د. رشا سمير تكتب: هؤلاء فى قلب الوطن

مقالات الرأي



يعنى إيه كلمة وطن؟..

يعنى بيت وحضن وأرض.. يعنى أهل وليل ونيل..

يعنى أُم رافعة إيديها للسما بتدعي وابنها واقف على الحدود بيبتسم لحظة الشهادة..

هذا المفهوم البسيط الحالم هو المعنى الحقيقي الذى نشأت عليه أجيال تشبعت بحب مصر، فسكنها وسكنته..

مؤخرا وبكل أسف بعدت المسافات وضعفت الأواصر وتبدلت العلاقات..وجاءت أجيال لا تعى بحق مفهوم تلك الكلمة..أجيال لم تقف لتحية العلم فى طابور الصباح ولم تغفُ على كلمات صلاح جاهين وصوت العندليب فى أنشودة النصر..

تلك الكلمات جالت بخاطرى وأنا أقرأ تعليقات الشباب على فيلم (الممر)..الفيلم الذى تبدأ أحداثه بعد نكسة 67 والتبعات النفسية والسياسية على الشعب والجيش المصرى..

الحقيقة أن الفيلم يستحق التحية، أولا لأنه تناول فترة لم يتم تناولها كثيرا فى تاريخ مصر، وثانيا لأنه ألقى الضوء على تاريخ مسكوت عنه، تاريخ لم يعرف عنه شبابنا سوى عنوانه فى كتب التاريخ..

جيل أبائنا وأمهاتنا هو الجيل الذى عاش الحرب والقهر والنصر فباتوا مسكونين بخوف الفُقدان، ونحن جيل عاش تاريخ الحرب من خلال أفلام مصرية عظيمة جسدتها السينما المصرية والروائيين الكبار فشاهدنا ما لم نعشه.

أما جيل أبنائنا فهو الجيل الذى بات تفاعله ووجوده الوحيد من خلال السوشيال ميديا بما لها وما عليها، إلا أنه جيل حقه علينا أن نقدم له التوعية الصادقة حتى يفهم ما يُنكره.

وأنا هنا لا أهاجم جيلا له منظور خاص ومن حقه التعبير عما يجيش بصدره..جيل قد يكون متفوقا إلكترونيا ولكنه متأخر معنويا..

آن أوان أن نحاول التواصل معهم وأن نتسلل إلى عقولهم ونحتويهم ونتفهم الاختلاف معهم بل نتجاوزه.. دعونا نتفق أولا أنه ليس كل من ينتقد إخوانيا وليس كل من يعترض خائنا ولا كل من يختلف حاملا معوله ليهدم..على العكس فقد يكون النقد مصدره فرط الحُب..لأن تلك التُهم باتت جاهزة التفصيل..

لا نستطيع أن نتهم جيل الشباب بعدم الانتماء ولا حتى بعدما أصبحت فكرة الهجرة من أجل حياة أفضل هى أقصى أحلامهم، فهؤلاء تهمتهم الوحيدة هى إنهم لم يجدوا من يحكى ويشرح ويبرر ويستوعب، ولذا فأنا أرى أن فيلم (الممر) هو أحد تلك الأدوات التى يجب أن نكرسها لاحتوائهم.. كما أن إعطاءهم فرصة التعبير وإبداء الرأى هو أداة أخرى مهمة من أجل تحقيق تواصل معهم.

من خلال أحداث الفيلم يظهر لنا مدى المُعاناة التى تعرض لها جنودنا وقت النكسة وكيف دفعوا ثمن الهزيمة من وجودهم وكرامتهم..ومع ذلك تحملوا ببسالة ضريبة الهزيمة التى كان لها ألف سبب آخر وباتوا لا يحلمون إلا بالثأر..

تلك الصورة هى نفس الصورة التى يُعايشها جنودنا اليوم على الحدود وهم على يقين من أن الموت قد يأتيهم فى أى لحظة، هؤلاء الذين استشهدوا تاركين وراءهم أما مكلومة وزوجة تذبل وابنا يتيما..وكأن قدر حُماة الوطن هو ثمن حياته..

القصص التى نقرأها عن الحرب ونشاهدها على الشاشة فى الحقيقة لا ترتقى إلى مستوى دراما الواقع وقصص أبطال بحق ممن خاضوا حرب 67 و73..

أنا هنا أتقدم باقتراح إلى فخامة الرئيس، الرجل الذى يُدين للجيش المصرى بالولاء ويقينى أنه سيُلبى الدعوة، أدعوه إلى تكريم كل من شارك فى حروب تحرير الأرض أو فى العمليات الحربية التى كانت سببا فى بقاء مصر أسوة بشهداء اليوم..فهؤلاء الأبطال لايزال منهم الكثيرون على قيد الحياة، بل يحملون فى جعبتهم آلاف القصص والمواقف والحواديت من أرض المعركة الحقيقية، من خلال لحظات كتبت تاريخ مصر..لحظات لاتزال محفورة فى ذاكرتهم وستبقى للأبد..تلك اللحظات والصور لو رُويت لأصبحت جسرا وثيقا للتواصل مع أجيال شابة لم تر ولم تسمع ولكنها بكل تأكيد تحتاج إلى المعرفة..

أتمنى أن يتم تكريم هؤلاء الأبطال من ضباط وجنود فى حفل يليق بهم وأن نستمع إلى شهاداتهم فى فيلم تسجيلى طويل أو مجموعة حلقات يتم بثها عبر الشاشات..أعتقد أن الوصول إليهم لن يكون صعبا من خلال قاعدة البيانات الموجودة لدى القوات المسلحة..

دعونا نلتقط تلك الحكايا من ذاكرتهم قبل أن تسقط الصور للأبد وقبل أن يغيبوا فتموت الذكرى..

هؤلاء الأبطال يستحقون التكريم المادى والمعنوى..ويستحقون أن نعرفهم حتى نشكرهم..وليكن الوفاء أبدا هو عنوان مصر..