حكومة الوفاق.. بوابة التدخل التركي القطري في ليبيا

عربي ودولي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية



منذ تدخل الناتو،تحولت ليبيا إلى ملاذ آمن للتنظيمات الارهابية والمليشيات المسلحة ذات الولاءات المختلفة والتي انتشرت في البلاد وحولتها الى ساحة حروب متجددة.

وهيأت النزاعات السياسية والتردي الأمني في ظل هشاشة الدولة على مدار سنوات مضت الطريق أمام هذه الميليشيات للسيطرة على مفاصل الدولة ونهب ثروات البلاد.

وفشلت المحاولات المتكررة لانهاء الأزمة،في ظل تواصل وجود المليشيات المسلحة المنتشرة خاصة في العاصمة التي ظلت أسيرة للصراعات الميليشياوية ما جعل سكانها يعانون من ظروف معيشية وأمنية متردية.

ودفع ذلك بالجيش الوطني الليبي لاطلاق عملية عسكرية بهدف تحرير طرابلس،لكن دول اقليمية سارعت للتدخل لحماية المليشيات الموالية لها في مشهد كشف حجم التدخل الخارجي في ليبيا.

ويمثل المحور التركي-القطري الأكثر حورا في الساحة الليبية،حيث ترتبط الدولتان بقوة بتيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الاخوان" التي تسيطر على حكومة الوفاق في العاصمة الليبية طرابلس.

وانخرطت الدولتان في الصراع الليبي منذ العام 2011 حيث كان لهما دور كبير في نشر الفوضى في البلاد.

فدولة قطر كانت من أولى الدول الحاضرة في المشهد الليبي،وبدأته خاصة عندما لعبت دوراً كبيراً في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي مهَّد لقرار من مجلس الأمن بفرض حظر جوي على ليبيا.ثم شاركت القوات القطرية في العمليات العسكرية التي قادها حلف شمال الأطلسي في ليبيا.

الدور القطري كان من خلال دعم الجماعات الإسلامية بالمال والسلاح. وقالت تقارير إعلامية إن  حجم التمويل الذي وصل من الدوحة إلى  الجماعات منذ 2011 بلغ حوالي 750 مليون يورو.

كما دعمت شخصيات عرف أغلبها بانتمائها للتيار الإسلامي كعلي الصلابي القيادي في جماعة الإخوان المسلمين وعبدالباسط غويلة وعبدالحكيم بالحاج كما وضعت يدها على دار الافتاء التي يترأسها المفتي المعزول الصادق الغرياني الذي عرف بفتاويه التحريضية ضد الجيش الوطني.

ولم يقف الدعم عند الجماعات الموجودة في طرابلس  بل سعت لوضع يدها على المنطقة الشرقية من خلال دعم كتائب متطرفة شاركت في إسقاط النظام وتحالفت في ما بعد مع تنظيم أنصار الشريعة في بنغازي ونفذت عدة عمليات إغتيال.

وخلال مؤتمر صحفي في بنغازي،الخميس 22 يونيو 2017،عرض المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي العقيد أحمد المسماري وثائق تكشف تواطئ عناصر إرهابية في عمليات اغتيال لضباط في الجيش.

وقال المتحدث باسم الجيش الليبي إن قطر هي المسؤولة الرئيسية عن عدم استقرار ليبيا وذلك من خلال دعمها للجماعات الإرهابية في بلاده عبر تقديمها المال والسلاح لهذه الجماعات.وعرض المسماري وثائق تشير إلى طلب قطر من القائم بأعمالها في طرابلس نايف عبدالله العمادي، إرسال متطوعين من دول المغرب العربي وشمال إفريقيا للقتال في سوريا.ولفت إلى أن ليبيا تعاني من إرهاب ممنهج من دول خارجية. وفي مؤتمر صحفي عرض المسماري وثائق تكشف تواطئ ليبيين مع جماعات إرهابية للسيطرة على البلاد.

