باحثون صوماليون يهاجمون قطر ويفضحون دورها المشبوه في بلادهم

عربي ودولي

تفجيرات الصومال
تفجيرات الصومال


نشر موقع قطريليكس المتخصص تقريرا حول استمرار قطر في دورها المشبوه في الصومال حيث اعتبرت أنه مع كشف صحيفة "نيويورك تايمز" عن تسجيل صوتي يفضح دور قطر في تدبير الهجمات الإرهابية بالصومال، لم يظهر الصوماليون أي مفاجأة عن تورط عصابة الحمدين في نشر الإرهاب بدولتهم، بل أكدوا أن للدوحة علاقات متشعبة مع معظم الفصائل المسلحة في البلد الإفريقي.

 

وفي التفاصيل، واعتادت الدول والمنظمات في كل العالم توجيه نشاطها إلى مناطق أو مجالات بعينها لضمان التركيز، حتى وإن كان الهدف الانطلاق منها إلى نطاق أبعد، لكن تجربة قطر قد تكون مختلفة تماما حيث ترتبط مع الإسلام الأسود والذي يمثله حركة الشباب المجاهدين الصومالية المسلحة الدموية، الذي أغرق الصومال بالقتلى والجرحى تحت راية سوداء تحمل الغل والحقد والمخططات الخبيثة.

 

وعرفت الدوحة في العقدين الماضيين باستثمارها في الإسلام السياسي الآتي من مصر بشكل رئيس عبر استقطابها الدكتور يوسف القرضاوي، بما يمثله من ثقل لهذا التيار، إلا أنه بدأت في عبور البحر منذ وقت مبكر، عند تحالفها مع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، قبل اندلاع الربيع العربي من تونس، لتصل إلى تحالفات مشبوهة مع الجماعات المسلحة الأكثر دموية في القارة الإفريقية.

 

وبدأت قطر تنخرط فيما وصف بـ"تبني الإسلاميين ليصلوا إلى الحكم"، وحين انتبهت دول مثل السعودية والإمارات ومصر والبحرين إلى سلوك الإمارة الصغيرة، كان الوقت قد فات لكنها لم تستسلم، فدشنت هي الأخرى ما تقول الدوحة إنه ثورة مضادة، أثمرت إسقاط حكم الإخوان المسلمين في مصر، فجن جنونها هي وتركيا التي استقطبت معها كل فلول التنظيم.

 

وإذا كان باقي القصة معروف، فإن الجديد في المعادلة بعد إسقاط أهم حكم للإسلاميين في إفريقيا في السودان، هو محاولة القطريين فيما يبدو لتنشيط دورهم في مناطق القرن الإفريقي الحيوية، في دول مثل السودان وأثيوبيا وموريتانيا والصحراء الكبرى والجزائر والصومال، ما أمكنها ذلك.

 

وفي هذين السياقين، أي منافسة الرياض والإمارات، والبحث عن مناطق لإنعاش الإسلام السياسي والنفخ فيه، يمكن فهم ما يوصف بـ"فضيحة تسجيلات المسؤول القطري مع حركة الشباب الصومالية"، إذ أكدت صحيفة نيويورك تايمز امتلاكها وثائق تكشف عن علاقة الدوحة بالنسخة الإفريقية الأولى من "القاعدة".

 

ولم تنف قطر بشكل قاطع تهم الصحيفة، وإنما اكتفت بالقول "طلب مكتب الاتصال الحكومي الحصول على نسخة من التسجيلات التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية لدعم التحقيق الذي تجريه الدولة حول المزاعم التي نشرتها الصحيفة، ولكن لم يتم قبول هذا الطلب نظراً للسياسات التحريرية الخاصة للصحيفة، وعليه فإن المكتب يحترم سياسات الصحيفة ولن يتخذ المزيد من الإجراءات في هذا الصدد".

 

لكن الصوماليين في تعليقهم على الحادثة يبدو أنهم ليسوا بمتفاجئين، فيقول المحلل السياسي الصومالي علي عبدو "دولة قطر لها وجود حقيقي ومكثف ومتعدد الاوجه في الساحة الصومالية، بالتالي ليس مستغرباً أن يكون بينها وبين أي فصيل في الساحة الصومالية علاقة تواصل".

 

بينما كان عمر جاما من واشنطن أكثر صراحة، عند تأكيده أن مواطنيه "ليس لديهم أي سبب يبرر الشك في أن قطر كانت العمود الفقري والمصدر الرئيس لدعم حركة الشباب المجاهدين، وهذا أمر معروف بالنسبة إلى الصوماليين منذ تشكيل الجماعة في أيامها الأولى، بما مكنها من تنفيذ عمليات إرهابية كبيرة".

 

باحث آخر في أحد مراكز الدراسات داخل الصومال، فضل عدم ذكر اسمه، اعتبر أن العلاقة بين قطر والعمل المسلح في الصومال لم تنشأ فقط الآن، وإنما بدأت منذ أيام تشكيل المحاكم الإسلامية في البلاد، وأن "تغلغل المنشقين عن الحركة في أجهزة الدولة الصومالية، كان بين العوامل التي سهلت على الدوحة اختراق العديد من المواقف المهمة".

