نيويورك وواشنطن، كما تحطت احداها في حقل بولاية بنسلفانيا، قد أودت بحياة نحو 3000 شخص.


ماذا حدث؟
خلال الأيام والأسابيع التالية، اتضح للجميع سرقة الأربع الطائرات من قبل 19 مسلحًا منتمين إلى الجماعة الإرهابية «القاعدة»، والذين كانوا مسلحين بمشارط وسكاكين حادة، غفل عنها أمن المطار، حيث أصابوا ثلاثة من أهدافهم، أما الرابع، الذي كان يستهدف البيت الأبيض أو الكابيتول، فتحطمت طائرته في حقل في ولاية بنسيلفانيا بعدما جرى التصدي لها، ورصدت التقارير مقتل ما يقرب من 3000 وإصابة 6000.

التأثير الفوري للهجمات
آذت أحداث 11 سبتمبر النفسية الأمريكية، فالدولة التي لم تشهد ولاياتها هجومًا كبيرًا منذ حوالي 200 عام فوجئت بمجموعة إرهابية صغيرة على بعد آلاف الأميال تضرب مراكزها المالية والعسكرية، وأن هناك المزيد من الهجمات المكثفة لم تبدُ فجأة محتملة فحسب، بل لا مفر منها.

تسببت الكارثة في سلسلة من ردود الفعل لا تزال أصداؤها -غير المقصودة- تتردد حتى اليوم، آثار دائمة ومتداخلة كـ "حرب على الإرهاب"، باهظة التكاليف وليس لها نهاية، وتزايد الشبهات حول الحكومات ووسائل الإعلام في العديد من الدول الديمقراطية، وتزايد حاد في العداء الغربي تجاه المسلمين، وتدهور القوة الأمريكية إلى جانب الفوضى الدولية المتزايدة، والتطورات التي ساعدت على صعود دونالد ترامب ومثله من الزعماء.

حرب بلا نهاية؟
بعد أسابيع من أحداث 11 سبتمبر، غزت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش أفغانستان بهدف تدمير تنظيم القاعدة، الذي منحه نظام طالبان المتطرف الملاذ الآمن، وبدعم من عشرات الحلفاء، أسقط الاجتياح سريعًا حكومة طالبان، وشلَّ تنظيم القاعدة.

لم يكن ذلك قبل عام 2011، وفي ظل حكم الرئيس باراك أوباما، حين عثرت القوات الأمريكية على زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وقتلته، على الرغم من الجهود المبذولة لإنهاء العمليات القتالية الرسمية منذ ذلك الحين، لا يزال هناك أكثر من 10 آلاف جندي أمريكي في أفغانستان اليوم، يقاتلون تمرد طالبان المتزايد، ما يجعل هذه الحرب حتى الآن أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة.

تبدو طالبان بعيدة كل البعد عن القضاء عليها، حيث تنشط في معظم أنحاء البلاد، وعلى الرغم من اقتراب حجم خسائر الحرب من تريليون دولار، ومع ذلك تبدو الضغوط الداخلية لإنهاء الحرب ضعيفة للغاية، بفضل الجيش التطوعي والخسائر المنخفضة نسبيًّا، وكون الحرب بعيدة وذات أهمية معنوية بالنسبة لمعظم الأمريكيين، فالأهم من ذلك هو الصراع المسلح الأساسي الثاني الذي عززته هجمات 11 سبتمبر، وهو الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق عام 2003، على الرغم من عدم ارتباط صدَّام حسين بالأحداث، لكن كان لدى المسئولين في إدارة بوش اقتناع بأن نظامه يشكل تهديدًا كبيرًا للنظام العالمي.

سارعت القوات الغازية إلى الإطاحة بصدام، لكن أدى الاحتلال الذي جرى بشكل سيئ وخاطئ إلى زعزعة استقرار المنطقة برمتها، فتسبب في تمرد كبير طويل المدى في العراق، وتسبب أيضًا في تعزيز نفوذ إيران الإقليمي في الشرق الأوسط على نحوٍ أوسع، و صعود الدولة الإسلامية، وخلق فوضى مستمرة أدت إلى حروب أهلية، وهجمات إرهابية لا حصر لها، وتطرف، أما في معظم أنحاء العالم، فقد غذَّت الحرب معاداة الشعوب لأمريكا، وبدأ الرأي العام في أوروبا -جراء الحرب- في توسيع القطيعة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الرئيسيين.


