منال لاشين تكتب: الفلامنكو والواي فاي فى إسبانيا

مقالات الرأي



زيارة سريعة لمشاغبى كتالونيا

الأسعار واحدة فى كل المدن وأسواق الاثنين والثلاثاء للعزومات

فى أبعد قرية عن العاصمة الإنترنت يربط أهل الريف بكل مراكز الدولة


إسبانيا لا تزال لدينا جارية عربية ملكها العرب والمسلمون ذات يوم، جارية اسمها أندلسية. كل من يسافر إلى إسبانيا يتصور أنه سيشاهد سيف طارق بن زياد. وعباءة موسى بن نصير. وسيصلى فى جوامع كنا قد شيدناها.

ولكنك سواء فى مطار مدريد أو برشلونة فى الغالب ستقابل عربا يحملون لك الحقائب أو يسوقون عربيات الجولف التى تحمل الركاب فى أرجاء المطار.

نادرا ما تجد موظفا عربيا سوى فى الوظائف الدنيا. وهذا كفيل بأن يرجعك تعود إلى الواقع ويصفعك إلى حقيقة أن كل أمجادنا تاريخيا وأغانى ومسلسلات لا تمل الفضائيات من إعادة عرضها أو إنتاج المزيد منها.

مطار برشلونة ليس الأجمل فى العالم، بل إنه غير مصنف فى القائمة القصيرة لأفضل مطارات العالم. ولكن الحياة فى المطار تسير بالثوانى وليس الدقائق. كل ما تريده تجده دون بذخ أو مغالاة. فى المطار هناك فنادق رخيصة أو بالأحرى بالموتيلات.. بل إن هناك أماكن مخصصة للإيجار حيث ينام الشباب داخل خيمة النوم المحمولة. وهناك سوق تجارى يحتوى على عشرات المحلات التى تعرض بضائع متنوعة. من أدوات التجميل إلى لعب الأطفال مرورا بالملابس والهدايا والأحذية والشنط.

وخلافا لمطار القاهرة، فإن مطار برشلونة يسمح لأقارب ومرافقى المسافرين بالتواجد فى منطقة الكافيهات. فالمرافق لا يقف مثل الشحاتين على أبواب مطار القاهرة أو أى مطار فى مصر. بالطبع كل مطارات العالم تخصص مساحات للمرافقين تسمح لهم بالانتظار إما فى قاعات أو فى منطقة كافيهات. مطار برشلونة يحتل دوما مكانة متقدمة فى أكثر المطارات ازدحاما فى العالم، ومع ذلك لا يشعر المسافر بدوشة وقلق الزحام لأن النظام سيد الموقف. وكنت قد ذهبت إلى إسبانيا فى زيارة قصيرة لحضور فرح ابن أختى سامح وزوجته الإسبانية لايا. عشت لحظات تعايش رائع. فالفرح جمع كل الأطياف العرقية والدينية فى هارمونى رائع متشوق لمعرفة الآخر، وليس تمزيقه أو تشويه قناعاته أو صورته. اختار أهل العروسة منزلاً ريفيًا تاريخيًا يعود تاريخ بنائه إلى عام 1825. ولدينا فى مصر آلاف المنازل الذى يمكن أن تضاهى هذا المنزل الجميل خاصة فى الريف.إلا أن أصحابها لم يحافظ عليها أو هرولوا لهدمها وبناء عمارات خرسانية قبيحة وغبية.


1- الدنيا واى فاى

منذ أن تطأ قدميك مطار برشلونة تذكرك بعض اللفتات بأنك دخلت ضمن العالم المتحضر المتقدم، صحيح أن إسبانيا ليست سيدة القارة اقتصاديا مثل ألمانيا أو حضاريا مثل فرنسا أو مركز مالى مثل بريطانيا، وصحيح أيضا أن إسبانيا تعانى مشكلات اقتصادية ومشكلة هوية مع مقاطعة كتالونيا التى يطالب معظم أهلها بالاستقلال عن إسبانيا. وفى مطار برشلونة التعليمات والإرشادات بثلاث لغات الإسبانية والإنجليزية والكتالونية. فتتذكر أزمة الهوية والتقسيم التى تواجه إسبانيا، ولكن تتذكر أيضا رغم كل شىء أنك فى دولة من دول الاتحاد الأوروبى الراقية.

