د. نصار عبدالله يكتب: مواقع الجباية بالإكراه!!

مقالات الرأي



هل فوجئت يوما وأنت تستخدم هاتفك المحمول، أو وأنت تستخدم حاسوبك الشخصى برسالة تقول لك: أنت الآن عضو فى موقع كذا، وأن هذا الموقع سوف يقدم لك خدمة معينة مقابل اشتراك شهرى قدره: كذا.. ولأنك فى كثير من الحالات لا تذكر متى طلبت هذه الخدمة، ولا كيف طلبتها (إن كنت قد طلبتها فعلا عن طريق الخطأ فى الضغط على الأزرار!).. إذا حدث لك أن فوجئت يوما بمثل هذه الرسالة فإن رد فعلك الطبيعى سوف يكون هو أن تبحث عن خيار إلغاء الاشتراك بين الخيارات التى سيعرضها عليك الموقع، لكنك فى كثير من الحالات سوف تواجه ما هو أغرب، وهو أنك لن تجد إطلاقا بين سائر الخيارات المطروحة خيارا واحدا متعلقا بكيفية إلغاء الاشتراك! أى أنك قد أصبحت بالفعل مشتركا بالإكراه!! وسوف يتم بالإكراه أيضا جباية قيمة الخدمة التى لم تطلبها والتى قد لا يعنيك أمرها فى قليل أو كثير، بعدها تبدأ الرسائل فى التدفق إلى هاتفك إلى أن تضيق بها المساحة المخصصة للرسائل فى هاتفك المحمول وعندئذ يتوقف الهاتف عن استقبال أية رسائل جديدة بما فى ذلك الرسائل الحيوية الخاصة بك والتى اقتنيت هاتفك المحمول أصلا من أجلها وليس لتتبع أخبار ممثلين أو لاعبى كرة قد لا يعنيك من أخبارهم شىء على الإطلاق بل ربما كنت واحدا من الذين لا يعرفون أسماءهم ولم يشاهدوهم أصلا.. لا فى الواقع ولا على شاشة التليفزيون!!.. ونعود الآن إلى تلك المواقع التى دأبت على جباية اشتراكات من مستخدمى الهواتف المحمولة مقابل تقديم خدمات من هذا النوع دون أن تتيح لهم بطريقة ظاهرة خيارا لإلغاء الاشتراكات فى تلك الخدمات التى لا يرغبون فى الاستمرار فى تلقيها.. أعود إلى تلك المواقع لكى أطالبها بأن تتخلى طواعية عن مثل هذا المسلك الذميم الذى لا أظن أنه يتسق تماما مع متطلبات الدقة والأمانة فى التعامل مع العملاء، فإذا لم تستجب تلك المواقع (ولدى أسماء بعضها مما سوف أتقدم به وقت اللزوم إلى النيابة العامة).. إذا لم تستجب تلك المواقع، فربما كان فى القانون الجنائى الحالى ما يكفى لمساءلتها وإدانتها بشكل ما وإن كان ما هو وارد فى القانون الجنائى غير كاف فيما أتصور لإرغامها على أن تمارس نشاطها بشكل سائغ ومقبول ومعقول، ولهذا السبب فإننا ننتهز هذه المناسبة لكى نتوجه بالنداء إلى مجلس النواب لكى يؤثم بشكل واضح ومحدد مثل هذا النوع من السلوك وأن يعتبره بشكل لا لبس فيه نوعا من أنواع السرقة بالإكراه حتى يمكن بالتالى توقيع العقوبة المقررة على تلك الجريمة (جريمة السرقة بالإكراه) على كل فرد أو جهة أو جماعة تقوم بخصم أو تحصيل أموال من أرصدة المشتركين فى شبكات المحمول مقابل تقديم خدمات معينة من أى نوع، دون أن يتخذ هذا الفرد أو تلك الجهة أو الجماعة القائمة بالتحصيل، أن يتخذ من الوسائل والإجراءات ما يضمن على سبيل اليقين علم هؤلاء المشتركين الذين سيتم التحصيل منهم طبيعة الخدمة المقدمة، وقبولهم إياها، وترحيبهم بها، مع إتاحة الفرصة لهم بشكل ظاهر وميسور أن يقوموا بالانسحاب منها وإلغائها فى أى وقت يشاءون.. والواقع أن ما تقوم به تلك المواقع فى حالة عدم إتاحتها فرصة إلغاء الخدمة للذين يلقيهم سوء الحظ بين براثنها لا يقتصر على كونه واقعة سرقة عن طريق التحايل والإكراه، ولكنه أيضا واقعة إتلاف مؤقت لقدرة الجهاز على استقبال مزيد من الرسائل إذا ما امتلأت ذاكرة الرسائل بما تبثه إليها تلك المواقع التى جعلت من نفسها ضيفا ثقيلا غير مرغوب فيه فى كثير من الأحيان وغير مستطاع أن تتخلص منه إلا بصدور مثل هذا التشريع الذى نطالب به والذى يجعل مما تقوم به تلك المواقع ممارسة واسعة النطاق لجريمة السرقة بالإكراه مضافا إليها كما أوضحنا منذ قليل جريمة الإتلاف المؤقت لقدرة جهاز الهاتف المحمول على استقبال مزيد من الرسائل عندما تبلغ سعة الذاكرة لديه حدها الأقصى، وهو حد محدود لدى غالبية المستخدمين لأجهزة المحمول فى مصر الذى ينتمون عادة إلى فئات ذات دخل متوسط أو محدود مما لا يتيح لها اقتناء أجهزة ذات سعة كبيرة، فمثل تلك الأجهزة التى لا يمكن أن تزحمها أعداد هائلة من الرسائل، مثل تلك الأجهزة باهظة الثمن بالنسبة للمواطن المصرى العادى، وهو ما يضاعف الجرم الذى ترتكبه تلك المواقع التى تمارس جريمة الجباية بالإكراه لما تعتبره ثمنا للرسائل التى ترسلها والتى تمارس أيضا إلى جانب ذلك جريمة الإتلاف المؤقت لذاكرة الرسائل، وإرغام صاحب الهاتف على إضاعة وقته فى إفراغ هاتفه من الرسائل التى أرسلتها حتى يتسنى له استقبال الرسائل المرغوب فيها.