وبدورها انخرطت تركيا في الصراع الليبي دعما للمتطرفين الموالين لها،وظهرت أولى دلائل الدعم التركي،للمسحين في ليبيا في يناير 2013، عندما أوردت صحيفة "حرية" التركية أن السلطات اليونانية عثرت على أسلحةً تركية على متن سفينةٍ متجهة إلى ليبيا بعد توقفها في اليونان بسبب سوء الأحوال الجوية.  وفي ديسمبر من ذات العام، ذكرت الصحافة المصرية أيضًا أن إدارة الجمارك المصرية اعترضت أربع حاوياتٍ من الأسلحة قادمة من تركيا ويُعتقد أنها كانت موجهة للمليشيات الليبية.

وتكرر طيلة السنوات الماضية ضبط سفن السلاح القادمة الى المسلحين في ليبيا من تركيا بالرغم من الحظر الدولي على ليبيا،وتكرر معها نفي نظام أردوغان علمه بها وما زاد في هزلية المشهد ادعاءاته بالتحقيق في هذه الحوادث وسط تواطئ من تيار الاسلام السياسي الذي يسيطر على العاصمة الليبية.

لكن هذا التحفظ التركي سرعان ما سقط ما اطلاق الجيش الوطني الليبي في الرابع من أبريل/نيسان الماضي عملية "طوفان الكرامة" لتحرير العاصمة.حيث سارعت أنقرة للتدخل بهدف حماية المليشيات الموالية لها،وتتالت عقب ذلك الدلائل على التواجد التركي في ليبيا واقترافها لجرائم كبيرة في حق الليبيين.

فالطائرات المسيرة التركية التي تجول في الأجواء الليبية بتواطئ من حكومة الوفاق،مارست جرائم كبرى في حق الليبيين وسفكت دماءهم على غرار استهداف احداها لعدد من السيارات المدنية بالقرب من محطة وقود السايح "شيل السايح" ،في الرابع من يوليو الجاري، مخلفة عددًا من القتلى والجرحى.

كما ارتكب الطيران التركي بدون طيار الذي تستعين به مليشيات طرابلس في ترهونة الليبية ما وصفه المجلس البلدي للمدينة بـ"جرائم حرب محرمة دوليا".وأدان المجلس مطلع يوليو الجاري، استهداف الطيران التركي لمنازل المدنيين، لافتا إلى سقوط عدد من الضحايا بينهم أطفال ونساء بسبب قصف الطائرات التركية المسيرة لمنازل المدنيين.

ومنذ إطلاق العملية العسكرية لتحرير العاصمة من الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية في الرابع من نيسان/أبريل الماضي، تمكنت دفاعات الجيش الليبي من إسقاط ما يقارب من 10 طائرات تركية مسيرة، كانت تستخدم في توفير غطاء جوي لتقدم قوات الوفاق، كما نجحت قوات الجيش في تدمير غرفة التحكم الرئيسية بالطائرات المسيرة في مطار معيتيقة الدولي.

كما أرسلت تركيا العديد من صفقات الأسلحة والمدرعات إلى ليبيا، أشهرها سفينة "أمازون" التركية، التي وصلت إلى ميناء طرابلس في 16 مايو/أيار الماضي، قادمة من ميناء سامسون التركي، وتحمل على متنها نحو 40 مدرعة تركية من نوع "كيربي" لصالح المليشيات التي تقاتل الجيش الوطني الليبي في العاصمة طرابلس.

تركيا التي حولت ليبيا الى ساحة لتجربة طائراتها ومدرعاتها،لم تتوانى في جلب الارهابيين من سوريا إلى الأراضي الليبية لتوسيع رقعة الفوضى والأعمال الإرهابية التي يحاول الجيش الوطني الليبي القضاء عليها.وكانت دول كبرى عدة ومنظمات دولية عبرت في وقت سابق عن قلقها من صدور تقارير إعلامية تشير إلى انضواء بعض الإرهابيين والمطلوبين للعدالة بصفوف القوات الموالية لحكومة الوفاق الليبية في معاركها ضد الجيش الوطني الليبي.

