"أثر الفن على المجتمع".. ندوة في المركز المسكوني بحضور الكاتبة سارة السهيل (صور)

الفجر الفني

 سارة السهيل في ندوة
سارة السهيل في ندوة المركز المسكوني


"أثر الفن على المجتمع" هو عنوان ندوة أقيمت أول من أمس في المركز المجتمعي المسكوني (الخيمة)، وشارك فيها المخرج فيصل الزعبي والكاتبة سارة السهيل والفنان التشكيلي رسمي الجراح، وأدار فقراتها وقدّم المشاركين فيها الروائي والإعلامي الزميل محمد جميل خضر.

شؤون المشهد الفني المحلي وشجونه وإضاءاته وعثراته ومدى قدرته على التأثير المجتمعي، شكّلت محاور الندوة التي تعد جزءاً من حراكٍ ثقافيٍّ ومعرفيٍّ يتصدى له المركز المجتمعيّ المسكونيّ بإشراف القس الدكتور سامر عازر.

 

الكاتبة سارة السهيل متعددة الوجهات الإبداعية (شاعرة وكاتبة أطفال ومقالات في دوريات محلية وعربية كثيرة)، وصفت الفنون والآداب بمرآة تعكس الواقع المعاش "في أفراحه وأتراحه وانتصاراته وانكساراته وتردّيه وتطوره"، رائية أن الإبداع الأدبي والفني لطالما تجلّيا كحافزٍ للشعوب في سياق "مقاومة المستعمر وحشد هممها لتبني القضايا الوطنية والعمل والإنتاجية والبناء والنماء".

 

إنهما بحسب وصفها: الحياة وشاطئ الأمان للمجتمعات على اختلافها "يحفظان أمنها الروحيّ والعقديّ والإنسانيّ".

 

نشر الوعي، تفجير المشاعر وإلقاء حجرٍ في المياه الراكدة للمفاهيم الرجعية والأفكار المغلوطة ونزعات التطرف، وغيرها، من الآثار المهمة للفن والأدب المتوقع، كما ترى السهيل، أن تحققاه داخل مجتمعاتهما.

 

السهيل استشهدت في سياق ورقتها للندوة بتجارب الشباب الذين يحبّرون جداريات الشوارع بوعيٍ بصريٍّ لافتٍ، محاولين من خلال تلك الجداريات إيصال صوتهم للناس من حولهم وللأجيال التي سبقتهم، والتعبير عن أحلامهم وتطلعاتهم وصبواتهم.

 

السهيل صاحبة أكثر من 50 إصداراً متنوعاً بين الشعر وقصص الأطفال وكتب المقالات، دعت في ختام ورقتها لفتح حوار مجتمعيٍّ شفّافٍ وصريحٍ وعميقٍ، يركّز على دور الفن في مواجهة "الأفكار المتشددة"، مشيرة إلى تجربتها الخاصة بقصص الأطفال، تلك التجربة التي ركّزت فيها على الصورة وجماليتها وألوانها "البديعة والمهمة في التعبير عن المتخيل الأدبي، باعتبارها عنصراً جمالياً محفزاً للأطفال على تلقي القيمة الأدبية داخل النص"، وختمت بعبارة للرسام الهولندي رامبرانت فان راين: "لن يكون المجتمع عادلاً إلا إذا كان طافحاً بالجمال".

 

مشاركة المخرج فيصل الزعبي صاحب المسيرة الفنية الإبداعية المحتشدة بالأعمال التلفزيونية والأفلام الوثائقية والروائية، تجلّت كمنارات ورؤوس أقلام، فكل جملة قالها مرتجلاً ومستنداً إلى فهمه العميق لتخصصه والعالم الذي يبحر فيه، من شأنها أن تسطع كجملة مفتاحية لندوة كاملة وحدها.

 

من الأمثلة على ذلك قوله إن شحذ التذوق يحتاج إلى تشاركية حقيقية بين المرسل والمستقبل وصولاً إلى ذائقة جمالية جمعية فاعلة ومؤثرة ومنتجة.

 

أو كقوله إن الفن لا يسعى إلى تحقيق تأثير مباشر وسريع، وإن الأمر يحتاج إلى ثقافة مجتمعية تعلي من شأن الفن وتنتصر له وتجعله جزءاً من صيرورة التربية والتدرج والتكريس، مستشهداً هنا بما لاحظه ورآه وعايشه خلال دراسته الفنون في روسيا، فالطفل يكبر وفي بيته بيانو، وفي حيّه من يعزف على الغيتار ومن يرسم ومن يغني ومن يمثل، فالفن في كل شيء حوله، إلى أن يصبح عادة يومية وسلوكٍ مجتمعيٍّ جوهريٍّ وحاجة عضوية مثل الماء والهواء.

