وراء كل "ماسنجر حكاية".. جروبات الأقباط الملحدين

العدد الأسبوعي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


خوف الشباب من الاصطدام بالأسرة أو الكنيسة يدفعهم للبحث عن الإيمان على الإنترنت

فرض الإنترنت مساحة جديدة من الانفتاح على العالم، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعى، والفيسبوك بصفة خاصة، وفى السياق ظهرت موجات من التشدد الدينى قابلها موجات من الإلحاد عبر صفحات شخصية، أو جروبات يتابعها الملايين.

وكان الاعتقاد الراسخ أن الأقباط بعيدون عن تلك الموجات بسبب إحكام قبضة الكنيسة على الشباب تحديداً، فضلاً عن أن إحساس الفرد بأنه ضمن أقلية يجعله أكثر تمسكاً بثقافته وتراثه.

«الفجر» دخلت عالم الملحدين الأقباط، وكيف بدأت الفكرة لديهم، وما دوافعهم وطريقة تعامل الأسرة والكنيسة مع الأمر.

يروى ميلاد سليمان، أنه كان شخصًا عاديًا جداً «بصلى وبصوم وبقرأ فى الإنجيل»، أذهب مع أصدقائى للكنيسة وأسافر معهم فى رحلات للأديرة، وعلاقتى بأسرتى كانت ومازلت جيدة، حتى بعد إلحادى.

وأضاف: المسألة بالنسبة لى قرار شخصى، ولهذا لم أصطدم بأسرتى أو بالكنيسة إطلاقاً، والمشكلة الوحيدة التى واجهتنى ظهرت عندما قدم بعض الأشخاص شكوى لكنيستى معتبرين أن ما أكتبه على الفيس بوك يزعجهم.

وقال إن التغيير بدأ يطرأ على تفكيره فى المرحلة الثانوية، عندما بدأ يسأل نفسه عند جدوى الحياة وجدوى الإيمان، بعدها اختلفت نظرتى لكل شىء حولى تدريجياً، بدأت أبحث عن حقيقة الإيمان من خلال الإنترنت والكتب والمجلات والدراسات والأبحاث العلمية، ونادراً ما كنت أتناقش مع رجال الدين، لأننى كنت أعلم أن لديهم قناعات وعقيدة راسخة، وستنتهى المناقشة غالباً بالشجار، كما أننى لم أكن جاهزاً لأى مناقشة، كنت فى رحلة بحث ولم أصل لأى نتائج.

وأكد أن أهم دوافع البحث، كانت مواقف رجال الدين من قضايا المجتمع عموما، والمسيحيين خصوصاً، ودائما ما كنت أجد نفسى بحاجة للمزيد من القراءة وكانت تمر على أوقات أرى فيها أننى وصلت لما أريد، وأحياناً أشعر أننى لم أصل لأى شىء.

يعتبر سليمان أن من أخطر عيوب المتدينين، هو التدين نفسه، «بيحشروا الدين فى كل حاجة وكأنه مفتاح لكل الأبواب»، وهذا ما يجعل شخصًا يرتكب جرائم مثل السرقة والنصب والاختلاس والرشوة، عادة ما يلجأ لآيات تبرر له ما يفعل، أو هو يفسرها لمصلحته.

وعن العبارة التى يرددها رجال الدين بأن الملحدين هم أكثر الناس إيماناً بوجود الله، بدليل بحثهم عنه طيلة الوقت، قال سليمان: العبارة سطحية، لأن الإلحاد هو فى النهاية رفض مطلق لتلك العبارة.

وعن صداقاته يؤكد: قناعات الآخرين لا تعنينى، والتعامل بينى وبين كل الناس عادى جداً «مش بجرى ورا الناس فى الشارع وأقول أنا ملحد، أو حتى علمانى، ولا شايل شعار الإلحاد على صدرى»، لكن بعض الأصدقاء قطعوا علاقتهم بى عندما قرأوا كتاباتى وعرفوا بعض أفكارى، هذا أمر أزعجنى قليلاً لكن فى النهاية كل شخص حر فيما يعتقد، وأيضاً فى شكل علاقاته الاجتماعية، وصداقاته، ما يهمنى فى النهاية هو أن يكون التعامل الإنسانى هو الحاكم بينى وبين أى شخص، وهذا أمر ينطبق على زوجتى المستقبلية، فأنا لا يهمنى إطلاقاً إيمانها من عدمه، يعنينى أكثر الصراحة والوضوح، ولها مطلق الحرية فيما تعتقد.

