د. رشا سمير تكتب: الشباب وأما بعد..

مقالات الرأي



مما لا شك فيه أن الشباب هم العنوان الأصدق للمرحلة القادمة، وهم الصف الثانى الذى نسعى جاهدين منذ أعوام ليصبح هو فى مقدمة الصفوف..

ومما لاشك فيه أن اهتمام فخامة الرئيس بتمكين الشباب والاستماع إلى أفكارهم ومشاكلهم وآرائهم من خلال مؤتمرات الشباب هى فكرة تؤكد على اهتمامه بالغد وبخلق صف ثان وثالث من شباب قادر على تحمل مسئولية البلاد..

مؤتمرات الشباب أصبحت فرصة رائعة لاشتراك أعداد كبيرة من الشباب من مختلف الأعمار والمستويات الاجتماعية والمحافظات فى صُنع الحدث.. وهى أيضا حالة مهمة تسمح بالتعارف والتواصل والتواجد تحت سقف واحد مع رئيس الجمهورية الذى يقوم بنفسه بالاستماع إلى تساؤلات الشباب والرد عليهم، موضحا، وموجها بصفة القائد والأب..وهو ما لم يكن يحدث من قبل، إذن فالفكرة شابة وجريئة وتؤكد على اهتمام رئيس الدولة بالبراعم الصغيرة.

لكن..وماذا عن الطرف الثانى؟ الشباب أنفسهم، الواقع يؤكد أن الشباب فى مصر فئتان..

فئة تسعى لتحقيق أحلامها بالعمل الفردى الجاد وطرح الأفكار المثمرة بالاعتماد على النفس فى تكوين سيرة ذاتية ثقيلة تؤهلهم لمناصب كبيرة يستحقونها..تلك الفئة صادفتها فى الجامعات، وفى المبادرات الخاصة بالشباب تلك التى يقومون بطرحها بأنفسهم ومواصلة العمل عليها لإنجاحها..

على سبيل المثال، هناك مجموعات من شباب الجامعات ينظمون رحلات لدول أوروبا وإفريقيا بذرتها هم الشباب وهم أيضا القائمون على كل تفاصيلها، رحلات للغوص فى قلب المجتمعات الفقيرة التى تحتاج إلى دعم معنوى وتثقيفى جاد، كما أنهم يتواصلون مع مخيمات اللاجئين ومؤسسات تمكين المرأة، ويعملون فى مجموعات صغيرة قادرة على التفاهم واستيعاب الاختلاف.. إنهم من خيرة شباب مصر الذين يدركون قيمة أن يصبحوا جزءا من العمل المجتمعى داخل وخارج البلاد..

فى إطار المبادرات الثقافية واتحادات الطلاب ودعم المشروعات الصغيرة، هناك أيضا شباب أثبتوا جدارتهم وطوروا من أنفسهم بل واستطاعوا أن يخلقوا صفا ثانيا من زملائهم بلا أى دعم أو مساعدة من الدولة..

أما الفئة الثانية، فهم الشباب الذين قرروا أن يعيشوا فى جلباب الأهل والمعارف ومن سبقوهم إلى الصعود..هؤلاء الذين قرروا مُحاكاة الوهم!

فئة كل حلمهم أن يصبحوا صورة كربونية ممن سبقوهم..فئة مازالت تبحث عن واسطة للتعيين وعن واسطة للظهور بل وعن واسطة لحضور المؤتمرات!..تلك وبكل أسف فئة مازالت موجودة حتى لو حاولنا إنكار وجودها..

أتذكر حينما دعا فخامة الرئيس إلى تأسيس الأكاديمية الوطنية لتأهيل الشباب، كانت الفكرة مبتكرة وجادة، كل ما كان يخشاه وقتها وبحسب كلامه أن تقع تلك الفكرة الرائدة فى فخ المحسوبية وغير القادرين على خلق فرص متساوية للشباب..وبكل أسف صدق حدسه!..

ففئة الشباب التى مازالت تبحث عن منصب ونظارة سوداء ونفخة كدابة تصوروا أن الأكاديمية أو المؤتمرات قد تسمح لهم بذلك..

أذكر أننى قابلت شابا عرفنى بنفسه على أنه مستشار لأحد الوزراء المشهود لهم بالاحترام والكفاءة، بدا الشاب متعاليا متغطرسا متحدثا وكأنه الوزير ذاته، حتى طريقة رده على الهاتف لم تخل من التدليس والوهم والنفخة الكدابة!..

قابلت أيضا بعض الشباب ممن اعترفوا لى بلا خجل أنهم التحقوا بالأكاديمية لمجرد أنهم سمعوا أن الدولة سوف تمكنهم بعد تخرجهم من مناصب مهمة ذات نفوذ وصلاحيات كبيرة قد تفتح لهم بابا للظهور والسبوبة!..

وقابلت أيضا من الشباب من كان غرضهم فى الالتحاق بالأكاديمية فقط هو الهروب من أشغالهم بسبب مدير جائر أو عمل مرهق، بالحصول على إجازة مدفوعة الأجر وراحة البال لفترة ثم العودة بشهادة تُمكنهم من الظهور وتضعهم فى مكانة أكبر دون مجهود!.

تلك وغيرها هى نماذج لشباب أعتقد أنه لا يصلح لمرحلة تحاول فيها الدولة بقيادة رئيس واع أن تخلق جيلا أفضل، حتى لا يأتى علينا الوقت مرة أخرى حين يخلو منصب ونبحث عن بديل ليشغله فلا نجد سوى غير الأكفاء والمتعطشين وأنصاف الموهوبين!..

أتمنى أن تتم إعادة النظر كل فترة فى اختيار المشاركين من الشباب، والدفع بالشباب الواعد المهتم بصناعة الغد، أتمنى أن تتم مراقبة نتائج المُبادرات التى يطرحها الرئيس ولا يجوز أن يتابعها هو بنفسه لحجم مسئولياته..وإذا لم تخرج النتائج بالمرجو منها فلا بأس من ضخ دماء جديدة وأفكار جديدة ووجوه جديدة..

المتابعة أهم من الفكرة..والانتقاء أهم من الكم..والغد أهم من اليوم..فأهلا بشباب اليوم من أجل غد أفضل..