محمد رزق يكتب: فن القيادة.. كيف تكون قائدا فعالا؟

ركن القراء

محمد رزق
محمد رزق


القائد الجيد ليس بالذي يمتلك الكثير من المعرفة والخبرة وحسب، بل من لديه المهارات البشرية التي تتيح له استثمار تلك المعرفة والخبرة والتفاعل مع فريق العمل الذي يرأسه, ومع القول بأهمية هذه المهارات البشرية فإنه يبقى موجوداً لدى كل قائد خط دقيق يفصل بين كونه متفهماً متعاطفاً ودوداً وبين كونه ضعيفاً عاجزاً, ومن المسائل الأكثر أهمية – خصوصاً لدى المديرين الجدد – الخطأ أو التساهل في رسم وصيانة الفروق بين علاقات العمل الشخصية وبين العلاقات الشخصية الخالصة. ظاهرياً، تبدو هاتان العلاقتان شيئاً واحداً، لكن هناك فروق مهمة, يجب الحرص على تواجدها لضمان سير العمل بشكل سليم لا يخضع للعلاقات الشخصية ومعايير الحب والكره لكن يجب عليه أن يخضع لمعايير الموضوعية والمهنية.

إن الإداري والقيادي الناجح والبارز يحتاج إلى مثل هذه الخبرات التراكمية الكبيرة، بالإضافة إلى وجوب ابتعاده عن القرارات الفردية والارتجالية وألا يعتمد عليها وألا يجعلها منهاجا ومرتكزا شخصيا له، وعليه أن يعتمد في صياغة القرارات الاستراتيجية والهامة والمصيرية على مجموعة من الاستشاريين المتمرسين لكي تكون قرارات جماعية وليست فردية، إن نظام المؤسسات الناجحة يمنع تركيز السلطة في شخص واحد، لكن هذا لا يعني تسلل الضعف في اتخاذ القرارات إلى نفوس الأشخاص القياديين. فإذا ما تطلب ظرف ما معين أن يُتَّخذ قرار صائب وسريع ينبغي ألا تكون اللامركزية عائقا لمثل هذا الإجراء القيادي الهام والحاسم، ولابد أن تظهر هنا الملكات القيادية للإداري الأعلى حتى لو كان تحركه وقراراته محكومة بسقف وصلاحيات محددة، فهناك دائما هامش لموهبة القيادة والحنكة والخبرة القيادية، تتيح للإداري الأعلى أن يتخذ القرار المطلوب من دون التجاوز على النظام والقانون، إن اللامركزية نظام صائب تحد من تفرّد الإداري الأعلى وتحد من تجاوزاته لكي لا يقع في الخطأ، إلا إذا كانت مصالح المنشأة مهددة بصورة مباشرة، هنا تتطلب المعالجة تركيزا لسلطة الإداري الأعلى بدلا من تشتيتها.

القائد الفعال يدرك أن قدراته وإمكانياته في تحقيق الهدف يعتمد على قدرته في التعاون والتشارك مع المحيطيين به، فالقيادة هي عملية تفاعلية من قبل الشخص الذي يمارس “التأثير في الآخرين” والأتباع، لهذا السبب، لذا على من يسعى للقيادة أن يعمل على تعزيز وتنمية أفضل المواهب، وبناء علاقات الثقة الدائمة مع الاخر في محيط العمل، وتعزيز مبدأ وثقافة الالتزام حتى وإن غاب التسلسل الهرمي والسلطة، وهذا النمط من التفكير القيادي يعتمد على جذب وإلهام وإدارة المواهب، والقدرة على تطوير قادة آخرين قادرين على المتابعة واتمام المهمة بثقة عالية ورغبة وشغف لإتمامها بإتقان في ظل أهداف طموحه وارادة واعيه للإنجاز المتميز والمفيد. وحتى يتمكن القائد من إنجاح هذه العملية والعمل ضمن هذا النمط كان لا بدّ أن يكون الدور الأساسي والاعتماد على مبدأ اللامركزية في القيادة، من حيث النظر إلى الآخر، احتياجاته، عمله، وتفهم واقعه المعاش. ولكن كيف يستطيع القائد الفعال إتباع هذا النمط؟ يتطلب هذا النمط  الوقوف أمام الذات من خلال:

- التفكير بأنفسنا: نقاط القوة والتحديات التي نواجهها.
- التفكير بالآخر: نقاط القوة والتحديات التي يواجهها.
- التفكير بالعمل: النجاحات والإخفاقات، الإيجابيات والسلبيات.
- التفكير بالمحيط: المتغيرات المعاصرة.

وهذه العملية يجب أن تكون مستمرة بتجدد، فإتباع هذا النمط من التفكير القيادي لا يكون عند القيام بعمل ما أو حدوث حدث ما، وإنما بانتهاج مبدأ الاستمرارية، فمن أهم الصفات التي يتمتع بها القائد، لجعل الرؤية تحدث، هي الصبر والمثابرة. فالقائد المبدع هو الذي يفكر بوضوح بالناس المحيطين به، ليس فقط في قدراتهم الحالية وقوتهم وصراعاتهم، وإنما بالمقدرة على دعمهم ومساندتهم ليصبحوا قادة فعالين، هو القادر على تأهيلهم وتحفيزهم وتطويرهم والتأثير فيهم، إنه يخلق رؤية للآخرين ويساعدهم في تحقيق ذلك، هو الذي يضع نصب عينيه “التفكير بالآخر” ومساندته والنهوض به.

أما ما نحتاجه اليوم لإحداث هذا التأثير، أصبح من المهم أن لا يقتصر دور القائد على تحفيز الآخرين ووضعهم على المسار ولكن السير معهم والاخذ بيدهم وارشادهم والهامهم وتزويدهم بالمعرفة المتجددة وحثهم على استخدام سلوكيات ومهارات ابداعيه ضمن منظمة قيمية، فالقائد هو راعي المجموعة يسهر عليهم ويسير بهم إلى النجاح الحقيقي، هو من يصغي إليهم، ويتفهم احتياجاتهم وطموحهم. فالقيادة الفعالة لا ترتكز فقط على تحقيق الأهداف، بل تسعى إلى كسب المحبة والثقة والاحترام. ولا تقوم على العلاقات الشخصية ومعايير الكره والحب التي أدت في كثير من الأحيان إلى ضياع الكفاءات والاعتماد على أهل الثقة وليس أهل الخبرة, وهو الأمر الذي لن يساعد على النجاح والتقدم للمؤسسة بشكل عام أو للأفراد بشكل خاص.