طارق الشناوي يكتب: زينة والله زينة!!

الفجر الفني

بوابة الفجر


(ما بنى على باطل فهو باطل)، قاعدة قانونية مستقرة فى العالم كله، إلا أن العملى أحيانا يفضح النظرى، ويدفعنا لنعيد التفكير مجددا فى تلك التى نطلق عليها بديهيات. مرت قبل أيام ذكرى يوسف شاهين، أفلامه الروائية التى تربو على أربعين، يتبارى النقاد فى التغزل بعدد منها مثل (باب الحديد) و(الأرض) و(العصفور) و(حدوتة مصرية) و(الاختيار) و(المصير) وغيرها، وأنا أيضًا أرى فيها فيضًا غير محدود من الجمال، ولكنى كلما شعرت بشىء من الكآبة أتعاطى (أنت حبيبى) مثنى وثلاث ورباع، مفتاح الفيلم يبدأ من خفة ظل ووهج الكاتب الكبير أبو السعود الأبيارى، ثم الأغانى التى كتب القسط الأكبر منها الشاعر المجهول جدا، والموهوب جدا جدا، محمود فهمى إبراهيم، الذى بدأ مشواره بمهنة شريفة ماسح أحذية أمام مسرح بديعة مصابنى، ومع كل تلميعة فرشاة أو مسحة ورنيش، يعرض كلماته على ملحنى فرقة بديعة، وتعاطف معه فريد، وصار أحد أهم شعراء الفرقة التى لعبت الدور الأكبر فى تقديم نجوم الغناء والاستعراض، مثل محمد فوزى وعبد المطلب وتحية كاريوكا وسامية جمال وعبد الغنى السيد وغيرهم.

أروع أغنية فى الفيلم برغم أنه يحمل الكثير من الروائع هى (زينة والله زينة)، فريد وشادية يغنيان وهند رستم ترقص قوة جذب ثلاثية، ولو أضفنا الكلمات خفيفة الظل واللحن الذى يجبرك على أن تصالح الدنيا، نصبح بصدد قوة جذب خماسية.

لم تكن (زينة) أساسا ضمن أحداث الفيلم، فريد باعتباره المنتج شاهد قبل العرض نسخة العمل، ووجد زمن الشريط لا يتجاوز 90 دقيقة، فقرر زيادة المساحة الزمنية وجاءت فكرة الأغنية، والتمهيد الدرامى لها، بتلك الأجواء الساحرة والوجوه السمراء للعريس والعروس، وأسفرت عن (زينة)، لو حذفتها، سيصبح السياق الدرامى أفضل، ولكن الأغنية المحشورة حشرًا وبلا منطق كانت هى سر النجاح.

يحقق الآن الجزء الثانى من (الفيل الأزرق) إيرادات غير مسبوقة، أظنها ستتجاوز الجزء الأول، الذى شاهدناه قبل خمس سنوات، لم يكن هناك جزء ثان أساسًا للفيلم، لمعت الفكرة فى ذهن الكاتب أحمد مراد وأمسك بها المخرج مروان حامد، وأنعشت بطل الفيلم كريم عبد العزيز، أضعف ما فى السيناريو، أنه يبدد طاقته فى البحث عن خطوط واهية مع الجزء الأول ليثبت أنه الثانى، المشترك فقط هو (الفيل الأزرق) أقصد حبوب الهلوسة، والتى منحت مروان مساحات لاستخدام الموثرات الصوتية والبصرية وأن يتحرك بحرية من زمن إلى آخر وبرشاقة من الواقع إلى الخيال وبنعومة من الحلم إلى الكابوس.

الجزء الثانى يعتبر مثل من بنى طابقاً جديداً بينما أساس العمارة لا يتحمل سوى الأول، ورغم ذلك، جاء الثانى الباطل أكثر جاذبية وإحكامًا من الشرعى الأول.

وكما بدأنا بأغنية رائعة ننهيها بواحدة أروع، والمشترك أيضا هو يوسف شاهين.

(من بعيد يا حبيبى بسلم) غناء ليلى مراد، تأليف بيرم التونسى، وتلحين محمود الشريف، فى فيلم (سيدة القطار) المفروض فى مونتاج الإذاعة بعد عرض الفيلم أن تقدم كاملة. المخرج يوسف شاهين فى السياق السينمائى وضع النصف الثانى من الأغنية فى نهاية الأحداث. الجزء الأول فقط هو الذى تسمعه فى الإذاعة، برغم الشكاوى المتكررة لملحن الأغنية محمود الشريف، فإن الإذاعة لم تصحح الخطأ، نجحت الأغنية نتيجة خطأ فى المونتاج.

نعم (ما بُنى على باطل فهو باطل)، ولكن أحيانًا يصبح سر الجمال الفنى أنه ابن شرعى للباطل.