بيزنس الأدوية المسكنة.. موت بطئ لأطفال مصر

العدد الأسبوعي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


مبيعاتها تتجاوز 350 مليون جنيه سنويًا

تركيبات سرية تعبأ فى الصيدليات والمستشفيات الخاصة

وحيد عبدالصمد: مصالح شركات الأدوية تستبعد المسكن الآمن الوحيد


احتدمت منافسة كبيرة بين شركات الأدوية لإنتاج وتوزيع أنواع مختلفة من المسكنات للأطفال، مع التباطؤ فى تصنيع الأنواع الوحيدة الآمنة للأطفال والتى تحتوى على المادة الفعالة «باراسيتامول».

ومن خلال جولة على عدد من الصيدليات، تبين وجود نقص كبير فى المسكنات التى تحتوى على الباراسيتامول، وتداول المواطنون بناء على روشتات طبية أنواعاً أخرى مثل كتافلاى، بروفين، دولفين، حقنة ديكلوفيناك، ايبوبروفين، ميجافين، كونتافيفر، سيتافين، وكورتيزون.

وأكد عدد من الصيادلة أن جميع الروشتات الخاصة بالأطفال من عمر يوم وحتى 6 سنوات، مكتوب فيها نوع أو اثنين من مجموعة المسكنات التى تعتبر خطيرة للأطفال، موضحين أن قلة قليلة من الأطباء تقوم بكتابة المسكنات الآمنة التى تحتوى على «باراسيتامول»، كما أكدوا أنه فى حالة رفض صرف تلك المسكنات بسبب أضرارها على الطفل، ترفض الأسرة بحجة ثقتهم فى الطبيب.

فى حين أكد عدد من أولياء الأمور، أن أضراراً بالغة أصابت أطفالهم نتيجة لتناول مسكنات غير آمنة.

تقول «أسماء» التى لم يتخط عمر ابنتها عامين، إن الطفلة أصيبت بفشل كلوى نتيجة لتناول مسكن «دولفين»، فقد كان يكتبه الطبيب لها فى كل مرة تصاب بارتفاع فى درجة الحرارة، واعتادت الأم على شرائه لابنتها حين ينتاب الطفلة نفس الأعراض.

تقول الأم إنها ظلت فترة طويلة تستخدم هذا المسكن، حتى فوجئت بأن ابنتها أصيبت بفشل كلوى، وعندما سألت الأطباء عن السبب أكدوا لها أنه كثرة تناول مسكن «دولفين».

ولم يتخيل محمد عواد أن ابنه الذى ظل ينتظره لمدة 5 سنوات سيفارق الحياة بعد ولادته بثلاث سنوات فقط، بسبب مجموعة من المسكنات التى وصفها بـ«السامة»، حيث قال إن ابنه منذ الشهر الثالت وهو يتناول المسكنات التى كان يكتبها له الأطباء، ولذلك تأثرت الكلى بشدة، حتى توقفت كلياً.

وأضاف أن طفله الصغير بالرغم من المشاكل التى تسببت فيها المسكنات، إلا أن ما أودى بحياته كان خطأ طبيا، حيث قام الطبيب بكتابة «دولفين وكتافلاى» معاً للطفل، ما تسبب فى توقف عضلة القلب، ووفاته فى الحال.

وكانت حالة أمانى كريم، الطفلة ذات الثلاث سنوات، والتى تم إنقاذها من حالة تسمم بأعجوبة أفضل من غيرها ضحايا المسكنات، حيث تقول والدتها إن طبيبها المعالج وصف لها حقنة «ديكلوفين»، وهى عبارة عن مسكن ومضاد حيوى وفيتامين، ويقوم الصيدلى بخلطها باعتبار الوصفة مسكنا للآلم.

وتشير والدة أمانى إلى أن طفلتها ذهبت فى شبه غيبوبة بعد حقنها مباشرة، وعندما سألت الصيدلى قال نصًا: «لا أعلم تأثير الحقنة، ولكن من المفترض أن تقوم بتسكين الألم وعلاج الحالة بسبب احتوائها على مضاد حيوى»، وفى قسم الطوارئ بأحد المستشفيات فوجئت الأم أن ابنتها أصيبت بتسمم بسبب تلك الحقنة، وتم إنقاذها من الموت بأعجوبة.

تمارا سيد، طفلة عمرها 4 سنوات، أصيبت بارتجاع فى المرىء بسبب تناول عدد من المسكنات معًا، وقال لها الطبيب الذى قام بإسعافها أن السبب هو تناول «دولفين وبروفين» معاً.