أما حكومة الوفاق التي فشلت في حشد الدعم المحلي ومثلت بوابة قطر وتركيا للتدخل في ليبيا،فلم يجد رئيسها فائز السراج بدّا من الاعتراف بتلقي قواته أسلحة من تركيا.ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية، عن السراج قوله: "نحن في وضع دفاع عن النفس، نتعاون مع الدول الصديقة، وفقاً لما نراه مناسباً لحماية أهلنا"، والدفاع عما سماه "الشرعية".في مشهد كشف مدى تواطئ حكومته في استجلاب التدخل الخارجي في بلاده.

اعتراف السراج ليس الأول من نوعه لمسؤول حكومي في طرابلس،ففي مايو/أيار الماضي،تفاخر رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، في تصريح لصحيفة الإندبندنت البريطانية، بأن "حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة حصلت على طائرات بدون طيار وعدلتها لمواجهة التأثير المدمر لطائرات السيد حفتر الحربية والمراقبة الجوية".دون أن يشير الى أن هذه الطائرات تسفك دماء الليبيين.

وفي يونيو الماضي، أعلنت حكومة الوفاق أن دولتي قطر وتركيا هما أكبر داعمين لمليشياتها في قتالها ضد قوات الجيش الوطني الليبي في العاصمة طرابلس.وقال وزير الداخلية المفوض في حكومة الوفاق فتحي باشاغا إن أقوى دولتين دعمت قوات الوفاق عسكرياً وسياسياً هما قطر وتركيا.وأشار باشاغا، وهو عضو مقاطع لمجلس النواب الليبي عن مدينة مصراتة، إلى أن "تركيا تعد بالمقام الأول الداعم السياسي الكامل والإنساني، وفتحت أبوابها لدعمنا"، واصفاً هذا الدعم  بـ"الممتاز جداً".

وتعتبر هذه الاعترافات دليلا واضحا يثبت تواطئ حكومة السراج في جلب التدخل الخارجي في البلاد.وذلك بعد أن قدمت هذه الحكومة منذ بداية "طوفان الكرامة" كل الدعم لصالح المليشيات وجماعة الإخوان، وأغدقت عليها الدعم المادي والعسكري، وهو ما اتضح في تخصيص السراج نحو 2 مليار دينار ليبي (1.4 مليار دولار أمريكي) لصالح المليشيات المسلحة.

ويتهم الجيش الليبي،تركيا، بقيادة المعارك في المنطقة الغربية لصالح الميليشيات المسلّحة المدعومة من حكومة الوفاق بتمويل قطري.وفي هذا السياق،قال الناطق باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، مساء الثلاثاء، إن الميليشيات الليبية قناع للتدخلات التركية القطرية في ليبيا.

وأوضح المسماري خلال لقاء خاص على "سكاي نيوز عربية" أن المكالمات الهاتفية التي رصدها الجيش بين عناصر في تنظيم "القاعدة" الإرهابي وقطر وتركيا،تثبت للعالم  تورط قطر وتركيا في زعزعة الاستقرار داخل البلاد.وأضاف: "المكالمات الهاتفية التي رصدها الجيش لليبي تثبت للعالم ما قلناه في السنوات الماضية أن أنصار الشريعة وكتائب أبو سليم وبقايا تنظيم القاعدة وتنظيم الإخوان الإرهابي ما هي إلا أقنعة لتدخل أجنبي في ليبيا تمثله قطر وتركيا ودول أخرى".

وذكر الناطق باسم الجيش الوطني الليبي "واضح جدا على ما يبدوا أن ضربات قوتنا المسلحة للقاعدة الجوية في مصراته وتدمير قاعدة الطائرات التركية المسيرة أزعجتهم كثيرا وأثرت فيهم تأثيرا سلببا".وأشار المسماري إلى "هناك محاولة لهذه الجماعات الإرهابية برد الاعتبار بالتخطيط لضربة مضادة بمعونة مباشرة من تميم  وأردوغان"، في إشارة إلى أمير قطر والرئيس التركي وفق تعبيره.وبحسب تحليل المكالمات، قال المسماري: "ستكون هناك منظومات دفاع جوي تركية أعتقد أوعن طريق الجيش التركي، سيتم استرادها بالأموال القطرية".

