ولي العهد إلى كوريا الجنوبية لرسم مستقبل واعد للمملكة

السعودية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


تأتي زيارة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، إلى سيئول بعد زيارات ناجحة إلى باكستان والهند قبل أشهر قليلة جسدت حرص المملكة على متانة العلاقة بين دول العالم الإسلامي، فلم تكن الزيارات ذات ملفات سياسية بقدر ما تحرص على بناء علاقات دبلوماسية واقتصادية، لتشهد اتفاقيات استثمارية ومذكرات تفاهم تعبر عن عمق العلاقة بين المملكة وباكستان والهند.

ويواصل ولي العهد زيارته إلى كوريا الجنوبية من أجل توسيع التعاون الثنائي بين البلدين، ويدون خارطة اقتصادية أساسها رؤية واضحة "رؤية المملكة 2030"، والتي تعد أحد العوامل الاقتصادية التي تطمح لها كوريا الجنوبية لتكون شريكة في هذه الرؤية.

واستضافت وفد المملكة المشارك في منتدى أعمال الرؤية السعودية - الكورية الجنوبية 2030 في العاصمة سيئول عام 2017م، بحضور أكثر من 110 شركات من الجانبين، وعدد من المسؤولين الحكوميين في البلدين، لتكشف عن 40 مبادرة تسعى الدولتان لتحقيقها بمشاركة فعالة من القطاع الخاص. 

وأوضح حينها وزير التجارة والصناعة والطاقة رئيس الجانب الكوري الجنوبي في اللقاء "سونج يون" أن التعاون السعودي - الكوري الجنوبي لـ "رؤية 2030" سيوفر فرصاً متكافئة للإسراع بالتنوع الصناعي في المملكة من خلال تبادل التكنولوجيا الكورية والخبرة وتوفير فرص عمل جديدة للبلدين. 

وكما قال سفير جمهورية كوريا الجنوبية لدى المملكة "جو بيونج ووك" في تصريحات صحفية 2018م بأن: "رؤية المملكة 2030 تعطي فرصة جيدة لكوريا الجنوبية للارتقاء بمستوى التعاون بين البلدين، حيث تملك كوريا التكنولوجيا المتقدمة والخبرات المتوافرة، بالإضافة إلى خبرة متراكمة في التعاون مع المملكة، ولذلك أعتقد أن كوريا ستكون أفضل شريك للمملكة لتحقيق الرؤية 2030".

وتأكيداً لذلك فقد انطلقت لجنة الرؤية 2030 الكورية - السعودية في سيئول في أكتوبر 2017م، كما أن البلدين وافقا على تنفيذ مشروعات تعاونية في المجالات الخمسة التالية، التصنيع والطاقة، البنية التحتية الذكية والرقمية، بناء القدرات، الرعاية الصحية والطب، المشروعات الصغيرة والمتوسطة والاستثمار. 

وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 24.8 مليار دولار أميركي في العام 2017، وتعد المملكة أكبر شريك تجاري لكوريا في الشرق الأوسط.

إلى ذلك كشف تقرير صادر عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في بداية عام 2019م بعنوان: ما وراء النفط: رؤية السعودية 2030 والعلاقات السعودية الكورية الجنوبية، "للباحث أنوك كيم من جامعة سنغافورة بأن رؤية المملكة بالنسبة للجانب الكوري فرصة مهمة للتنوع الاقتصادي بعيداً عن النفط لزيادة التوسع التجاري بين البلدين. 