 

وأضاف: "علاقة قطر بالحركات والتنظيمات المتطرفة لا تقتصر على الصومال وإنما تشمل العالم العربي والإسلامي والصومال جزء من هذا العالم . في إدارة الرئيس الانتقالي الراحل عبد الله يوسف أحمد لم يكن سرا أن قطر دعمت اتحاد المحاكم الاسلامية ووفرت له الغطاء السياسي والإعلامي عن طريق قناة الجزيرة القطرية مما ادى الى طردها من الصومال. ومن المعروف دور فهد ياسين الذي كان مراسلا للجزيرة ايام المحاكم الاسلامية ثم مشرفا لشؤون شرق افريقيا لمركز الجزيرة للدراسات -الذي لم يستقيل منه حتى الآن - في إدارة الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو وتقلده منصب مدير مكتب الرئيس ثم مدير جهاز الأمن والمخابرات بالإنابة".

 

ولفت إلى أن مزاعم نيويورك تايمز "خطرة وتستدعي فتح تحقيق شفاف من الحكومة الصومالية كونها، تمس الامن القومي للبلاد"؛ كما أن قطر نفسها لم تنف فحوى المكالمة بين السفير ورجل الاعمال وإنما أنكرت ان رجل الاعمال يمثل الموقف الرسمي وحاولت الناي بنفسها رغم وجود دلائل على قربه من أمير قطر".

 

لكن الباحث الصومالي، يقر بأن القطريين لهم مآرب أخرى سوى دعم فرع تنظيم القاعدة الصومالي "فقد أضحت الصومال ساحة تصفية حسابات بين قطر والدول الأربعة المقاطعة لها، واتخذ الصومال موقف الحياد في بداية الأزمة غير ان الواقع يسير الى انه يدور في المحور القطري".

 

وتشدد الحكومة القطرية على إدانتها الإرهاب من أي الأطراف أتى، خصوصاً في الصومال التي شهدت عمليات عدة ويعتقد أن حركة الشباب المجاهد تقف خلفها، وفي مثال لذلك أعربت وزارة الخارجية القطرية أخيراً عن إدانتها "واستنكارها الشديدين للتفجير الذي وقع بالقرب من المطار الدولي في العاصمة الصومالية مقديشو، وأدى إلى سقوط قتلى وجرحى".

 

وقالت إنها تجدد "موقف دولة قطر الثابت من رفض العنف والإرهاب مهما كانت الدوافع والأسباب". كما أعلنت الدوحة بعد ذلك إجلاءها عدداً من الجرحى في مقديشو لتلقي الرعاية الطبية في مستشفيات الإمارة المتقدمة.

 

وكان القرن الإفريقي شهد ميلاداً مبكراً لحركات التشدد الإسلامي، الآتية من رحم ما أطلق عليه الباحث محمد شقرون ظاهرة "الإسلام الأسود"، الذي يحتفظ بسمات مغايرة لنظيره العربي والغربي والإيراني والشرق آسيوي.

 

وبدأت الجانب الحديث من الظاهرة بثورة الإنقاذ في السودان 1989م، التي كان حسن الترابي أباها الروحي والسياسي في آن واحد، قبل أن ينقلب عليه جناحها العسكري الرئيس السوداني السابق عمر البشير، وهي الحركة التي وفرت حرية النشاط لعدد من أبناء التيار الإسلامي الذين أصبحوا فيما بعد مثار جدل أمثال أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، قبل أن ينهار حكم محمد فرح عيديد في الصومال 1993م وتأتي المحاكم الإسلامية لتهيمن على المشهد، ويخرج من رحمها أول فرع رسمي للقاعدة ينتمي إلى الاثنية الافريقية.

 

وفي مراسلات زعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن التي أفرج عنها الأمريكيون بعد مقتله في آبوت آباد الباكستانية 2011 كانت تساؤلات الحركة الصومالية بين الموضوعات التي عالجها مع فريق إدارته، حتى وإن جاء انضمامها الرسمي إلى "القاعدة" بعد ذلك في عهد الظواهري.

 

وجاءت النسخة التالية من الحركات الافريقية المتشددة من نيجيريا، حيث سادت عودة إلى تحكيم الشريعة الإسلامية وإقامة الحدود في الولايات الشمالية للبلاد، قبل أن ينشأ فصيل أكثر تشدداً، أطلق على نفسه "بوكو حرام"، وقاد سلسلة مواجهات دامية مع الجيش النيجيري، ومن هذا التنظيم استلهمت حركات محلية في دول غرب القارة الافريقية خطابها المتشدد، وهي التي كان حاجز العرق واللغة يحول دون ذوبانها في قاعدة المغرب الإسلامي التي تتلاقى معها في الأهداف والجغرافيا أكثر الأحيان.

