وزير الثقافة اللبناني في حوار خاص لـ"الفجر الفني": "تولي الوزارة حلم كل المثقفين.. والأوضاع السياسية تسبب أزمة ثقافية"

الفجر الفني

محمد داود داود وزير
محمد داود داود وزير الثقافة اللبناني


تفاجئت بقرار تعييني وزيرًا للثقافة .. ومازلنا نواجه تحديات داخل الوزارة 

*نبذل قصارى جهدنا للارتقاء بمعرض بيروت للكتاب نحو العالمية .. والقارئ جزء كبير من مشكلة دور النشر اللبناني 

*نسعى لتكرار تجربة العرض الأوبرالي باللغة العربية مرة أخرى.. وانتظروا "دار أوبرا لبنان" في مصر بعرض "عنتر وعبلة" 

*المساس بالمصلحة الوطنية والثقافية خط أحمر .. وخدمة وطني هدفي الشخصي

شهدت وزارة الثقافة اللبنانية انتعاشا في جميع قطاعتها خلال الآونة الاخيرة، واستطاعت في فتره قصيرة أن تعود إلى عهدها القديم كونها إحدى أقدم الثقافات في الوطن العربي، حيث يملك لبنان معرض بيروت للكتاب، وهو الأطول عمرًا بين المعارض حول دول الوطن العربي، فضًلا عن إنها أول دولة تقوم بعرض أوبرالي باللغة العربية.

وراء كل هذا الحراك الثقافي الذي شهده لبنان الدكتور محمد داود داود، صاحب الـ38 عامًا، والذي تفاجئ بتعيينه وزيرًا وهو خارج البلاد، حمل على عاتقه النهوض بالحالة الثقافية اللبنانية، واجه الكثير من التحديات، ويسعى خلال الوقت الراهن إلى أن تغزو الثقافة اللبنانية العالمية.

وعن الحالة الثقافية، وأهم الصعوبات التي واجهته في بداية توليه وزارة الثقافة، وخطته في التطوير ومعالحة تراجع دور النشر اللبناني، وكواليس التعاون اللبناني والمصري خلال الفترة المقبلة، كان لـ"الفجر الفني" حوارًا خاصًا مع وزير الثقافة اللبناني محمد داود داود، وإليكم نص الحوار،، 


في البداية نود أن نتعرف عليك؟
في بدايه حديثي أريد أن أتوجه من خلال منبر جريدة الفجر لكي أقدم التحيات إلى الإخوة في دولة مصر، مسؤولين ومواطنين، وعلى رأسهم الفنانة والدكتورة إيناس عبدالدايم وزير الثقافة، لقد جمعنا تاريخٌ مشتركٌ على مدى العصور.

محمد داود داود من مواليد 13 نيسان (أبريل) 1981، أبلغ من العمر 38 عامًا، أسست معهد أبو حيدر للعلوم العصبية (AHNI) وقضيت عامًا في إجراء البحوث العلمية الأساسية، وتوليت حقيبة وزارة الثقافة اللبنانية 31 يناير 2019.

هل كان منصب وزير الثقافة حلمًا يراودك؟ وما هي كواليس توليك حقيبة الوزارة؟
في الواقع عُرض علي منذ فترة العمل في الشأن العام، ولم أتردد في الترحيب بالفكرة، من دون معرفة المنصب أو المسؤولية التي سأتولاها، وكانت المفاجأة بالنسبة لي أنها كانت وزارة الثقافة والتي تعتبر حلم كل مثقف في لبنان، وكنت أدرك تمامًا حجم المسؤولية خصوصًا أنني كنت مقيمًا خارج البلاد.

وما التحديات التي واجهتها خلال توليك منصب وزير الثقافة؟
في الحقيقة التحديات كثيرة أمام الجميع، مسؤولين ومواطنين، لم تكن الأمور سهلة في بادئ الأمر، ولا يمكن ذكرهم في الوقت الرهن، ولكن العزيمة والإصرار كانا الدافعين إلى الدخول سريعًا في رحاب العمل الوزاري في وزارة الثقافة تحديدًا، فضلًا عن الحب والشغف أيضًا كانا عاملين أساسيين في انطلاق العمل بسرعة، بمساعدة الكثيرين ممن مدوا يد العون ولا زالوا.