وتثير التدخلات التركية-القطرية موجة تنديد ورفض في الأوساط الليبية نظرا لما تمثله من خطر كبير يتهدد البلاد ويساهم في اطالة أمد الأزمة والفوضى.وفي هذا السياق قدم وفد من قبل مجلس النواب الليبي وثائق للإدارة الأميركية تثبت تمويل المجلس الرئاسي للميليشيات الإرهابية، وأشرطة فيديو على التدخل التركي في المنطقة.

وقال طلال الميهوب، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان الليبي،في مقابلة هاتفية مع وكالة الأنباء الألمانية  (د.ب.أ)،أنه في الفترة القادمة سيتم كشف الحقائق أمام الجميع وتحديدا الدول الغربية وسيعرف الجميع ما يحدث بالعاصمة الليبية، وهيمنة تيار الإسلام السياسي وتحديدا جماعة الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة على مقاليد الحكم، بل ومفاصل الدولة برمتها هناك، ومسؤولية هذا التيار عن حالة الفوضى في البلاد.

وأوضح "قدمنا خلال زيارتنا للولايات المتحدة في الأيام الماضية ولقاءاتنا مع عدد من أعضاء الكونغرس وحاليا في فرنسا مع مساعد وزير الخارجية الفرنسي لشؤون شمال أفريقيا والمغرب العربي والشرق الأوسط، كل المستندات والملفات التي توضح حقيقة الصراع في بلادنا وتفضح التدخل التركي والقطري السافر في شؤوننا بهدف دعم وتثبيت حكم هذا التيار الإسلامي في البلاد.

ومطلع يوليو الماضي،أعلن رئيس مجلس النواب الليبي،المستشار عقيلة صالح، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة حالة التعبئة والنفير العام في كامل التراب الليبي،وذلك رداً على التهديدات التركية بالعدوان على ليبيا.ووجه صالح خطابا للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وآخر لرئيس الاتحاد الإفريقي للدورة الحالية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن ما وصفه بـ"التدخل السافر" لتركيا وانتهاكها للسيادة الوطنية لليبيا، وانتهاكها لميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي.

ومن جهتها عبرت القبائل الليبية عن رفضها للتدخل التركي في ليبيا،حبث دان عمد ومشائخ واعيان برقه "ما يقوم به النظامان التركي والقطري من جلب للسلاح ودخولهم في المعارك التي يخوضها الجيش الوطني الليبي ضد المليشيات الارهابية المارقة".مطالبين بعثة الامم المتحدة وجامعة الدول العربية بسحب اعترافها بحكومة الوفاق، معتبرين أنها غير دستورية.

كما خرج المئات من سكان مدينة بنغازي،في مظاهرات حاشدة،منددين بالتدخل التركي والقطري في ليبيا، ودعمهما المتواصل بالأسلحة والذخائر للمليشيات والجماعات الإرهابية التي تسعى لاستمرار الفوضى وزعزعة استقرار البلاد.و طالب المتظاهرون تركيا بالتوقف عن تزويد حكومة الوفاق بالأسلحة التي تدعم استمرار سيطرة الميليشيات المسلحة على طرابلس.

وتعد العاصمة طرابلس هي آخر معقل لتنظيم "الإخوان" والمليشيات المتطرفة في ليبيا، مما يعني أن هزيمتهم تمثل نهاية هيمنتهم على القرار السياسي والمالي في البلاد.ويرى مراقبون أن محاولات المحور التركي-القطري لدعم المتطرفين الموالين لهم في طرابلس ستفشل كما فشلت في شرق وجنوب البلاد في ظل اصرار الجيش الليبي على تطهير كامل ليبيا اضافة الى الرفض الشعبي الكبير للمليشيات المسلحة التي ترتبط أجندات خارجية مشبوهة.