"زيارة المقابر في ملوي".. عندما يستغيث الأموات من الأحياء

محافظات

بوابة الفجر


محرك موتور أوشك علي الانتهاء داخل سيارة ربع نقل غير آدمية أصطف بها 12 فردا في المقاعد الخلفية و5 آخرون فى المقاعد الأمامية وبأجرة قيمتها 5جنيهات.. توجهنا إلي مقابر شرق النيل الكائنة بمدينة ملوي جنوبي محافظة المنيا، وعند وصولنا إلي المقابر لم يستغرق الطريق سوي أقل من نصف ساعة تقريبًا، بدأت باستشعار رهبة الموت وسكينة الأموات.. وهروبًا من هذا الشعور ألقيت السلام عليهم " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين إن شاء الله بكم لاحقون".

" كان تبدوا علية علامات التعب وكبر السن.. يرتدى جلبابًا "كحلي اللون"، يمشي متكئا على عكازه نحو بيته الكائن وسط الخلاء، يستقبله طفل صغير يبدو علية صديقة: دعني أساعدك في الجلوس يا جدي، حتى إذا وصلا لكرسي خشبي، وبدأ يجلس المسن ببطء كبطء خطواته ".. هذا كان حال الحاج "محمد - ع - ا - س"، أحد ساكني المقابر لأكثر من 25 عاما، اقتربت منة كان فى بداية الأمر رأفضًا الإفصاح عن أسمة وبعد أنا اطمئن لي أفصح عنة ولكن رفض التصوير الفوتوغرافي.. فى ذلك الوقت بدأ يدور في زهني أسئلة كثيرة لماذا ذلك المسن يسكن بتلك المنطقة لماذا لم يحاول الذهاب إلى مكان سكنى أخر ؟!.. ولكن سرعان ما كانت الإجابة من قبله قائلا: أنا عايش هنا منذ 25 سنة أيام ما كنت شباب.. عشت أنا وزوجتي وأولادي وبعد ما أولادي كبروا وأكرمهم الله فتزوجوا وأصبحنا أنا وزوجتي هنا نعيش بمفردنا بصحبة حفيد من الابن الأصغر، أصبحنا في تعداد الأموات ننتظر قضاء الله.. "على حد تعبيره".

في حقيقة الأمر، كان هدفي من زيارة القبور هو عمل تحقيق صحفي حول "ساكني المقابر"، ولكن سرعان ما تغيرت فكرتي، فور وصولي هناك لاحظت وجود كمية زجاجات الخمور الفارغة التي كانت بين كل مدفن وأخر، لفت أنظاري بقايا سجائر كثيرة فى الأرض ولم أخفى عليكم سرًا كانت تشبه بقايا "سجاير المحشو بجوهر الحشيش ".. كان كل هذا مخلفات بعض زائري القبور فى عيد الأضحى الماضي.

انطفأ بريق عينا الحاج محمد وسكن الأسى كل ملامحه وهو يتنهد قائلًا: يا بنتي الدنيا أتغيرت أيام زمان غير دلوقتي زمان كان في احترام لحرمة الموتى دلوقتي "عند دخول المقابر لزيارة الموتى وقراءة الفاتحة لهم وبدلا من الترحم علي الموتى والدعاء لهم بالرحمة والمغفرة ولكن فى مثل تلك الأيام المقابر أصبحت أفراح شعبية وأصوات الغناء تعم في هذا المكان و، الشباب بتوع اليومين دول بيجوا هنا ويشغلوا أغاني ومسابقات الدراجات البخارية وخاصة أيام الأعياد والمناسبات الزيارات ناهيك عن رائحة دخان السجائر والحشيش غير زجاجات الخمور... شباب محتاج إعادة تأهيل من أول وجديد أشعر بالحزن عندما أري هؤلاء الشباب المستهتر بحرمة الموتى.. "على حد تعبيره".

لم تخلوا أي قبور من أعمال السحر والشعوذة.. بتلك العبارة أستكمل الخمسينى حديثة معنا قائلا: السحر المدفون في قبر أو في أطراف القبر هو أخطر أنواع السحر، لأن الجن تتم السيطرة عليه بقوة من قبل الساحر إذا دفن في قبر، لأن الجن لا يحب المقابر لكونها تتمنى الخلود، فعندما يجعل السحر في قبر، فإن الجان يفعل ما يأمره به الساحر خوفا من الموت... مناشدًا الشيوخ والائمة ومن لدية الخبرة فى فك أعمال السحر والشعوذة بالنزول فى مقابر ملوى جميعًا،وأنهى حديثة باستدلاله بحديث رسول الله قائلا: روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النبي، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ” قَالُوا: "يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُنَّ؟"، قَالَ: "الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ التي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّى يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافلاتِ"، وبالإضافة إلى جريمة السحر، فإن انتهاك حرمة الموتى من خلال نبش القبور التي نهى عنها الإسلام قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "كسر عظم الميت ككسر عظم الحي".

وأخيرا وليس آخرا.. ما سطرناه خلال رحلتنا القصيرة لمقابر ملوى يؤكد أنة في ظل إهمال الأجهزة التنفيذية لتلك المناطق الجبلية في المنيا تحولت القبور إلي ساحة للعب القمار وملهي ليلي لمدمني المواد المخدرة، وخاصة في أيام الأعياد والمناسبات، وتبدلت قدسية المكان وحرمة موتاه إلي مرتعًا للخارجين عن القانون... ومابين إهمال الأجهزة التنفيذية والأمنية للمقابر وانتشار للخارجين عن القانون تاهت حرمة الموتى.