طارق الشناوي يكتب: انتصار سينما مهزومة!!

الفجر الفني

بوابة الفجر


مصر تستحق ما هو أفضل، التاريخ يشهد لصالحنا لأننا الرواد، إلا أن ما هو مسطور فى كتاب الزمن، تُكذبه بين الحين والآخر الجغرافيا، تواجدنا على الخريطة السينمائية عربيا ودوليا، لا يتوازى مع العمق الذى حفرناه بعقل وقلب مبدعين كبار فى الذاكرة الجمعية، ولا نزال نقتات على البنية التحتية التى أهدوها لنا قبل أن يغادروا الدنيا.


جاء عرض (سينما مصر) لمسرح مركز الإبداع الفنى، وهو يحمل بداخله طاقة إيجابية تؤكد أن سوق الحلاوة لا تزال تفرش كل ليلة بضاعتها على رصيف الفن، وأن القادم بالضرورة أفضل.

أكثر من عصفور يصطادها بحجر واحد المخرج خالد جلال، الفكرة تحمل فى عمقها هدفا رئيسيا هو منح الفرصة لقرابة 70 موهبة تنتظر فرصة، من خلال تلك المنصة التى تحولت مع الزمن، إلى بوتقة استثنائية لانصهار المواهب، على مسرح لا يكف عن الدوران، كل من لديه شىء من وهج الموهبة، ولا يدرى بالضبط نقطة البدء، سيكتشف أن خالد يضعه على الطريق، تمكن المخرج الدؤوب خلال الـ10 سنوات الأخيرة، أن يُقدم العديد ممن صاروا الآن هم عنوان المرحلة فنيا، منذ مسرحية (قهوة سادة) وهو لديه تلك الذائقة القادرة على الفرز والانتقاء، فلا مجاملات فى الإبداع.

هل بناء المسرحية قائم على استعادة للسينما المصرية؟ أبدا، ولا حتى التقاط شذرات من هنا وهناك، الهدف هو اختيار المشهد الذى لا يزال يسكن ذاكرة الجمهور، وبهذا يضمن أنه على الخط مع الناس، بعد أن كسب نصف الجولة، ويبقى النصف الثانى، القائم على الرؤية التى يطرحها المشهد فى هذا الزمن، فلا يكفى أن الناس تتذكر، الأهم هو كيف يقرؤنه الآن. العديد من اللقطات السينمائية تغيرت ظلالها ودلالاتها، مثلا فى (رد قلبى) وتلك الجملة الشهيرة (إنت من الأحرار يا على) فى الماضى كانت تُشجى الجمهور بسحرها الوطنى. ومنذ مطلع الألفية الثالثة صارت إحدى مفردات الضحك فى زمن (الروشنة).

كان خالد حريصا على ألا يكتفى بقراءة مباشرة، ولكنه يضع أولا المتغيرات التى أضافتها السنوات.

بداية الخيط فيلم (الليلة الأخيرة) للمخرج كمال الشيخ، البطلة فاتن حمامة تبحث عن هويتها بعد أن عادت إليها الذاكرة، بينما أقرب الناس إليها حريصون على أن تظل تعيش خارج الزمن، أعيد المشهد عدة مرات قبل العرض والذى ينتهى بجملة (ابقى ودّنا وما تنسىناش).

هل هذا هو مفتاح العرض المسرحى؟ الإمساك مثلا بالحقيقة، ليس الأمر على هذا النحو، إنه فقط استعادة لأفلام (دعاء الكروان) و(إسماعيل يس فى الأسطول) و(سكر هانم) و(بين القصرين) و(الزوجة التانية) و(بداية ونهاية) وغيرها، حيث يمنح ممثليه الجدد فرصة ذهبية لكى يتقمصوا تلك الشخصيات، بعيدا عن التقليد. المشكلة أن أغلب النجوم أمثال نجيب الريحانى وصلاح منصور وسعاد حسنى وشكرى سرحان وفاتن حمامة وإسماعيل يس وهند رستم وعبدالفتاح القصرى ويحيى شاهين، منحوا تلك الشخصيات جزءا منهم، فصار من يعيد الشخصية يستعيد لا شعوريا الممثل الأول.

(سينما مصر) ينتقل من مشهد إلى آخر، يحاول أن يضبط الإيقاع النفسى من الكوميديا إلى التراجيديا. رأيت ممثلين واعدين، وآخرين يستحقون فرصة أخرى للحكم عليهم، ويبقى أهم ما أسفر عنه، (فيها حاجة حلوة)!!