طارق الشناوي يكتب: السينما العربية تنتظر طوق النجاة من الدولة ورجال الأعمال!!

الفجر الفني

بوابة الفجر


ما الذى ننتظره من السفير، أى سفير لمصر فى أى دولة، ليس أكثر من عين يقظة بما يجرى على كل المستويات الرسمية وغير الرسمية، ومن ثم التحرك وفقا لذلك، وهكذا دائما ما نجد السياسة تلعب دورها فى دعم الثقافة، انتظرت أن يقيم السفير المصرى فى تونس دعوة للوفد المصرى والذى يربو عدده على 25 ما بين صحفى وناقد ومذيع وكاتب ونجم ومخرج، حيث أقام مهرجان (المنارات) احتفالية خاصة بالسينما المصرية، بالمناسبة معلن عنها قبل نحو شهرين، أى أن الأمر ليس مفاجأة لأحد.

تعودت أثناء تواجدى خارج الحدود على مدى يربو على 30 عاما، فى مهرجانات مماثلة، أن السفارة المصرية دائما حاضرة، مثلما حدث فى العام الماضى عندما أقام محمد القبلاوى، رئيس مهرجان (مالمو) بالسويد، تكريما خاصا للسينما المصرية وجدنا السفير المصرى يتواجد معنا داخل نفس الفندق الذى أقيم فيه المهرجان، أى أنه انتقل من العاصمة ستوكهولم إلى الجنوب، ليكون متابعا، وأقام أيضا تكريما للوفد، فى شهر فبراير الماضى حرص السفير المصرى فى برلين على استضافة الوفد المصرى، فى المهرجان، ولم يكن لمصر أى تواجد رسمى لا فيلم ولا تكريم، لكن فقط عدد من النقاد والصحفيين وفريق قناة نايل سينما، لتغطية الحدث، هذا هو الدور الذى تلعبه الدبلوماسية، والأمر ليست له علاقة قطعا بميزانية محدودة أو غيرها، لكن موقف لا فصال فيه ولا غنى عنه، ما الذى حدث فى السفارة المصرية بتونس؟

كل ما فعله سفيرنا الهمام أنه كلف فنانة تونسية بالتواصل مع المصريين وبالفعل اتصلت بى، واتفقنا على موعد وأبلغت الجميع، ثم عادت الفنانة التونسية وأخبرتنى بأن السفير مرتبط بموعد رسمى ويريد التأجيل ليوم الجمعة ظهرا وهو ما تم فعلا، لكنه فجأة توقف تماما- كما أخبرتنى الفنانة التونسية- حتى عن الرد على تليفونها، وتوليت أنا الاعتذار للزملاء.. الموقف فى الحقيقة يحتاج إلى نقطة نظام، فلا يمكن تصور أن الأمر يخضع لتقدير شخصى، لكن منطق عام يفرض نفسه على الجميع.

ما الذى من الممكن أن تصف به هذا الموقف سوى أن السفير المصرى فى تونس لا يتابع الشأن الثقافى فى البلد الذى يمثل فيه وطنه، ولا يدرك أهمية تكريم السينما المصرية ولا حتى تواجد هذا العدد الضخم من الفنانين والصحفيين والمسؤولين.

هل الدولة لا تولى اهتماما بالشأن الثقافى، من المؤكد أن رأس الحربة فى العديد من العلاقات بين الدول هو الفن بكل أنماطه، وعندما تُكرم السينما المصرية فى مهرجان له كل هذا الحضور مثل (المنارات) فلا يمكن أن يمر الأمر هكذا وكأن شيئا لم يكن.

■ توجه المهرجان لسينما البحر المتوسط فرض على المهرجان منح الشأن العربى قسطا وافرا من الاهتمام وجاءت الأرقام لتتحدث بقوة.

رصد المحلل والباحث السينمائى علاء كركوتى حال السينما العربية من خلال المؤشر الرقمى، وهو ما يضعنا أمام مرآة نرى عن طريقها حقيقة السينما العربية ويظل منفذ التوزيع، أقصد عدد الشاشات، هو المفتاح الذى نقرأ من خلاله حال السينما، مصر بها 450 شاشة، أو بالأحرى هذا هو المأمول فى 2020، والمفروض أن يزداد العدد على الأقل طبقا لعدد السكان لنضيف صفرا ليصبح 4500، دولة الإمارات العربية بها 500 شاشة وهى أكثر دولة عربية بها توجه لإنشاء الشاشات، ولو قارنت بعدد السكان تستطيع أن تدرك حجم المأساة التى نواجهها فى مصر، مع التأكيد أن المأساة عربية بالدرجة الأولى، تونس بها فقط 52 دار عرض، ومع الأسف عدد كبير منها فى حاجة ماسة للتحديث لتتواكب مع المستوى الذى حققته تونس من خلال الأشرطة السينمائية التى تنتجها وتشارك فى كُبرى المهرجانات وتحصد أيضا جوائز، كما أن تونس عربيا تحتل مكانة متقدمة فى عدد المهرجانات السينمائية التى تقام على أرضها، سلطنة عُمان 52، الأردن 50 البحرين 100 المغرب 65 الكويت 120، فى كل الأحوال العالم العربى لديه مشكلة ضخمة فى عدد دور العرض، والصناعة السينمائية لا شك فى خطر، لأن دار العرض هى التى تضمن استمرار تدفق دوران رأس المال، وبالتالى استقرار الصناعة، طبعا لدينا مشاكل عربية فى عروض الأفلام، ومصر مثلا لا تعرض أى أفلام عربية، حتى الفيلم اللبنانى (كفر ناحوم) لنادين لبكى وهو أكثر الأفلام العربية طوال التاريخ تحقيقا للإيرادات، عند عرضه فى مصر لم يُقبل عليه الجمهور بينما الجمهور الصينى قطع للفيلم تذكرة الدخول وحقق الملايين.

أكثر الأفلام تواجدا فى شباك التذاكر السنوات الأخيرة هو (كفر ناحوم)، قبل ذلك شاهدنا لنادين (كراميل) و(هلأ لوين) حققا أرقاما مليونية، بينما المخرج الفلسطينى هانى أبوأسعد يحتل المرتبة الثانية (الجنة الآن) 3 ملايين دولار (جبال بيننا) 30 مليون دولار، والمخرجة السعودية هيفاء المنصور بفيلمها (وجدة) 6 ملايين دولار، فيلم (البدلة) للمخرج محمد العدل (ماندو) حقق نحو 4 ملايين دولار، والإيرادات تتكئ إلى قوة تامر حسنى التسويقية.

وتبقى المهرجانات العربية حيث تولد مهرجانات وتموت أخرى، فى السنوات الأخيرة ألغيت مهرجانات (أبوظبى) و(دبى) و(الخليج) و(بيروت)، لكن ولدت أخرى، مثل (العين) الذى أقيمت دورته الأولى مايو الماضى، (جدة لسينما البحر الأحمر) والذى سيعقد 12 مارس 2020، كما تم الإعلان عن مهرجان (عمان) للعمل السينمائى الأول، وقبل عامين ولد (الجونة) الذى يستعد لدورته الثالثة نهاية سبتمبر و(المنارات) الذى انتهت فعاليات دورته الثانية مساء أمس.

السينما العربية تعيش فى خطر العولمة والوسائط الرقمية الجديدة، بينما نقرأ أن هناك من يطالب الدولة فى مصر بمزيد من التشدد الرقابى، لتملك حق المصادرة وبأثر رجعى، الفيلم الذى توافق عليه اليوم من حقها أن تسحبه غدا!!