امير عزام يكتب: لا عليك يا بني

ركن القراء

امير عزام
امير عزام



رد الأب علي ما قاله ابنه قائلاً:
لا عليك يا بني إعتذارك مقبول بالنسبة إلى، أنا أشعر بك وأشعر بما في داخلك ولمست غضبك عليّ وأنّي أشفق عليك حقا.

أعترف أنني قصرت كثيرا وقد أكون بالغت في تقصيري معك بإستمرار خطأي في حقك إلا الآن، لكني مرهق حقاً وأردت الإتكاء علي عصي حتي لا ينكشف ضعفي وتَخِر قواي أمام الناس وتظهر أعراض العجز علي شكلي.

وأقول لك يا ولدي أنّي مثلك بالضبط لم أكن مخيراً فيما فعلت ولم أكن أريد ذلك الأمر أبداً لكن هي الحياة دائماً ما تخالف هوانا، وأتذكر حين كنت صغيراً يلعب في الأرض الزراعية التي كان يعمل فيها أبي بالأجر فلم يكن يملك هذه الأرض ولم يكن يطمح في ذلك، وقتها كان موسم حصاد القمح وكان أبي مرهق جداً في العمل حتي كاد أن يغشي عليه من شدة التعب لكن جدتك كانت تساعده وتهون عليه تعبه ودائماً ما كانت بحواره طوال حياته. 

كانت الحياة حقاً صعبة ولم تكن جيدة كما تظن او كما عايشتها أنت معي، وقتها كنا في الريف وكانت الحياة تقسوا علينا كل يوم فلم يكن هناك مشفي قريب لنا حين الحاجه ولم نكن نتناول اللحم إلا في وقت المواسم وكان أبي يقبل الزكاة من الأغنياء فلم نكن نملك هذا العقار في أحياء مصر القديمة وقت ولدت وكبرت، ولم تكن ملابسنا أنيقة كما عاصرتها وأقول لك أن أبي لم يصاحبني حتي الشباب كما أنت الآن،توفي أبي حين كنت في العاشرة من عمري ولم يكن هناك منزل نسكنه حيث كنا نعيش في منزل لصاحب  تلك الأرض التي كان يعمل فيها جدك. 

القاهرة لم تكن لنا سوا بلد أجنبي بعيد المنال لكن شاء القدر أن تجد أمي عملا في احدي ناطحات سحاب مصر القديمة حيث كان اعلي منزل رأيته كان دورين بالطوب اللبني، وظلت امي تعمل حارسة لهذه الناطحه حتي كبرت وكان عليّ وقتها أن اغير مصيري. 

أعرف أنك مستاء من هذه الحياة لكن هل عاصرت يوماً حرباً فقدت فيها عزيز او غارة تبعد عن رأسك أمتار قليلة او زلزال هدم منزل جارك او هل عانيت طول السفر هل جربت مرارة أتوبيس الكافور الذي كان يمر علي عشرات القري والمراكز حتي تصل الي منزلك او عملك، اعتقد انك لم تعاصر هذه المواقف، هل لك أن تصفي كيف تحصل علي علمك الآن فنحن لم نكن نملك الانترنت ولم تكن هناك تكنولوجيا، هل شعرت بالظلمة وقت الشتاء القارص في منزل بسقف من البوص وغطاء قليل لا يفي بالغرض هل ترعرعت في منزل من غرفة واحدة يعيش فيها كل اهل المنزل.

أعتقد أنك لم تكن تريد أن تعاصر هذه الحياة ابداً ولن تفعل أيضاً، أعترف أن هناك تقصير مني ولكنك لم تلتمس لي عذراً واحداً لكني فعلت والتمست لك ألف عذر ، الحياة يا ولدي لم ولن تكون سهلة لأي شخص لكنها تعطي أشياء وتسلب أخري ولن تحصل منها إلا ما وفقت اليه من قبل ربك فعليك ألا تسلط الضوء عليها حتي تكشف خبياها السيئة، دعك مني ومن اخطائي فعليك أن تركز في أحوالك الآن. 

لم تكن الحياة سهلة كما تظن ولكن تختلف المصائب والمشاكل من وقت لوقت فعليك ألا تتذمر من حياتك بل عليك تغيير مصيرك كما فعلت، لقد فعلت ما استطيع فعله ولم أكن أملك غير ذلك وإلا فعلت.

وحين تكبر عليك أن تقبل اعتذار ولدك أيضاً......