منذ أن تصبح على الأرض الإسبانية يتيح لك المطار 15 دقيقة مجانية واى فاى حتى لا تنقطع عن العالم لحظة واحدة، وخلال الـ15 دقيقة ستصل بكل سهولة إلى محلات بيع شريحة التليفون فى إسبانيا.

المطار كله يعمل شبه من خلال وصلات الإنترنت والواى فاى. لا وجود للعنصر البشرى إلا نادر جد.

ولا يمكن أن تجد مكانا على أرض إسبانيا يخلو من خدمة الواى فاى، أو بالأحرى التواصل مع العالم. كنت فى قرية صغيرة تبعد عن برشلونة أكثر من ساعتين بالسيارة، وأكثر من 600 متر عن سطح البحر. قرية بالمعنى الفلاحى.. بها بيوت صغيرة ومزارع تربية أبقار. ومع ذلك فإن التواصل مع العالم كله كان تحت قدمى. وهذا بالطبع ذكرنى بأزمة امتحانات أولى ثانوى وعدم قدرة العديد من التلاميذ على الدخول للنظام. أيامها ظلمنا وزير التعليم، ولكن الحقيقة أننا فى حاجة إلى توفير الإنترنت مجانا فى كل قرية فى مصر. فهذا هو طريق الربط الحقيقى والعملى بين أجزاء الوطن الواحد. ولم يحل الإنترنت المجانى مشكلة أولى ثانوى فقط أو حتى التعليم، بل سيحل أيضا مشاكل الصحة والتدريب وإنهاء المعاملات الحكومية.

وفى المدينتين اللتين استطعت زيارتهما فى زيارتى القصيرة. فإن الواى فاى يحل كل المشاكل بل إنه يهدد العنصر البشرى كثيرا. فبعض السوبر ماركت ألغت الاستعانة بالبشر فى أماكن دفع الحساب. واستبدلت البشر بماكينات الدفع الآلى سواء من خلال الفيزا أو النقود. وقد صادف وجودى يوم الاستغناء عن هؤلاء الموظفات وكان جو السوبر ماركت باردا وحزينا.


2- سوق الجمعة

أكثر أماكن زرتها فى إسبانيا هى أسواق الأكل والسوبر ماركت. وأول صدمة لى أن أسعار المأكولات والمنتجات واحدة ثابتة فى كل السوبر ماركت وفى كل المدن. لم أجد عشوائية الأسعار التى أعيشها ليل نهار. ففى القاهرة حيث أعيش يلف بيتى خمس سوبر ماركت، وكل واحد منها يعرض أسعارا مختلفة عن السوبر ماركت الآخر. فضلا عن تغير الأسعار بشكل شبه أسبوعى.

ويوم اشتريت الليمون فى إسبانيا كان سعر الكيلو 2 يورو أى أقل من أربعين جنيهًا، وعرفت من خلال الإنترنت أن سعر كيلو الليمون وصل فى مصر 100 جنيه. ومع ذلك تظل القضية الأهم هى فكرة ثبات الأسعار فى كل الأماكن وفى المدينتين اللتين زرتهما. وقد عرفت من أصدقائنا فى إسبانيا أن الأسعار واحدة إلا فى الأسواق الشعبية.