 

لكن التحول الأبرز للإرهاب الإفريقي، كان الذي باركه زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي أبريل الماضي، عندما أقر انضمام فصائل مسلحة إلى تنظيمه الدموي في المثلث الواقع بين دول النيجر وبوركينافاسو ومالي، حيث تقوم قوات الأمم المتحدة وفرنسا بدوريات استطلاعية، وحراسة شمال مالي من هيمنة قاعدة المغرب الإسلامي بفصائلها المتعددة، وهي التي اتجهت الى اتخاذ الصحراء الكبرى مترامية الأطراف أفغانستان أخرى وملاذاً آمناً للاختفاء والتدريب وعقد صفقات الأسرى والتهريب، حسب المراقبين.

 

ومع أن القطريين بعيدون جغرافيا عن أفغانستان الصحراء، إلا أن الأنباء التي تتردد هنالك تشير إلى أن الدوحة حاضرة بشكل أو آخر، إن لم يكن أصالة فعبر وكلائها، أو هكذا على الأقل ما بررت به الدولة الموريتانية قطع علاقاتها بقطر، لدرجة أن رئيس موريتانيا السابق محمد ولد عبدالعزيز شبه دور الدوحة التخريبي بأفعال النازية، فيما أكدت خارجيته أن الدوحة "تمادت في سياسة دعم التنظيمات الإرهابية وترويج الأفكار المتطرفة"، وفق الوكالة الموريتانية للأنباء في يونيو 2017.

 

وقالت موريتانيا إن "دعم التنظيمات الإرهابية، وترويج الأفكار المتطرفة، والعمل على نشر الفوضى والقلاقل في العديد من البلدان العربية، نتجت عنه مآسي إنسانية كبيرة في تلك البلدان وفي أوروبا وعبر العالم؛ كما أدى إلى تفكيك مؤسسات دول شقيقة وتدمير بناها التحتية".

 

وأضافت الخارجية في بيانها أنه في "ظل إصرار دولة قطر على التمادي في هذه السياسات التي تنتهجها، قررت حكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع دولة قطر"، لتنضم بذلك إلى السعودية والإمارات ومصر واليمن والبحرين والمالديف وبرلمان شرق ليبيا، والأردن التي أعلنت تخفيض البعثة الدبلوماسية القطرية في عمان، آنذاك.

 

وتنفي الدوحة التهم التي وجهت إليها من العرب كافة، لكنها لا تخفي دفاعها عن الإسلام السياسي ورموزه، مسنودة بتركيا التي تشكل معها إلى جانب إيران تحالفاً يباهي بدعم الثورة ووصول الإسلاميين إلى السلطة في بلدان العالم الإسلامي.

 

وبالعودة إلى الصومال الذي قالت الصحيفة الأمريكية إن الصراع عليه محتدم بين الأطراف الخليجية، فإن تاريخ القطريين في توظيف حركات الإسلام السياسي من اليمين إلى اليساريين، تجعل من غير المستبعد أن تتوسع في استخدام حركة الشباب الصومالي في خدمة أهدافها السياسية والأيدولوجية.

 

وتوفر الانقسامات السياسية والأيدولوجية في الصومال، فرصة مواتية لكل الأطراف في تنفيذ أجندتها، فالبلاد ذات الموقع الاستراتيجي منقسمة إلى ثلاث كتل رئيسة، كل واحدة منها تعلن نفسها دولة مستقلة تحت سياسة الأمر الواقع، في وقت لا تزال الكتلة الثالثة مقديشو في مواجهة مستمرة مع متطرفي "الشباب المجاهدين" بمساندة المجتمع الدولي.

 

ويقول الباحث الصومالي محمد عمر، عن التربة الصومالية إنها "ذات أنماط كثيرة للتدين لا يمكن إغفالها فنقول هناك تدين سني وتدين بدعي، وتدين شامل وتدين قاصر، وتدين غال، وتدين علماني- إن صح التعبير – أي يناسب العلمانيين ونحو ذلك.ومن أنماطه التدين الشعائري الذي يركز على الشعائر الظاهرة، ويهمل خدمة المجتمع وإصلاحهم، وتعليمهم ونحو ذلك. ويقابله لون آخر من التدين لا يعير اهتماما كبيرا للتأله والذكر، والخشوع وأداء الشعائر بل يركض لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية مع نية التعبد والالتزام بشكل عام".

 

وليس معروفا حتى الآن ما إذا كانت الدوحة تنوي تحريك ملف الإسلام السياسي الافريقي على طريقة حليفتها إيران التي استثمرت في خلق تشيع افريقي في مناطق مثل السنغال ونيجيريا، أم أن مناكفة جيرانها الإماراتيين في الصومال غايتها الوحيدة هنالك.

 

وكانت الصحيفة الأمريكية ذكرت أن التسجيل الذي حصلت عليه لمكالمة بين رجل أعمال قطري وعناصر من حركة الشباب المحسوبة على القاعدة، يستهدف إفساد صفقة إماراتية مع الحكومة الصومالية، في مقابل عرض الدوحة مقابلاً أكثر سخاء، إذ كانت شركة موانئ دبي العالمية في عام 2017 ذكرت أنها وافقت على استثمار 336 مليون دولار بموجب عقد مدته 30 عامًا لتوسيع وتشغيل الميناء في بوساسو، وتعهدت الشركة بمبلغ 440 مليون دولار في العام السابق لتطوير ميناء في أرض الصومال.