التكاليف النقدية والاجتماعية
تنفق الولايات المتحدة اليوم 32 مليون دولار في الساعة على الحروب التي خاضتها منذ 11 سبتمبر، وتبلغ التكلفة الإجمالية أكثر من 5.6 تريليون دولار. انتشرت الحرب المزعومة على الإرهاب في 76 دولة، حيث يقوم الجيش الأمريكي الآن بأنشطة مكافحة الإرهاب، بدءًا من ضربات الطائرات بدون طيار وحتى عمليات الرصد والمراقبة.مُوِّلت هذه المبالغ الصادمة بالاقتراض، مما زاد من عدم المساواة الاجتماعية في الولايات المتحدة، وأشار بعض المراقبين إلى أن الإنفاق الحكومي على الحرب كان أكثر تسببًا في الأزمة المالية العالمية 2007-2008 من التحرر المالي.

تآكل الديمقراطية
أدت حقبة ما بعد 11 سبتمبر إلى تآكل الحريات المدنية في جميع أنحاء العالم. وأشار العديد من الحكومات إلى الحاجة الملحة لمنع الهجمات في المستقبل كمبرر لزيادة الرقابة على المواطنين، و تقييد المعارضة، وتقنين القدرة على احتجاز المشتبه بهم دون سبب.غذَّى معرفة أسباب فشل مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية في الكشف عن مؤامرة 11 سبتمبر ومنعها، رغم التحذيرات الواضحة، انعدام الثقة الشعبية في وكالات الاستخبارات وإنفاذ القانون، وقوضت المعلومات الاستخباراتية الخاطئة حول «أسلحة دمار شامل (WMDs)» غير موجودة إلا في العراق ثقة الجمهور، ليس فقط في الحكومات التي روجت لهذه الادعاءات، لكن أيضًا في وسائل الإعلام لنشرها معلومات كاذبة.وكانت النتيجة مناخًا من عدم الثقة السائد في أصوات السلطة، حيث يرتاب المواطنون في الولايات المتحدة ودول أخرى على نحو متزايد، في المصادر الحكومية و وسائل الإعلام، ويتساءلون أحيانًا عن إمكانية إدراك الحقيقة، مما يجعل عواقب الديمقراطية تبدو وخيمة.

زيادة الإسلاموفوبيا
أثارت أحداث 11 سبتمبر موجة من الإسلاموفوبيا في الغرب، فبعد أن خاض الأمريكيون حربًا باردة غير مسبوقة منذ عقود، أظهروا الهجوم كصراع الخير ضد الشر، ما جعل التطرف هو العدو في النهاية. استخدمت وسائل الإعلام والسياسة في العديد من الدول، الآراء والإجراءات المتطرفة للإرهابيين للإساءة إلى المسلمين عمومًا، ومنذ 11 سبتمبر، تعرض المسلمون في الولايات المتحدة وأماكن أخرى للمضايقات والعنف.غالبًا ما يُعامل المسلمون في الدول الغربية على أنهم العدو البارز الأول، ووصل الشعبويون الأوروبيون إلى السلطة كنتيجة لاستنكارهم وجود اللاجئين من الدول ذات الأغلبية المسلمة كسوريا، ويُقابل استعداد وقدرة المسلمين على الاندماج بشك متزايد.بعد أسبوع من تنصيبه، وفَّى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوعده بالتوقيع على مشروع «حظر المسلمين»، والذي يهدف إلى منع المواطنين من ست دول ذات أغلبية مسلمة من دخول الولايات المتحدة.

الهجمات اللاحقة
جرى تجنب واحدة من أكثر النتائج المتوقعة طويلًا منذ 11 سبتمبر حتى الآن، فعلى الرغم من مشاركة الإرهابيين في هجمات ناجحة في الغرب منذ الأحداث، بما فيها تفجيرات بالي عام 2002، وتفجيرات قطار مدريد عام 2004، وهجمات باريس عام 2015، لم يكن أي منها على شاكلة هجمات 11 سبتمبر. وبدلًا من ذلك، شهدت الدول التي تضم أعدادًا كبيرة من المسلمين ارتفاعًا في الهجمات الإرهابية.لا يزال الغرب يدفع ثمن رده العسكري والمسلح على الإرهاب بإضعاف المعايير والقيم الديمقراطية، وأدى إطلاق العنان للقوة العسكرية الأمريكية التي كان مفترضًا أن تخيف الإرهابيين إلى إضعاف قوة أمريكا، ما جعل الوعد المسبق للرئيس ترامب باستعادة العظمة الأمريكية يلقى كثيرًا من التأييد.على الرغم من أن لدى العديد من القضايا التي تواجهنا اليوم جذورًا طويلة، فإن عالمنا تشكل بطريقة لا تُمحى بأحداث 11 سبتمبر وما بعدها.