من مدرسة إلى مقدمة محتوى.. "أسماء" تمنح أملًا جديدًا لمُحبي اللغة العربية

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


قبل سنوات بدأت "أسماء سالمان" عملها كمدرسة للغة العربية للناطقين بغيرها بإحدى الجامعات التركية، وخلال تلك الفترة استرعى انتباهها شح المصادر الإثرائية التي تعني بقواعد اللغة العربية وتهتم بعلومها، فيما كانت تضطرها الظروف في كثير من الأحيان للبحث عن مادة شيقة تشفي الغليل لكن لم تظفر منها بطائل، لذا طرقت فكرة إعداد موقع إلكتروني يحتوي على مواد عربية ذهنها بقوة، وهو ما ترجمته لاحقًا في الصفحة التي أنشأتها تحت اسم "أوراق عربية"، تقدم من خلالها مقاطع مرئية ومسموعة تهدف من خلالها إلى إحداث نقلة نوعية في تعليم وتعلم اللغة وتحديثها بلا قيود ومعوقات.







في البداية تسرب إلى أسماء إحساس، أن الوقت المناسب لظهور الفكرة إلى النور لم يحن بعد، لكن شعورًا قويًا كامنًا في أعماقها كان يدفعها إلى المضي فيما عزمت عليه، كان يعزز من وجوده قناعتها الراسخة بأن "التردد يمكن أن يتملك الإنسان وخفت ألا تأتي هذه اللحظة أبدًا" تقول صاحبة أوراق عربية لـ"الفجر"، وتضيف أن المشروع تحول من مجرد فكرة في خاطرة الغيب إلى حلم وشغف كبيرين أصبح لها بمثابة "مشروع حياة".

لا تجد الأفكار الناشئة في البداية الطريق ممهدًا، تواجهها الكثير من التحديات وتعترضها المعوقات التي من الممكن أن تعرقل من استمرارها وتنفي وجودها، وهو ما أدركته أسماء منذ أن شرعت في تأسيس مشروعها، ولعل أكثر الصعوبات بالنسبة لها في البداية تمثلت في المحبطين ومثبطي العزيمة وخانقي الأمل في الساعين إلى التغيير "وهم كثر في مجتمعنا وأي مجتمع آخر" لكنها لم تعبئ بهم وتغلبت عليهم بمن شاطروها الاهتمام ووقفوا إلى جوارها كي تستمر فيما أقدمت عليه، وفي المراحل التي أعقبت الانطلاق والتأسيس تجسدت تحدياتها في إيجاد فريق عمل تتبلور في عقله الفكرة ذاتها والمقدار نفسه من الحماس والشغف المستمر للبقاء والتطوير.







لم تكن "أوراق عربية" هي الأولى التي تقدم محتوى مبسط لقواعد اللغة العربية وطريقة النطق الصحيح للكلمات وكتابتها، سبقها الكثير من المواقع والصفحات، لكن الشابة الثلاثينية لم تنظر للموضوع على أنه منافسة لجذب أكبر عدد من المتابعين أو سرقة الأضواء من أشخاص جمعهم ذات الهدف "ولا يمكن أن نقلل من شأنهم وأهميتهم"، لكنها أرادت أن تأخذ فكرتها شكلًا جديدًا خارج حيز صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، لذا فهي تحاول أن تقدم شيئًا مختلفًا وتلقي نطرة جديدة على مواضيع اللغة بعيدًا عن الكتب التي تعج بالكثير من النظريات المعقدة، وذلك من خلال فيديوهات حيوية ومبسطة.

ساهمت إجادة أسماء للغة الإنجليزية في تطوير المحتوى بشكل كبير، وهي بذلك تزيل اللبس العالق بأذهان الكثيرين بأن ثمة تعارض بين إتقان كلا اللغتين، على اعتبار أن كلًا منها تدور في نسق مختلف عن الأخرى، وهو ما تخوفت منه في البداية، لكن هذا الشعور أخذ في الخفوت والتلاشي عندما بدأوا في نشر المحتوى "يمكن أن نقول أن صحوة عربية أصابت فئة كبيرة من الناس أدت إلى زيادة الاهتمام باللغة العربية والمشاريع التي تخدمها".