"القاهرة تكتب، بيروت تطبع، بغداد تقرأ".. فهل الوضع الثقافي العربي على عهده القديم أم تغيرت خريطته؟
هذا ما قاله يومًا المفكر والأديب العربي الكبير طه حسين، وذلك يعود إلى أسباب، منها أن القاهرة أنجبت في آونة معينة عشرات الأعلام من المفكرين والأدباء والشعراء والفنانين والموسيقيين، في المقابل كان لدور النشر اللبنانية دورًا كبيرًا في طباعة هذا الإنتاج العربي، والعراق معروف عن مثقفيه وأدبائه حب القراءة والمطالعة.

وأعتقد أن كل الدول العربية باتت تقوم بالأمور الثلاثة معًا، الكتابة والطباعة والقراءة، مع فارق بين دولة ودولة، وذلك مرهون باستقرار البلد واقتصاده، بل باتت بعض البلد مصدرة للفكر، وهذا لا ينفي الحديث عن وجود أزمة ثقافية نتيجة تردي الأوضاع السياسية وانعكاسها على الاقتصاد، وبالتالي تأثر الثقافة بكل ما يحيط بها.

معرض بيروت للكتاب يعتبر أقدم المعارض العربية على الإطلاق، فلماذا لم يحقق أرقامًا على مستوى المعارض العالمية، كأقرانه مثل معرض القاهرة ومعرض أبوظبي والشارقة؟
لابد أن نذكّر بأن معرض "بيروت الدولي للكتاب" هو أول معرض للكتاب في العالم العربي، ينظمه ويشرف عليه النادي الثقافي العربي بالتعاون مع اتحاد الناشرين اللبنانيين، وكانت أول نسخة منه عام 1956. وهذا العام 2019 سيكون المعرض من 28 تشرين الثاني حتى الثامن من كانون الأول، حيث تجري فعاليات كثيرة داخل المعرض من ندوات ومحاضرات وتواقيع كتب وأمسيات شعرية. 

في العام الماضي كانت هناك مشاركة لعدة دول من بينها أوكرانيا، كما وقع الكاتب الإيطالي أوردينه كتابه المترجم إلى العربية، وهناك مشاركة للمرة الأولى لمؤسسة صينية هي "دار الحكمة للصناعات الثقافية"، وهي سابقة تنعش قلوب محبي الأدب والحضارة الصينيين، إضافة إلى إطلاق تطبيق الهواتف الذكية الخاص بالمعرض، الجهة المنظمة والمشرفة تسعى لتقديم الأفضل عامًا بعد عام، ونحن من موقعنا سنبذل جهدنا للارتقاء بالمعرض نحو العالمية التي خطا المعرض خطوات ثابتة نحوها.

أما المعارض الأخرى التي ذكرت تسعى إلى ذلك، وتحاول تقديم الجديد للتطوير والتقدم.

حدثنا عن مشكلة دور النشر اللبنانية والتراجع الملاحظ في إصداراتها، على الرغم من أن دور النشر في بيروت هي الأقدم في الوطن العربي؟
إن مشكلة دور النشر تمثل جانبًا من تلك الأزمة الثقافية بـ"لبنانأولاً إن سوق إنتاج دور النشر اللبنانية تتمثل في البلاد العربية، وإن هذه الدور تتجّه باستمرار إلى إنتاج ما يلبي حاجة هذه السوق.

ثانيًا هناك انحسار في نشر الكتاب الإبداعي من شعر وقصة، وإن كان من إصدارات محدودة فهذا يعود إلى أن مؤلفي هذه الكتب هم الذين يمولونها.

ثالثًا يعزف الناشر عن الكتب غير الرائجة، وينصرف إلى نشر الكتب الرائجة مثل كتب التراث والكتب المترجمة في موضوعات معينة، أي الكتب المطلوبة في السوق، وقد اصبح اقتناؤها شبيهًا باقتناء التحف.