 

أو بوصفه السينما على أنها "الهروب الخلاق من البرواز"، مختلفاً مع سارة السهيل وغيرها ممن يصفون الفن أنه مرآة تعكس الواقع، رائياً أن الفن هو من يصنع الواقع المشتهى والعالم المؤمّل كما ينبغي أن يكون وليس كما هو كائن، فالسينما الهوليودية، كما يذهب، هي التي صنعت النموذج الأميركي وليس العكس، وهي، أي السينما: "أربكت الكون وقرّبت المسافات وغيرت مختلف مفاهيم التلقي، وشكّلت ثورة علمية بصرية جمالية على الصورة وإطارها، وشكّلت مقاربة مدهشة للأدب، فكثير من الناس تعرفوا على روائيين كبارٍ ليس من خلال قراءة رواياتهم بل من خلال حضور أفلام مأخوذة عن هذه الروايات".

 

الزعبي رأى أن الاقتصاد يشكل عامل تأثير مهم بما يُقدم من أعمال تلفزيونية وغيرها، وأن المخرج ليس وحده من يصنع الدراما، فهناك الممثلون والتقنيون والمنتجون وهناك: "جيش عرعرم من الرئيسيين والسنيدين والكومبارس، وهناك الحسابات الاقتصادية والسياسية وعوامل أخرى كثيرة".

 

وفي سياق مروره الرشيق على عناوين يحتاج بحثها إلى ندوات وندوات، قال إنه من أنصار مقولة: "الفن علم"، وإن الدراما (التمثيل على وجه الخصوص) ليست إحساساً صادقاً، بل هي إحساسٌ متقنٌ، مطالباً بوقعنة الأسطورة (كما فعل بمسلسله "سر النوار") في مقابل مقولة أسطرة الواقع، داعياً إلى فنٍّ مُصفّى، حاملاً، أخيراً، على مسلسل "جن" لركاكته الفنية قبل محاسبته أخلاقياً.

 

"يوم عادي ورجل عادي، يحدث له حدث غير عادي، هذه هي الدراما"، يختم فيصل الزعبي بهذا التعريف السهل الممتنع.

 

مشاركة الفنان التشكيلي رسمي الجراح في الندوة جاءت مُحمّلة بالأسى على بؤس المشهد التشكيليّ المحليّ، خصوصاً ما يتعلق بغياب تأثيره المجتمعيّ، وما يتعلق كذلك، بالتقصير الرسمي داخل تفاصيل هذا المشهد.

 

في هذا السياق قال الجراح إن: "الفنون ممثلة بالرسم والتصميم والعمارة ليس لها أي أثرٍ على السلوك العام، والمشهد البصري حولنا مشوَّهٌ تماماً واللون غائبٌ عن حياتنا".

 

حتى إن الجهد الفني المتحقق في الساحة الفنية هو "جهد شخصي مضاف إليه جهد جمعيات الفنون"، يقول الجراح متسائلاً هنا عن "الدعم الحكومي لقطاع الرسم والتصميم أو ما يطلق عليه الفنون التشكيلية"، مقابل ما تلقاه الفنون المسرحية والسينمائية والغنائية من "دعم حكومي سخيّ، ومن تنظيم مهرجانات وملتقيات لهذه الفنون ترصد من أجل تنظيمها مئات آلاف الدنانير، في حين لم تنظم وزارة الثقافة إلا (سبوزيوم) تشكيلياً يتيماً في العام ٢٠٠٨".

 

الجراح لفت إلى أن أهم أسباب تخلّي الدولة عن دعم هذا القطاع هو طبيعته، فالمسرح والسينما والغناء فنون جماهيرية وجماعية،  أما الرسام فهو يعمل بشكلٍ فرديٍّ كما لو أنه "يحفر صورته فوق صخرة بازلت".

 

الجراح حَمَلَ أيضاً على الخطط الدراسية لكليات الفنون الجميلة والبصرية والتصميم في الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة، فالمساقات فيها عامة، كما يرى، و"غير متخصصة، وهو ما أدى إلى تخريج أجيال غير مثقفة لا فنياً ولا بصرياً".

 

الجراح أشار إلى "بعض التراجع" في أداء الصحافة الثقافية في الصحف اليومية والمواقع الإخبارية بما يتعلق بمتابعة الفعاليات الخاصة بالفنون التشكيلية من رسم ونحت وحفر وتصميم وطباعة وغيرها، رائياً أن الصحافة الثقافية بإمكانها على تؤدي دوراً مهما على صعيد "تعريف القارئ بمفردات هذه الفنون، وعلى صعيد حفظ الذاكرة الفنية والتوثيق لها".

 

لم ينس الجراح وضع يده على آفة العمل تحت عنوان "الجزر المعزولة المشتتة للجهد والنتائج، عندما يتعلق الأمر بمؤسسات ثقافية وجمعيات فنية وكليات فنون".

 

الجراح ختم ببارقة أمل تتجلّى بما يقوم به المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة من تنظيم ملتقيات وطنية تحت عنوان "فن وطبيعة"، وصل عددها إلى 13 دورة، أنتج الفنانون المشاركون فيها مئات اللوحات المتفاعلة مع أمكنة وحواضر أردنية مثل البتراء والعقبة ووادي رم والأزرق ومحمية اشتفينا وغيرها. إضافة لجهد المتحف المتعلق بملتقى النحت الذي تحولت نتاجاته إلى منحوتات تنتشر في ميادين العاصمة عمّان.