كسوة الكعبة منذ النشأة.. "بدأت بالجلود والقباطي المصري وانتهت بالأسود"

أخبار مصر

بوابة الفجر


تعتبر الكعبة المشرفة هي أقدس بقعة للمسلمين على وجه الأرض تهفو أفئدتهم إليها ويتمنون زيارتها والطواف حولها ولو مرة في العمر بيهيبتها وجلالها وجمال ثوبها الأسود وأحزمتها الذهبية، غير أن كثيراً من الناس ربما لا يعرفون أن كسوة الكعبة ذات اللون الأسود والأحزمة الذهبية المطرزة بآيات القرآن الكريم لم تستقر على هذا الوضع إلا منذ القرن السابع الهجري.

الكسوة أيام إبراهيم عليه السلام

قال الدكتور أشرف أبو اليزيد مدير عام متحف النسيج، إن كسوة الكعبة قبل القرن السابع الهجري كان يتغير لونها من عهد إلى آخر، ومنذ أن عاد إبراهيم عليه السلام ليرفع القواعد من البيت وابنه إسماعيل فقد كسا الكعبة المشرفة كما يذكر الطبري فى تاريخ الأمم والملوك.

وأضاف أن أسعد أبوكرب ملك حمير هو أول من ثبت تاريخيًا بأنه جعل للكعبة بابًا وكساها ثوبًا من الأديم (الجلد) البني الفاتح في القرن الرابع الميلادي تقريبًا.

الكسوة قبل البعثة

ويكمل أبو اليزيد قائلًا إن النوار بنت مالك أم زيد بن ثابت حكت عن شكل كسوة الكعبة قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت "رأيت على الكعبة مطارف خز أخضر، وأصفر، وكرار، وأكسية من أكسية الأعراب وشِقاق شَعَر"، وقال عمر بن الحكم السلمي: نذرت أمي بدنة والنبي يومئذ بمكة لم يهاجر، وجاء في حديثه: "فنظرتُ إلى البيت يومئذ وعليه كسوة شتوية من وصائل (ثياب حمراء مخططة) وأنطاع (جلود)، وكرار، وخز، ونمارق عراقية، كل هذا قد رأيته عليه".

الكسوة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

وأوضح أبو اليزيد أن سبب كسوتها بنسيج متعدد الأشكال أن الأغنياء كانوا يهدون للكعبة أكسية تغطي بعضًا منها، فيوضع عليها أكثر من كساء، وعندما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أبقى على كسوة قريش لها حتى جاءت إمرأة تطوف بالبيت وتبخّره فاحترقت كسوة قريش فكساها رسول الله صلى  الله عليه وسلم الثياب اليمانية وهي ثياب مخططة بيضاء وحمراء.

الكسوة في عهد أبو بكر وعمر 

وألبس الخليفتان أبو بكر ومن بعده عمر رضي الله عنهما، الكعبة المشرفة ثياباً بيضاء تسمى القباطي، وهي أثواب بيضاء رقيقة تصنع في مصر.

الكسوة في الخلافة العباسية

وأكمل، عبد الله بن الزبير كساها في سنة 64هـ/683 م بالديباج الأحمر، وفي أيام الخلافة العباسية كُسيت باللون الأبيض، قال الفاكهي (ت 272هـ/885 م): "رأيت كسوة لهارون الرشيد من قباطي مصر (أبيض رقيق) مكتوب عليها (بسم الله بركة من الله للخليفة الرشيد عبدالله هارون أمير المؤمنين -أكرمه الله - مما أمر به الفضل بن الربيع أن يعمل في طراز تونة سنة تسعين ومائة"، وفي سنة 200هـ/815 م قدم مكة حسين بن حسن الأفطسي الطالبي وملكها، وكسا الكعبة ثوبين رقيقين من حرير أحدهما أصفر، والآخر أبيض، ثم في عهد المأمون سنة 206هـ/822م صار يكسوها ثلاث مرات في السنة، فيكسوها الديباج الأحمر يوم التروية، والقباطي (أبيض رقيق) يوم هلال رجب، والديباج الأبيض يوم سبع وعشرين من رمضان.

الكسوة الفاطمية

وقال أبو اليزيد إنه لما تملك الفاطميون مكة ثبَّتوا الكسوة البيضاء إلا أنه في سنة 456هـ/1064 م بعث ملك شاه سلطان السلاجقة كسوة لها وهي ديباج أصفر، ثم استمرت كسوة الفاطميين البيضاء مدة حكمهم للحجاز، وفي خلافة الفاطميين حج الداعي الإسماعيلي ناصر خسرو سنة442هـ/1051م ووصف كسوة الكعبة في كتابه (سفر نامة) بقوله: "وَالكسوة التي تغطى بها الكعبة بيضاء، وقد طرزت في موضِعين عرض كل منهما ذراع، وبينهما عشر أذرع تقريبا، ومن فوقهما وتحتهما عشر أذرع أيضا بحيث ينقسم ارتفاع الكعبة إِلى ثلاثة أقسام كل منها عشر أذرع بواسطة طراري الكسوة ".

وبعد سقوط الدولة الفاطمية كساها الخلفاء العباسيون الديباج الأبيض، وغيَّر الخليفة الناصر قبل سنة 614هـ / 1218 م لون الكسوة إلى اللون الأخضر، حيث كساها أول حكمه بالديباج الأخضر، وقد شاهدها باللون الأخضر ابن جبير في رحلته سنة 614هـ/ 1218 م حيث قال في وصفها: "وكسوة الكعبة المقدسة من الحرير الأخضر.

كسوة الكعبة تستقر على الأسود

ثم غيَّر الخليفة الناصر العباسى (ت622هـ/ 1225 م) كسوتها إلى الديباج الأسود وهو شعار العباسيين، وقد ثبت لونها الأسود منذ ذلك الحين إلى اليوم، وقد شاهدها الرحالة الذين زاروا مكة في القرون التي تلت القرن السابع بهذا اللون كالرحالة ابن بطوطة سنة 728 هـ، ،والمرة الوحيدة التي تغير لونها  منذ ذلك الحين كانت في عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز من أئمة الدولة السعودية الأولى فقد كساها سنة 1221هـ/ 1807 م الخز الأحمر (قماش من صوف ناعم وحرير )، ثم عاد إلى كسوتها باللون الأسود.