يسبق إعداد الفيديو جهدًا كبيرًا ووقتًا أكبر فقد يمتد بهم العمل على مقطع واحد لنحو شهرين كاملين "نفكر ونبحث حتى نخرج بفكرة جديدة وممتعة وبنفس الوقت فيها فائدة حقيقية"، ثم تَتابع المراحل الأخرى من جمع المعلومات وكتابة النصوص وتحديد عدد الفيديوهات التي من الممكن أن يُقسم إليها الموضوع، وانتهاءًا بالتصوير الذي يستغرق منهم في بعض الأحيان مدة طويلة، وتذكر أنها في المرة الأولى ظلت في موقع التصوير لمدة 8 ساعات كاملة "كان ذلك جنونيًا".

الهدف الأساسي من عمل الفيديوهات على تلك الصورة، هو تبسيط القواعد المعقدة وتفكيك الكلمات الصعبة إلى أشياء بسيطة يسهل فهمها واستيعابها، وهو ما حتم عليهم أن يكون الفيديو قصيرًا؛ يذكرون فيه أهم المعلومات وأكثرها استخدامًا وشيوعًا بين الناس، الأمر الذي يستنكره بعض المتابعين "ينتقدون بساطة الجمل وسهولتها في بعض الأحيان"، أما الموضوعات التي تتطلب تفصيلًا أدق فيتطرقون لها من خلال فيديوهات أطول، كذلك يعملون على تحقيق التوازن في تقديم المحتوى على صفحتهم من خلال "كلمة اليوم" التي يستعرضون فيها كلمات صعبة تغيب عن أذهان الكثيرين وإيضاح معناها واستخدامها في سياقات مختلفة بهدف تبسيطها قدر الإمكان.






التعليقات الإيجابية والمشجعة التي تلقتها أسماء على الفيديوهات حملت إليها صدمة ابتهجت لها أساريرها "كأن الناس وجدت ما تبحث عنه" وهو ما يسبب لها سعادة غامرة يتركها في نفسها تعليق أحدهم على منشور يخبرها فيه أنها المرة الأولى له التي يفهم فيها هذا الفكرة بتلك الطريقة، تزايلها الفرحة أكثر فتقول إن أجمل تعليق تلقته كان من أحد المتابعين يخبرها أنه بدأ يتحدث العربية الفصيحة في البيت بسببها "كدت أطير من الفرحة حينها"، لكن لا يخلو الأمر من بعض التعليقات السلبية "وهي قليلة جدًا" يقلل من تأثيره إدراكها لطبيعة الجو العام الذي يفرضه عالم السوشيال ميديا، فيما يختلجها شعور دائم بمسؤولية كبيرة تقع على عاتقها تجاه اللغة العربية لا مجال معها للتراجع أوالتباطؤ.






نتيجة النجاح الذي حققته "أوراق عربية" في مدة قصيرة، استطاعت أن تستقطب الكثير من عروض الشراكة والتعاون من جهات محلية وغير محلية، لكن أسماء أحجمت عن القبول لأنها ترى في ذلك تقييدًا لهم في تلك المرحلة المبكرة، كما أنه قرار يحتاج من وجهة نظرها إلى الكثير من التروي والتفكير، وتقول إن بعض المحتوى المقدم ترعاه أحد المنصات العربية للتواصل الاجتماعي. في الوقت ذاته تحوي جعبتهم الكثير من الخطط الذي يرومون من خلالها تطوير المحتوى وزيادة حجم المكتبة بحيث يخاطبون شرائح مختلفة تشمل الناطقين وغير الناطقين باللغة العربية، وتستوعب كذلك الكبار والصغار.