والأسواق الشعبية هى المفاجأة الجميلة جدا لى. ففى طفولتى كنت أذهب مع خالتى فى قريتنا إلى سوق الجمعة. فالأسواق فى القرى تقام مرة أسبوعيا، وتنتقل من قرية إلى أخرى. وكان السوق يقام فى قريتنا الجمعة وفى إسبانيا أو بالأحرى الكثير من مدن إسبانيا أسواق شعبية كبيرة جدا لعرض الغذاء. وفى برشلونة أسواق مخصصة للأسماك الطازجة. وأخرى مشهورة باللحوم أو أنواع السجق الذى تشتهر به المنطقة. وغالبا يحب السائحون وأهل الطبقة المتوسطة زيارة هذه الأسواق والشراء منها خاصة خلال إعداد العزومات والمناسبات.

ولو حالفك الحظ فسوف تجد فى هذه الأسواق منتجات تاريخية «خشب أو نحاس أو قش» يتولى بيعها المزارعون الذين أتوا من جميع المزارع القريبة من مقر السوق.

وذلك بدلا من شراء الهدايا التذكارية من السوق الحرة أو المحلات المتخصصة فى برشلونة.

وتبدو برشلونة مدينة التصوير الأولى فمعظم السائحين يفضلون التصوير مع فرق الفلامنكو التى ترقص فى الشوارع أو الفنانين الذين يعزفون الموسيقى فى الشوارع أو حتى وسط الحدائق الجذابة المبهرة فى وسط برشلونة.

والخضرة هى أحد الأسرار أو ربما سر الأسرار فى كل ربوع إسبانيا الجبال الشاهقة مغطاة بالخضرة، فى منظر أقرب لجبال سويسرا. ولاشك أن قصر مدة الزيارة لم يتح لى رؤية عميقة بل مجرد ملاحظات. والأهم أن هذه الملاحظات معجونة بحياتى فى مصر. كنت قد قررت أن أرمى وراء ظهرى كل شىء، وأعيش حياة السواح. ولكن يبدو أن هذا شىء صعب جدا. فالمقارنة تظهر فى كل خطوة، وهى مقارنة ليست بالضرورة لصالح إسبانيا. ولكن المؤكد أننا نحتاج إلى إعادة أولوياتنا. ففى آخر سفر لى بالخارج.. كنت أعتقد أن النظافة هى أولى الأولويات، ولكن الآن اكتشفت أن أهم أولوية النظام والواى فاى.


3- الدولار فى الجو

تعودت أن أنسى فى السفر سعر الجنيه تماما أمام العملات الأخرى. لكى تستمتع بالرحلة لابد أن تنسى فروق العملة، وتعيش بمبدأ أن تكفى النقود التى تحملها أيام سفرك. ومع ذلك فقد فوجئت أننى نسيت هذه القاعدة عندما أصرت شقيقتى أن تشترى طماطم ونحن فى إسبانيا. فسعر الكيلو يوازى 40 جنيهًا. وظللت ألح عليها بعيوب تناول الطماطم على الكلى. ولكن ما أن عدت إلى طبيعتى حتى استمتعت برحلتى. فالأسعار باليورو تبدو أكثر رحمة ألف مرة من الأسعار فى القاهرة. وقد استفدت بانخفاض الدولار مقابل الجنيه فى الأشهر الماضية. ولكن مع الأسف اكتشفت أن شركة مصر للطيران لا تعترف بأسعار الدولار داخل مصر ولها رأى آخر أو بالأحرى سعر آخر. ففى طائرة الذهاب اكتشفت أننى نسيت أحمل زجاجة عطر. ففكرت أن اشتريها من السوق الحرة على الطائرة. وكانت المفاجأة أن مصر للطيران تحتسب الدولار بأكثر من سعره فى البنوك بنحو 2 جنيه. فبينما اشتريت الدولار فى القاهرة بـ16.8 جنيه. فقد تم احتسابه فى طائرة مصر للطيران بـ18.8 جنيه. وهذا خطأ لابد من تدراكه. ولكن الخدمات تحسنت نوعا ما على طائرات مصر للطيران، وإن كانت حمامات صالة 3 لم تتحسن بالمستوى الكافى. وكست مصرية صميمة فالحمام هو الكاشف لنظافة بقية المكان.