"عالم من ورق".. حكاية محمود نظير مع مجسمات الكرتون

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


دائمًا ما ينظر الأطفال إلى الورق على أنه صديق مقرب إليهم، بشكل يجعلهم يتجاوزون به تركيبته المادية، فهو بالنسبة لهم أكثر من مادة تسوعب الموهبة الأقرب إلى عالمهم الصغير متمثلة في الرسم أو عمل الأشكال والمجسمات؛ والتي تحفزها داخلهم أفلام الكرتون بعوالمها الموازية وأبطالها الخارقين، لذا لم يتعامل "محمود نظير" منذ سن صغيرة مع الكرتون إلا من خلال القص واللزق والعمل على تغيير هويته إلى أشياء جديدة، يغلفها بلمحة من تفاصيل العالم الخارجي.






السنوات الكثيرة التي مرت على محمود منذ أن أدرك موهبته في تشكيل الأشياء لم تستطع أن تطفأ الحماس داخله في عمل المجسمات، صار يرى العالم والأشياء من حوله من ثقوب أوراق الكرتون، فيما أصبح الشارع مصدر إلهام بالنسبة له، يسير وعيناه معلقة على ما يطوف به، بمجرد أن يسترعي انتباهه منظر ما، حينها تنشط مخيلته وتتحفز الرغبات الكامنة في وضع ما رآه داخل إطار من الورق، كذلك الصور المميزة التي تستوقفه على صفحات العالم الأزرق.







قبل حوالي 4 أشهر كان صاحب الـ38 عامًا يقوم بجولة داخل الحي العتيق بالحسين، ومنها عرج إلى مسجد الحاكم بأمر الله الواقع بأطراف شارع المعز، تملكه الانبهار بما رأى، وقع أسيرًا في حب قبابه ومئذنتيه التي تقفان في ارتفاع سامق ويلفهمها جمال مبهر، وتشكل جمعيها تفاصيل للوحة فنية تسر الناظر إليها، حينها ردد في نفسه "قولت لازم أعملهم"، وهو ما شجعه فيما بعد على عمل مجسم للمسجد الحرام، استغرق منه شهور عديدة كان العمل يمتد به في اليوم الواحد لأكثر من 6 ساعات "كان متعب ومرهق بالنسبة لي لأن تفاصيله صغيرة"، حسبما قال محمود لـ"الفجر".
 





المرة الأولى التي حضرت فيها أعمال محمود بقوة على السوشيال ميديا، كانت من خلال مجسم مسجد الحاكم بأمر الله، حيث قوبل بتفاعل كبير من الجمهور بالشكل الذي أصابه بالصدمة، تحول فيما بعد إلى إحساس مفعم بالحماس في عمل المزيد من الأشكال "بقيت عاوز أفرح الناس أكتر وأكتر"، فيما ساعد النشاط المكثف من جانب نظير عقب هذا التفاعل على صقل موهبته وأخذ خطوات أكثر ثباتًا وخبرة  في تصنيع مجسمات الكرتون، مدفوعة بتطوير حركة اليد وضبط المقاسات بالمسطرة، فأعاد تشكيل المنازل وبعض الأدوات المنزلية ووسائل المواصلات والحيوانات الأليفة، بشكل يجعلها أقرب إلى الحقيقة.







يدرك "محمود" الخيط الدقيق الذي يفصل بين العمل من أجل الموهبة والعمل الذي يتطلبه الواقع وتمليه ظروف الحياة، لكنه حصن موهبته بوضعها على مقربة من الافتراض الأول، فدافعه دائمًا أن الاستمرار في عمل ما يحب هو الثمن المجزي لموهبته التي نمت داخله من سنوات طويلة وتوثقت علاقتها بها من خلال الأشكال التي عكف بالساعات لعملها "لما بدأت الموضوع ما كنش أكبر من كونه هواية"، لذا دائمًا ما يقابل طلبات الكثير من الزبائن الراغبين في شراء أعماله بالرفض، حيث يخاف أن تخنق ضغوط العمل الموهبة داخله فتتحول مع الوقت إلى عبء ثقيل.







مرات قليلة هي التي يلجأ فيها نظير لبيع المجسمات، وتكون تحت ضغط وإلحاح من أصدقائه المقربين الراغبين في اقتناء أشكاله المميزة، فيما يهديها لهم أغلب الأوقات، وفي الأونة الأخيرة أسدى إليه بعض الأشخاص نصيحة عمل قناة على اليوتيوب لتعليم الناس إعادة تشكيل ورق الكرتون، تكون بمثابة الحل البديل لعدم رغبته في البيع و إحجامه عن المشاركة في المعارض الفنية، وهو ما بدأه قبل شهرين "بقيت كل أما أعمل شكل جديد، أعمل فيديو وأنزله".







رغم الموهبة الكبيرة التي يتمتع بها محمود والتي أكدها التفاعل الكبير الذي حصل عليه في الفترة الأخيرة، لكن يتمكله أحيانًا شعور بأنه لم يضف جديدًا إلى عالم المجسمات والأشكال، حيث سبقه الكثيرون ممن يفوقونه خبرة ومهارة، لكن ما يعيد إليه الثقة كلام البعض أن تميزه يكمن في قدرته على التحكم في الكرتون وعمل الانحناءات كما لو كانت عجينة يشكلها كيفما يشاء.