طارق الشناوي يكتب: السينما وحديث الأرقام المفقود!!

الفجر الفني

بوابة الفجر


تأخر كثيرا بدء حفل الافتتاح عن موعده، نعم هى ظاهرة عربية بامتياز، وليست قاصرة فقط على (المنارات)، ولكن لماذا لا تبدأ تونس كما عودتنا دائما فى التغيير ومواجهة تلك السلبية التى صارت لصيقة بمهرجاناتنا العربية وكأنها عيوب خلقية- بكسر الخاء- علينا التعايش معها، فهى تُشبهنا فى العديد من مظاهر حياتنا.

على الشاطئ بدأت مراسم الافتتاح، لا وقت ولا مجال لملابس السهرة أو الأسموكن، الكاجوال يسيطر على المشهد، فى حضور لافت للسينما المصرية، التى يتم تكريمها، شاهدنا العلم المصرى فى الخلفية أثناء صعود نجومنا يسرى نصر الله وإلهام شاهين ونيللى كريم على المسرح، باعتبارهم من أهم عناوين السينما المصرية الراهنة.

الأفلام تذهب مجانا للجمهور، والرهان من الآن على عدد الرواد الذين يتفاعلون على الشواطئ مع الشريط السينمائى، ومن خلال خبرتى مع الجمهور التونسى أرى أن «كامل العدد»، تلك اليافطة التى كانت لصيقة بمهرجان (قرطاج) السينمائى، سوف تنتقل أيضا لـ(المنارات)، الجمهور فنان بطبعه، ما إن تستقل تاكسيا مثلا حتى تكتشف كم الثراء والحكايات التى لدى السائق، وهو يحكى عن أم كلثوم وعبد الوهاب وفيروز وكأنهم من أفراد عائلته.

الطابع العلمى والتوثيقى يلعب دورا هاما فى تحديد ملامح المهرجان هذه الدورة، وأرى أن الحلقة النقاشية التى سوف تتناول الفيلم العربى، وتعقد الثانية والنصف عصر اليوم، هى واحدة من أهم الندوات التى تؤثر على مسار ومصير الفيلم العربى، لأن الرقم، وهو المؤشر الرئيسى للعمل الفنى، يحدد الكثير من ملامح السينما، كما أنه يشير إلى طريق المستقبل، ثقافة التعامل مع الأرقام وظلالها هى واحدة من المفردات الغائبة عن صُناع السينما.

الحلقة النقاشية، والتى يديرها المحلل السينمائى علاء كركوتى، توثق عدد الأفلام المنتجة عربيا، ونصيب كل دولة، والإيرادات فى الداخل والخارج، ومقارنة ذلك بما تحققه الأفلام الأجنبية فى السينما المحلية وجنسية تلك الأفلام، ويتناول توزيع الفيلم العربى عالميا، وأيضا على الساحة العربية، وتلك أراها مأساة، لأننا جميعا لا نعرض الأفلام العربية، ربما الاستثناء هو الفيلم المصرى، الذى لم يعد حتى ينال الصدارة عربيا، حيث تفوق عليه خليجيا كل من الفيلمين الأمريكى والهندى، بينما فى لبنان ودول المغرب العربى تفوق الأمريكى والفرنسى.

لست أدرى لماذا لم يضف المهرجان الاشتباك مع أهم ملمح يواجه الفيلم العربى، وهو هبوط سقف الحريات فى العديد من دول العالم العربى، مما أثر سلبا على الرسالة الفكرية التى يحملها الفيلم، وحال دون الاشتباك مع القضايا الملحة والشائكة التى يعيشها المواطن العربى، كان الأمر يحتاج أيضا إلى توثيق رقمى عن الأعمال المرفوضة رقابيا كمشروعات على الورق.

علينا أن نتوخى الدقة فى التعامل مع الأرقام لضمان ألا نقع فريسة لشركات الدعاية التى تُصدر الرقم الذى يحقق لها الرواج بعيدا عن مدى مصداقيته، أعلم طبعا أن تواجد علاء كركوتى داخل الحلبة، كموزع ومنتج فى السنوات العشر الأخيرة، يتيح له استبعاد الأرقام الزائفة.

تمنيت أن تتناول المناقشة أيضا ما الذى تقدمه الدولة لحماية أفلامها من الضياع؟، وهل الأرشيف السينمائى العربى يستطيع مواكبة العالم فى تقنيات الحفظ؟، وما هى عدد الأفلام التى سقطت عمدا أو سهوا، ولم يعد لديها وجود؟. عندما تتحدث الأرقام الموثقة يصبح لزاما علينا جميعا أن ننصت ونتأمل ونتعلم!!.