د. رشا سمير تكتب: الحياة الكريمة

مقالات الرأي



حياة كريمة..

هل هى اسم مبادرة أطلقها رئيس الجمهورية؟ أم هى حالة يجب أن يتمتع بها كل فرد فى المجتمع؟ أم هى شعار لمرحلة قد تمنحنا الأمل وتمنح الآخرين الحق فى حياة أفضل فقط لو تكاتفنا؟

إنها فى الحقيقة مبادرة أطلقها رئيس الجمهورية وتلقفتها وزارتا التضامن الاجتماعى ووزارة التخطيط لتجعلاها واقعا على الأرض.

الخطة تقول، تهتم الدولة بتلك المبادرة فى إطار العمل على تحويل رؤية مصر 2030 إلى واقع تنموى يجنى ثماره المواطن المصرى.

والواقع يقول، إن الحالة الاقتصادية للمواطن فى ترد كل يوم منذ تم تحرير سعر الصرف وهو ما كان أمرا حتميا.. لكن الواقع أيضا يقول إن هناك بعض الفئات فى مصر تموت فى اليوم ألف مرة وبعض الفئات لا تبالى بشىء طالما الساحل بخير!.

من بين كل الأشياء التى يتم التركيز عليها من قبل الدولة، لازلت أرى أن التركيز على البشر هو الأهم، وأن بناء الإنسان هو السُلم الوحيد الذى سوف يأخذنا لأعلى، فالدول التى اهتمت بالتعليم وبصحة المواطن وبتمكين المرأة ودفعها لتصبح عنصرا مؤثرا فى المجتمع، هى الدول التى بلا شك أحرزت إنجازا ملموسا..إذن هو الإنسان!.

التركيز على بناء الإنسان صحيا وتعليميا هو الإطار الأساسى لتلك المبادرة.

والمنتظر أن يتم هذا فى إطار التعاون المشترك بين مؤسسات وأجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى.

يبدو هذه المرة أن الاهتمام بالقرى الأكثر احتياجا هو العنوان الرئيسى للمبادرة..

سيتم هذا من خلال رفع كفاءة المنازل، إعداد كشوف طبية وعمليات جراحية وتوفير أجهزة تعويضية، تجهيز الفتيات للزواج، إنشاء الحضانات، مد وصلات مياه، عقد أفراح جماعية، إقامة مشروعات متناهية الصغر وتفعيل دور التعاونيات الإنتاجية فى القرى..كلام جميل..ولكن.

تذكرت وأنا أقرأ عن تلك المبادرة، شاب قابلته منذ أيام، فى منتصف العشرينات يبيع تين شوكى على إحدى العربات التى تنتشر فى الصيف، ودار بينى وبينه حوار، أخبرنى فيه أنهم سبعة أشقاء، يعمل أغلبهم فى تجارة التين أو الذرة، سألته إذا كان حاصلا على شهادة فأجاب بأنهم لا يهتمون بالتعليم بقدر اهتمامهم بخلق رجال، فقط يهتمون بالإنجاب لأن العيال عزوة، وسألنى باستهجان: أنت مسلمة ومن المؤكد طبعا أنك تعرفين أن منع الإنجاب حرام!.

تعجبت وعدت أسأله، أى عزوة تلك وأنتم جميعا تعيشون على هامش الحياة، فأخبرنى أن الله هو الرزاق، كما أن الله يرزق الأهل بالصبيان حتى يوفروا للفتيات الستر والبقاء بالبيت حتى الزواج، وأن معدل سن الزواج للفتيات متوسطه 16 عاما، سألته: إذن لاتدخل الفتيات عندكم الجامعة، رد دون تفكير: «البنت مكانها بيت جوزها والتعليم بالنسبة لها آخره حصولها الإعدادية وإلا ضاعت هيبة الرجال!».

تلك المحادثة هى حقا لُب الموضوع، وأصل كل الأشياء فى تلك الأماكن المظلمة، فهؤلاء لا يعرفون إلا العادات القبلية والموروثات البالية..

ومهما أنفقنا عليهم من أموال، ومهما حاولنا الارتقاء بقشرتهم الخارجية، فسيبقى داخلهم مشوشا، وغير قادر على مواكبة الخدمات التى تقدم لهم.

حوادث الإرهاب التى غزت العالم سببها هذا التغييب العقلى الذى يحدث عن طريق إما الجماعات المتطرفة أو المخدرات!.

الحياة الكريمة هى منظومة تبدأ بسد الأفواه وتنتهى إلى توفير تلك الحياة التى تفتح العقول وتمنح البشر سنارة ليصطادوا السمك بدلا من إعطائهم السمكة..

أنا هنا أناشد معالى وزيرة التخطيط د. هالة السعيد السيدة المحترمة المجتهدة المثقفة التى أعلم جيدا كم المجهود الذى تبذله، بأن تضع فى حسبانها فكرة توفير حياة كريمة للعقول أيضا من خلال تثقيف الأطفال والشباب وليس فقط تعليمهم، فالثقافة أهم فى نظرى من الشهادة، ودعم المرأة فى تلك الأماكن البعيدة ماديا ومعنويا والارتقاء بفكرها مهم جدا، كما أن تعليم النساء الحرف والأشغال اليدوية وتمكينهن من حقوقهن مثل حق الميراث والعمل حتى لا يبقين فى قبضة زوج أو أب جائر مجبرات تحت بند الحاجة والاستقلال المادى.. الأطفال فى تلك الأماكن يحتاجون إلى وعى حقيقى هو مهمة المثقفين والأدباء والفنانين..وخلق أجيال قوية يبدأ بالنساء.

حياة كريمة مبادرة ستقوم بها مؤسسات المجتمع المدنى ورجال الأعمال مع الدولة، واقتراحى أن يكون هناك شق تثقيفى وتعليمى أيضا لتلك المبادرة.

البيت الذى سوف نطور سقفه ونعالج مرضاه ونخلق له شبكة صرف صحى، سيظل سكانه جهلاء، مهمشين وفريسة لمستعمرى العقول.