باحث تركي: ديمقراطيتنا على المحك.. وهذا هو السبب!

عربي ودولي

أردوغان
أردوغان


يتوجه سكان إسطنبول إلى صناديق الاقتراع لإعادة التصويت في انتخابات منصب العمدة، فيما يبدو الأمر كأنه أكثر بكثير من مجرد انتخابات محلية. وكان مرشح المعارضة، أكرم إمام أوغلو، فاز في الانتخابات البلدية بفارق ضئيل في مارس الماضي، إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحزبه "العدالة والتنمية" الحاكم، نجحا في الضغط على مجلس الانتخابات التركي لإلغاء النتائج، بحسب مقال الباحث التركي البارز أسلي أيدينتاسباس الذي نشرته صحيفة "واشنطن بوست".

 

ويصف أيدينتاسباس قرار إلغاء نتائج الانتخابات بأنه لحظة نادرة ومخزية حتى بمعايير الديمقراطية التركية المعطوبة، مشيرا إلى أنه حتى إذا تم تصديق استطلاعات الرأي، فلن يسمح سكان إسطنبول باعتماد هذا الأمر.

وتظهر معظم استطلاعات الرأي أن إمام أوغلو يتقدم بقدر مريح على بن علي يلدريم، رئيس الوزراء السابق لأردوغان، ومرشحه الذي اختاره بعناية لمنصب عمدة إسطنبول.

 

تعتبر مدينة إسطنبول قريبة وعزيزة على قلب أردوغان، ليس فقط لأن هذا هو المكان الذي بدأ فيه مسيرته السياسية، باعتباره عمدة، وبنى إمبراطورية سياسية واسعة. لا شك أنه يشعر أن خسارة إسطنبول أمام سياسي أصغر سنا يمكن أن تمثل بداية لانحدار حزب "العدالة والتنمية"، وتراجعه في السياسة التركية بعد هيمنة استمرت 17 عاما.

 

لكن بغض النظر عما سيحدث عندما يتم إعلان النتائج ليلة الأحد، يجب على أردوغان مقاومة الإغراء، والاعتراف بنتائج الانتخابات. إن الوضع الراهن في تركيا قاتم، ولكن مستقبلها سوف يكون أسوأ إذا ما تعثرت العملية الانتخابية.

 

ويقول أيدينتاسباس، بما أنه قد عمل رئيسا لمكتب أنقرة في إحدى الصحف التركية الكبرى في وقت مبكر من فترة حكم أردوغان، فقد سافر حول العالم على متن طائرة أردوغان، وتهيأت له الفرصة للتعرف عليه، وعلى عملية صنعه للقرار.

 

ويوضح أيدينتاسباس أن ذهن أردوغان يتراوح ذهابا وإيابا حتى يستقر على شيء ما. وخلال الأيام القليلة الماضية، قال إن انتخابات اسطنبول كانت مجرد "تغيير في واجهة المتجر"، في إشارة إلى أنه قد يعترف بإمام أوغلو إذا فاز، ولكنه قال أيضاً "إن القضاء ربما يمنع" تقدمه، مما يشير إلى أنه قد يتم إقالة إمام أوغلو من منصبه حتى لو تم انتخابه، بسبب دعوى تشهير، رفعها ضده حاكم في مقاطعة على البحر الأسود بزعم أن أوغلو وجه إليه عبارات مسيئة قبل أسبوعين، ومن ثم فإن أردوغان لا يزال يبدو مترددا بين اتجاهين.

ويشير أيدينتاسباس إلى أن الانتخابات المحلية لا تعتبر الورطة الوحيدة التي يواجهها أردوغان، وذلك لأن هناك قرارا هائلا آخر بلغ ذروته هذا الشهر: وهو ما إذا كانت أنقرة ستمضي قدما بخطة لشراء منظومة الدفاع الصاروخي روسية الصنع طراز S-400، بما يجعل تركيا عرضة للعقوبات الأميركية، وتعرض البلاد للعزلة داخل حلف الناتو.

 

ويستطرد أيدينتاسباس في مقالته شارحا أن هذين القرارين يرتبطان ببعضهما بعضا، وهما أن تأتي منظومة الصواريخ S-400 بوصاية روسيا، وتوجهاتها الاستبدادية. فإذا ما مضت أنقرة قدما في تحركها لنشر الصواريخ الروسية في شهر يوليو، فلن تواجه عقوبات بموجب قانون خصوم أميركا فقط، ولكن أيضا ربما ينتهي بها الأمر إلى اللجوء لمزيد من الإجراءات الاستبدادية في التعامل مع المعارضة المتنامية في الداخل.

ويحاول أردوغان عزل الاقتصاد باستخدام ضوابط نقدية لمنع المزيد من هجرة رأس المال في بيئة من التدهور المالي. وبموقفه بمعزل عن الغرب، لن يشعر أردوغان بضغوط تُذكر إذا ما لجأ للقبول بما ستسفر عنه نتائج انتخابات إسطنبول، أو أي عملية ديمقراطية مستقبلية متعلقة بها.

 

ومن ناحية أخرى، فإن البقاء في فلك الغرب يعني في النهاية عودة تركيا التدريجية إلى الحياة الطبيعية والازدهار. إن موقع تركيا في الغرب معقد بشكل مؤلم بسبب إيمان قوي داخل البلاد، وقناعة إلى حد ما، بأن أوروبا لا تريد تركيا، وواشنطن لا تثق في ولائها.

 

ويقول أيدينتاسباس إن هذا يعني أن كل انخفاض في العلاقة، من عدم قدرة الأوروبيين على تطوير رؤية استراتيجية تجاهها، فضلا عن الدعم الأميركي للأكراد السوريين، تتم رؤيتها من خلال منظور يعكس نقص الأمان وعدم الثقة.

 

قد لا يرى أردوغان وأنصاره قيمة كبيرة لاستمرار كونهم جزءا من "الغرب"، ولكن هذا توجه خاطئ، وذلك لأن عضوية تركيا في هذا النادي هي بالضبط التي جعلتها غنية وقوية لحوالي 70 عاما، فضلا عن كونها متكاملة مؤسسيا واقتصاديا للغاية مع الغرب، ولذا فإن الانجراف بعيدا عن النادي الأوروبي سيؤدي إلى عدم الاستقرار، وتدمير مؤسسات تركيا، ويؤدي إلى تدهور الاقتصاد.