ويقترح التقرير بخصوص التعاون بين كوريا الجنوبية والمملكة أن ينظر إلى ما هو أبعد من التجارة والاستثمار، ينبغي على البلدين النظر في المشروعات المشتركة التي تستهدف، ليس فقط السوق المحلية، ولكن أيضاً الصادرات، كما أن المشروعات المشتركة لا تحتاج إلى الاعتماد على القوة التقليدية لكوريا الجنوبية، بل ينبغي عليها محاولة اكتشاف عناصر الأعمال الجديدة، وأكد التقرير على العلاقات بين المملكة وكوريا الجنوبية تدعمها ثلاثة عوامل أولاً: التكامل الاقتصادي، حيث يتمتع البلدان بمستوى غير عادي من الشراكة الاقتصادية بعيداً عن المنافسة والنزاع، فتقدم المملكة الطاقة ورأس المال والموقع الاستراتيجي وسوقاً استهلاكيّاً كبيراً وسوق البنية التحتية الذي يلبي رغبة كوريا الجنوبية في مصادر الطاقة المستدامة والمزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر لتنشيط الاقتصاد وتوفير سوق خارجي لشركات التصنيع ومشروعات البنية التحتية، في مقابل الخبرة التكنولوجية والصناعة في كوريا الجنوبية، مع وجود المهندسين والعمّال المهرة والخبرة الواسعة في مجال التنمية الاقتصادية والتجارة، وكلها عناصر وثيقة الصلة بالمملكة، وثانياً: غياب الصراع السياسي خاصة بأن العلاقة وثيقة بين البلدين ولا توجد أي مشكلات على مر التاريخ، أما ثالث العوامل التي تدعم علاقة المملكة بكوريا الجنوبية تاريخ علاقة البلدين، فقد تأسست العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1962م، وشهدت علاقات اقتصادية في تجارة الطاقة، وبدأت التجارة في الازدهار عام 1970م يدفعها حجم متزايد من صادرات النفط، ومشاركة كوريا الجنوبية في مشروعات البناء الضخمة في الشرق الأوسط، فيما شهدت فترة الثمانينات والتسعينات انخفاض أسعار النفط، مما أدى إلى تقلُّص حجم التجارة بين الطرفين. 

وبالتالي مشروعات البناء لتعاود الروابط الاقتصادية الانتعاش عام 2000م مع زيادة أسعار النفط، فيما صاحب ذلك الاهتمام السياسي المتزايد لسيئول بالرياض، وظهر ذلك جليّاً مع تكرار الزيارات الرسمية لرؤساء كوريا الجنوبية المتعاقبين إلى المملكة طوال تلك الفترة، مضيفاً التقرير بأن من أهم المعوقات في العلاقات الاقتصادية بين المملكة وكوريا الجنوبية: عدم التوافق في حجم ونطاق التجارة الثنائية والاستثمار، فالمملكة هي الشريك الاقتصادي الأكثر أهمية لكوريا الجنوبية حاليّاً في الشرق الأوسط بحجم تجارة سنوي من 250 إلى 300 مليار دولار. 

بينما تحتل المملكة المرتبة العاشرة في قائمة الاستثمار الأجنبي لكوريا الجنوبية، ويعود سبب هذه العلاقة التجارية المحدودة إلى تحديد حجم ومسار التجارة الثنائية والاستثمار بواسطة سلعة واحدة هي النفط الذي يعد من أكثر أسعار السلع المتقلبة.

يذكر أن عدداً من الصحف الكورية تناولت زيارة ولي العهد إلى كوريا، وأكدت على أن ولي العهد يلعب دوراً كبيراً في الجهود الاقتصادية والدبلوماسية للمملكة على الساحة الدولية، مشيرة إلى أن المملكة تسعى حالياً إلى تحويل تركيزها الاقتصادي من النفط إلى تكنولوجيا المعلومات والطاقة المتجددة، مبينة أن أربع شركات كورية كبرى ستعرض الفرص التجارية ونقاط القوة التي تمتاز بها المملكة من خلال رؤية 2030، وذلك لتحويل تركيزها الاقتصادي من النفط إلى صناعات النمو الجديدة، لافتة بأن الشركات الكورية الأربع هي "سامسونغ" و"هيونداي موتورز " و"إل جي" و "إس كي". 

ومن المتوقع أن يشرف ولي العهد خلال الزيارة على حفل الانتهاء من تطوير وتوسيع مجمع مصفاة "إس أويل" و"مجمع الأوليفين" الذي تمتلكه شركة أرامكو السعودية.