رابعًا قد يشكل القارئ جانبًا من المشكلة من خلال توجهه إلى عنوان الكتاب الموحي وحجمه وشكله، فالمهم عند البعض أن يوضع في خزانة الكتب الفخمة.

أطلقت دار الأوبرا اللبنانية في الآونة الأخيرة عرضًا أوبراليّاً باللغة العربية، وحقق نجاحًا باهرًا، فهل هناك خطة لإطلاق المزيد من الأوبرات العربية، أم أنها ستكتفي بتلك التجربة؟
نعم، كان ذلك نهار الجمعة 8 تموز 2016 على خشبة مسرح "كازينو لبنان"، وهي أوبرا باللغة العربية تحكي قصة "عنتر وعبلة" للكاتب أنطوان معلوف والمؤلف الموسيقي المايسترو مارون الراعي، قصة من بطون التاريخ العربي قدمتها بحلة فريدة امتزج فيها الشعر الفصيح بالحوار البليغ مع التأليف الأوركسترالي والأداء الأوبرالي، وبالتأكيد نسعى في الوقت الراهن لتكرار هذه التجربة التي لاقت نجاحًا باهرًا.

عقدت دار أوبرا لبنان ومصر شراكة منذ فترة، فما هي ملامح تلك الشراكة؟
دار أوبرا لبنان تسعى للتعاون مع محيطها العربي، ومصر لها حضور كبير في هذا المجال، نحن نسعى لتحقيق تعاون عربي على مستوى عالمي، ومؤخرًا كنت راعيًا لعمل لدار أوبرا لبنان في سلطنة عمان، وجرى البحث في إمكانية تعاون على مستوى عربي ينهض من تعاون بين لبنان ومصر والسلطنة، لإنتاج عرض أوبرالي مشترك، وقريبًا ستؤدي دار أوبرا لبنان عرض "عنتر وعبلة" في دار الأوبرا المصرية برعاية وزارة الثقافة اللبنانية.

عودة إلى حياتك الشخصية، دعنا نتحدث عن التحدي الشخصي والهدف الذي يضعه وزير الثقافة صوب عينيه، ولم يصل إليه إلى الآن؟
التحدي الشخصي والهدف الذي يعنيني كمواطن أولاً وكوزيرًا ثانيًا هو خدمة هذا الوطن الذي يستحق، لأنه أعطانا الانتماء والفخر على مستوى العالم، وأنا على استعداد للتعاون مع كل الجمعيات والأفراد التي تؤمن بهذا الوطن وتبذل الغالي والنفيس في سبيل إعلاء شأنه ورفعة مكانته.

نملك جميعًا خطوطًا حمراء في حياتنا، فما هي خطوطك الحمراء في حياتك الشخصية والمهنية؟
ليس هناك من خطوط الحمراء سوى المس بالمصلحة الوطنية والثقافة الوطنية التي أؤمن أنها السبيل إلى النهوض بهذا الوطن، وكل ما عدا ذلك قابل للنقاش لإزالة المعوقات التي تعترض العمل.

ما هي الأمور التي لو حدثت لقررت الانسحاب من منصبك كوزير للثقافة؟
نحن في الحكومة نعمل كفريق عمل، وشعارنا "إلى العمل"، فلا أعتقد أن أحدًا يرتضي غير ذلك، ولا أرى مبررًا للاعتكاف لأننا مؤمنون جميعًا بـ"لبنان"، وطنًا نهائيًّا لجميع أبنائه.

المناصب الرسمية تنتزع الكثير من حياة المرء، فما هي سلبيات منصبك كوزير للثقافة، وهل أثر ذلك على حياتك العائلية؟
مما لا شك فيه أن العمل في الشأن العام، وخصوصًا كوزير يفوت الفرصة على المشاركة في الكثير من الأمور العائلية نتيجة الارتباط بعملي كوزير، إلا أن المحيطين بي يقدرون هذا الغياب عن كثير من المناسبات، عملاً بمبدأ التضحية التي يستحقها الوطن.