وأشار إلى أنه التقى بالكثيرين الذين حاولوا هدايته للإيمان حسب رأيهم، وفى الغالب كنت أتجنب مناقشاتهم، وأنهى اللقاء بالدعوة للجميع بالهداية، لأن مثل هذه المناقشات لا تصل لأى شىء، أعتبرها تضييع وقت وإرهاقًا للعقل بلا طائل، لأن الإيمان وعدمه طريقان مختلفان تماماً، وأمر شخصى جداً، والسير فى أى أيهما تجربة ذاتية تماماً.

وعن أصعب المواقف التى قابلها، قال إنها كانت التفريق بينه وبين خطيبته، وقول الكاهن له بأنه يقودها للهلاك، وأيضا مواجهته تعنيفًا من مديره فى العمل بعدما قرأ ما يكتبه على صفحته فى الفيسبوك، وقام بذلك بأداء أبوى «بايخ».

وقال «م. ز» إنه نشأ فى بيت مسيحى بروتستانتى مؤمن، وعلاقته بالكنيسة قوية، وولداه كانا يعملان بالتدريس وخدامًا لهما صيت بالكنيسة، وأضاف أنه بدأ القراءة وعمره 12 سنة فى كتب الدفاع عن العقيدة ومقارنة الأديان، مثل كتب القمص تادرس يعقوب ملطى، وفى عمر الـ 16 تقريباً عند دخول أبى وأمى فى تجربة مرض خطير، ظهر فى داخلى السؤال عن كيف يمرض شخص تقى يخدم الله وغير خاطئ، ثم لماذا يموت أناس بطرق مؤلمة، والأهم حينما رأيت كهنة يتصرفون عكس ما يدعون، ويرددون آيات على خلاف حقيقتهم، ثم بدأت أبحث فى الأديان وقرأت فى الإنجيل والقرآن والتوراة، وأتساءل، وكانت فكرة التخلى عن وجود إله صعبة جداً، ثم دخلت فى مرحلة التطرف وأصبحت بلا وعى لا أقبل أى تعبيرات دينية من نوعية «إن شاء الله، ربنا كبير، الحمدلله، ربنا يوفق»، وعندها لاحظت أسرتى التغيير على شخصيتى، وبادرت والدتى بالحديث معى، ثم والدى، وكانا يشعران بمرارة كبيرة وصدمة من كلامى، لكنهما لم يتصادما معى، بل قدما كل الحب والرعاية مكتفين بالصلاة لأجلى، ولا أنسى عبارة والدى «إن كنت حكيماً لنفسك وإن كنت شقياً لنفسك».

وقال إن أصدقاءه بدأوا يلاحظون التغيير فى طريقة تفكيره خاصة حينما انتقد فكرة المجىء الثانى للمسيح أو القيامة والموت، وبعد مصادمات بعضها عنيفة لفظياً وصلت لاتفاق مع نفسى أن أحترم كل من على صفحتى، ولا أدخل فى أى نقاش حرصاً على أسرتى، وبالرغم من أن كنيستى لاحظت هى الأخرى التغيير لكنها تجاهلته على اعتبار أننى بعيد عن الكنيسة فقط، كما أننى لم أعد مهتم بإعلان أفكارى.

تقول «ن.ج» إنها بدأت التفكير والبحث فى عمر 29 سنة، عندما حدثها أحد أساتذتها وكان بعمر والدها عن عدم وجود إله، وأعلن أفكاره دون خوف دفعنى للقراءة والبحث، ثم بدأت فى التساؤل والتركيز مع سلوكيات المتدينين عموماً، ووجدت أن الكثيرين منهم فى الحقيقة يناقضون حقيقتهم، وهؤلاء هم الأكثر إعلاناً لإيمانهم بكل الطرق الممكنة. و«بعد وقت بدأت أفكر بصوت عال مع من حولى، وهذا سبب لى الكثير من المشاكل والصدامات وخسرت الكثير من أصدقائى، وقابلت من أسرتى بعض التعنيف، رغم ما وجدت لديهم من حب واهتمام أيضًا.