ويقوم أحد الأطباء المشهورين ويدعى «أحمد.ع»، بعمل تركيبات مسكنة للأطفال فى عيادته الخاصة بمنطقة السيدة زينب، وتباع العبوة بسعر 300 جنيه.

وحسب معلومات من أحد العاملين بالعيادة، فإن الطبيب يقوم بخلط دواء للسعال مع أى مسكن مثل «الكورتيزون»، ويتم بيع الخليط فى عبوة على أنها مسكن فعال للأطفال.

ومن أبرز الأماكن التى تقوم أيضا بعمل تركيبات مسكنة للأطفال، مجموعة مستشفيات وعيادات شهيرة ومنتشرة على مستوى الجمهورية لعلاج الأطفال، حيث قالت مصادر إن الإدارة تقوم بشراء أدوية سعال، وحساسية، وفيتامينات بالجملة، ثم يتم خلطها بنسب معينة وبيعها على أنهم مسكن وعلاج للبرد والسعال.

من جانبه قال وحيد عبدالصمد، عضو مجلس نقابة الصيادلة، إن المسكن الوحيد الذى يعتبر آمناً للأطفال هو الذى يحتوى على «باراسيتامول»، وبالرغم من ذلك هناك تلاعب من جانب شركات الأدوية بغرض تصنيع بدائل ووقفف إنتاح الباراسيتامول، وذلك لأغراض تجارية، تتعلق بالتكلفة ومحاولة احتكار السوق.

وأضاف لـ «الفجر»، أن هناك شركتين استثماريتين تمتلكان حق تصنيع المسكنات التى تحتوى على الباراسيتامول، لكنهما أوقفا إنتاجه دون أسباب معلنة، لكن الظاهر أنها لتسهيل بيع المسكنات الأخرى الأعلى سعراً، وأوضح أن الشركتين حصلا على ترخيص إنتاج الباراسيتامول للتحكم فى إنتاجه.

وأشار إلى أن إدارة اليقظة الدوائية تشترك متواطئة فى وقف إنتاج أدوية «الباراسيتامول» لأنها لم تتحرك بمجرد السؤال عن سبب نقص تلك المسكنات، رغم أنها الآمن على الأطفال، كما أنها متورطة لأنها لم تنوه لمحاذير استخدام المسكنات الأخرى الخطيرة.

من ضمن ما استشهد به عضو مجلس نقابة الصيادلة، مسكن دولفين - تركيز 25م، و125م، حيث قال إنه يعتبر مضاد للروماتيزم ومسكن، وتأثيره ضعيفا كخافض للحرارة، وتم وقف استخدامه فى عدد من الدول، بينها الدول المرجعية التى تتبعها مصر فيما يخص تداول الأدوية، مؤكدا أن الإدارة المركزية لشئون الصيدلة لم تقم بوقفه ما يشير لشبهة محاباة وتبادل مصالح مع الشركات المنتجة، رغم خطورته على الأطفال.

وأكد الدكتور محمد نور، استشارى طب الأطفال، أن المسكنات الآمنة للأطفال هى التى تحتوى على «باراسيتامول»، موضحًا أن الأضرار التى تلاحق الأطفال من وراء تناول المسكنات الأخرى كثيرة، مثل مشاكل الكلى، وقد تصل لفشل كلوى، والقرح، والتهاب فى المعدة، وفقدان الشهية، والحساسية، والطفح الجلدى، وسيولة الدم»، وعندما يعانى الطفل من فيروس مثل البرد، ومتلازمة جونسون، أو أى فيروس آخر، ويقوم الطبيب بكتابة مسكن له فإن ذلك يتسبب فى مضاعفات خطيرة لحالته قد تؤدى لتوقف فورى لعضلة القلب، مشيرا إلى أن الكثير من الأطباء لا يختبرون حساسية الطفل للدواء قبل وصفه، وهذا يسبب تدهوراً فى حالته، وقد يودى بحياته.

وأضاف أن المسئولية تقع على الطبيب الذى يقوم بكتابة مسكنات قوية للطفل، ثم والديه عندما يكررون المسكن بشكل عشوائى، دون إدراك مدى الضرر الذى يقع على طفلهم منه، وقال إن عددا كبيرا من الأطباء يفضلون وصف مسكنات غير «الباراسيتامول» لأن تأثيره أسرع، سعياً وراء الشهرة وليس العلاج الآمن وإن طالت مدته.

وحصلت «الفجر» على النشرة العالمية الخاصة بتسجيل حجم مبيعات العبوات الدوائية من المكسنات الضارة، حيث تبين أن حجم مبيعات «دولفين» تصل إلى 150 مليون جنيه، بينما سجل الكتافلام 180 مليون جنيه سنويًا.