بطرس دانيال يكتب: العناية الإلهية

مقالات الرأي



كان أحد الكهنة جالساً فى غرفته أمام النافذة منهمكاً فى إعداد عظته الأسبوعية وكان موضوعها «العناية الإلهية»، وفجأةً سمع صوت انفجار وعلى أثره كان الناس يهرولون شمالاً ويميناً، وعرف سبب ذلك وهو أن سور النهر تهدّم من فيضان النهر، وكادت المياه تُغرق الجميع عندما ملأت الشوارع وعندما اقتربت منه، وقف لحظة مع ذاته قائلاً: «كيف أهرب مثل الناس، وأنا أُعد عظة موضوعها العناية الإلهية؟» إذاً يجب ألا أتحرك من هنا حتى أُعطى مثالاً حيّاً عما أعظ به الآخرين، كما أننى أثق فى عناية الله التى ستنقذنى من الخطر». وعندما عَلَت المياه حتى أنها وصلت إلى النافذة، شاهد مركبا صغيرا به بعض الأشخاص ينادونه قائلين: «انزل بسرعة وتعال معنا»، ولكنه أجابهم: «لا يا إخوتى، اتركونى وشأنى، لأننى أثق فى العناية الإلهية التى ستنقذنى من الغرق». ثم صعد إلى الطابق العلوى ولكن المياه وصلت هناك أيضاً، ثم أتى مركب آخر به أشخاص ينادونه ليهرب معهم، ولكنه رفض أيضاً نصيحتهم مفضّلا المكوث فى مكانه، ثم صعد إلى الطابق الأخير حتى أن المياه لحقت به، فأتت إليه شرطة النجدة بمركبٍ خاص ولكنه صمم على الرفض قائلاً له: «أنا أثق فى الله لأنه لن يتركنى أبداً». ولكن للأسف غرق الكاهن ومات وعندما ذهب إلى السماء قام بمعاتبة الله قائلاً: «لماذا تركتنى أغرق وأموت بالرغم من ثقتى الكاملة فى معونتك؟» أجابه الله: «أتريد الحقيقة؟ أرسلتُ لك ثلاثة مراكب بالكمال والتمام». هذا ما يحدث معنا كل يوم فى المواقف التى تمر بنا، كم من المرات التى فيها أرسل الله مَنْ ينصحنا وينقذنا ويساعدنا ولم نسمع له؟ كما أننا أمام إرادة الله التى تواجهنا فى الظروف اليومية، نفضّل لو أنه لم يسمح بها، وأحياناً أخرى نتمنى أن يبدّلها بغيرها، حتى أننا فى بعض المرات نطلب منه أن يستشيرنا قبل أن يقرر شيئاً فى حياتنا. ويعود ذلك إلى قلة وضعف إيماننا بحُب الله الساهر دائما علينا، لذلك يجب علينا أن نثق بأن كل ما يحدث فى الحياة، إنما بأمر الله والسماح به، بحيث إنه لا يسمح بأن نُجرّب فوق طاقتنا، كما أن الله يجعل مع التجربة مخرجاً نستطيع اكتشافه إذا تفحّصنا الأمور بحكمة وتركنا أنفسنا بين يديه. إذاً.... لِمَ الخوف؟ فالله أبٌ حنون، لا يريد إلا الخير لأبنائه، كما أنه يساعدنا على تدبير أمورنا اليومية أفضل منّا إذا ما التجأنا إليه بثقةٍ بَنَوية، والله ليس بحاجة لنصيحةٍ منّا، ولكن كل ما يطلبه هو أن نؤمن به ونعطيه قلبنا ونتوكل عليه، وكما يقول القديس بطرس: «ألقُوا على الرب جَميعَ هَمِّكم فإنه يُعنى بكم» (ابط 7:5). مما لا شك فيه أن الله خلقنا لا لكى يهملنا، فإذا حدث شر أو أصابتنا مصيبة، فالله أب رحيم لا يهمل خلائقه، بشرط أن يقوموا بواجب السعى والعمل، ثم يلجأون إلى رحمته وحنانه، وإن فعلنا ذلك سنتخلص من القلق الذى يُعتبر عدو الإنسان الأول فى عصرنا هذا وهو سبب الأزمات النفسية والأمراض المزمنة. وعندما تخيفنا الحياة بمشاكلها وصعوباتها، يجب علينا النظر إلى أعلى.... إلى السماء.... إلى الله بكل ثقةٍ وتواضع، ومما لا شك فيه أنه سيفتح لنا ذراعيه ليسندنا حتى لا نسقط. يجب أن نضع فى الاعتبار أنه عندما لا نقبل الظروف التى نمر بها ونشكو من الله، هذا دليل على ضعف شخصيتنا، لأن الصعوبات والمشاكل التى نمر بها هى اختبار للشخصية وفرصة للنضوج والنمو، لذلك يجب علينا أن نثق فى عناية الله لنا ونتكل عليه فى كل لحظة حتى يصير المرّ حلواً، والصعب سهلاً، والمستحيل ممكناً. فالله أبٌ حنون يدبّر الكون الذى نعيش فيه بمنتهى الحكمة وهدفه الأول والأخير سعادتنا. لكن للأسف يتخيّل البعض منّا أن الله لا يسمعنا عندما ندعوه أو نشكو له؛ ولكن يجب أن نثق بأنه يعرف ما هو الأفضل لخيرنا، وما دام كلى القدرة، إذاً يستطيع أن يعوّض فى لحظةٍ ما نتخيل أننا فقدناه، لذلك يجب علينا أن نتركه يعمل وفق مشيئته لا مشيئتنا. نحن للأسف لم نعد نرى عطايا الله وبركاته وإحساناته الدائمة لأننا تعوّدنا عليها. ونختم بهذه الكلمات: «إذا كنّا نشكو لأن الله وضع شوكاً مؤلماً تحت الوردة، فلماذا لا نشكره لأنه وضع وردة جميلة فوق الشوك؟»