حياتهم تعتصر ألمًا.. ألغام الحوثي تغتال أحلام البسطاء في اليمن

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


ليلة دامية عاشتها أسرة محمود -اسم مستعار- المكونة من ثلاث بنات وزوجته ووالدته المُسنة، فوجئوا بانفجار هز شارع التسعين الواقع بحي أبو حلفه بالقرب من مدينة الحديدة. الحوثيون فى ذلك الوقت حفروا خنادق بمسافات يُمكن من خلالها استيعاب سيارة مُفخخة ووضعوا عبوات ناسفة، كما وضعوا حاويات في الحفر. كان هناك مسار صغير للغاية هو المنفذ الوحيد للهروب، طريق صغير جداً في المنتصف يمكنك استخدامه للخروج والدخول لم يكن ملغومًا.
   
هُنا كانت رائحة الموت تفوح فى كل شبر بالمنطقة. النساء والأطفال خائفون، الرجال يبكون حسرة أمام أعين ذويهم، لم تجف أعينهم دقيقة واحدة، رب الأسرة يشعر بالضعف، أصبح غير ذي حيلة، المُنقذ الوحيد هُنا هو الله.. رفع محمود يداه إلى السماء داعياً وراجياً الخروج، ليس له ؛ وإنما لعائلته الصغيرة، ومن ثم الأطفال والنساء.

ذَهَبَ من ذَهَبَ، بعد أن اشتموا رائحة الموت حولهم، وتأكيد الحوثيين على قيامهم بتلغيم المنطقة كاملة. بَقِيَ محمود وأسرته؛ ينتظرون مغادرة عناصر المليشيا الإجرامية، للخروج من مخرج صغير فى نفق تم تلغيمه، ولكن عقله يُردد هل سأنجح فى الخروج أم سنموت جميعاً ؟ كان يبكي كالأطفال ويحتضن أُسرته، ربما كان متأكد أنه الوداع الأخير، لكن للقدر رأي آخر.

"المنطقة كلها مُلغمة ستموتون جميعاً إن لم تذهبوا معنا، لدينا فى المعسكرات المتاع والزاد؛ وكل ما تريدون، نحن الأقوي والباقون والأحق".. تلك الكلمات قالها أحد قيادات جماعة الحوثي مُهددًا بها محمود وأسرته وسكان الحديدة لكي يرضخوا لطلبات المليشيات الإرهابية.

ونجح محمود البالغ من العمر 40 عاماً، في الهروب هو وأسرته في منتصف 2018عندما اشتد القتال، وأصبحت الألغام الحوثية فى كل شبر من المدينة.. لم يوافق على التجنيد والانضمام لصفوف المليشيا وقتال أبناء شعبه المُستضعفين، حيث قرر ذلك خوفاً على أفراد أسرته.

إبراهيم -اسم مستعار- من حي الربصة قرب مطار الحديدة، له وقائع كثيرة، أشهرها، كونه ضمن مقاتلي الحوثيين، بعد أن جنّدوه بالقوة. وقال إنه كان على علم بالألغام التي زرعت بالقرب من شارع التسعين، ورأى ألغاماً مطابقة لوصف الألغام المضادة للمركبات الموضوعة بالقرب من الميناء والمطار: "رأيت ألغاماً من أنواع مختلفة. اللُغم بدا وكأنه طبق، كان لونه أخضر، بالقرب من المطار. بالقرب من الميناء، رأيت الطبق الأخضر أيضاً".

معتز، حالة ثالثة، طفل لم يتخطى العقد الأول من عمره، يجلس وحيداً داخل هيئة مستشفي الثورة العام بإب، وجهه أصبح مشوهاً، ربما لم تكن هذه الفاجعة الكبري بالنسبة له، بعد أن فقد أسرته كاملة فى انفجار بأحد قري مدينة المخا غرب اليمن، يترقب الطفل وصول أياً من أقاربه، أعمامه أخواله، لكن دون جدوى.

يُحاول الطفل جاهداً الاستعانة بأحد، لكن المستشفي فى حالة طوارئ، سيارات الإسعاف وكذا الملاكي والنقل تقل جرحي وقتلي، بعد انفجار لغم حوثي بالمنطقة. لم يتجاوز الطفل محنته – جراء ألغام الحوثيين- وظل يُعاني، ربما الألم الأكبر فقد عائلته كاملة.

وتشهد الأراضي اليمنية أكبر عملية زرع ألغام في العالم على أيدي مليشيا الحوثي الانقلابية، وفيما تمكنت فرق الجيش اليمني وبإسناد التحالف العربي من انتزاع أكثر من 300 ألف لغم، لا يزال أكثر من مليون لغم حوثي تحت الأرض يهدد حياة اليمنيين.

وكانت تقارير رسمية يمنية صدرت، أشارت إلى أن المليشيا المدعومة من إيران، قامت بزراعة ما يفوق 1.5 مليون لغم فردي ومضاد للدروع في مختلف مناطق اليمن خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وهو أمر وصفه مراقبون بـ"أكبر عملية تفخيخ للأرض منذ الحرب العالمية الثانية". 

وتتصدر محافطتي مأرب والجوف قائمة المدن الأكثر زراعة بالألغام، بسبب مساحاتها الشاسعة، بينما تؤكد تقارير موثقة أن الفرق الهندسية المتخصصة نجحت في نزع نحو 50 ألف لغم ومقذوف لم ينفجر في العاصمة المؤقتة عدن فقط منذ تحريرها في يوليو 2015 من قبضة المليشيات.

ويُعد اليمن واحداً من الدول الموقعة على اتفاقية "أوتاوا" التي تحرم زراعة واستيراد وصنع الألغام، وتم بناء على ذلك تدمير مخزون اليمن من الألغام بشكل كامل عام 2007، قبل أن تقوم المليشيات بإعادة إحيائها عبر استيرادها وبالأخص من إيران، عقب انقلابها على السلطة في سبتمبر 2014.