مي سمير تكتب: قصة اجتماع "صن فالي" السرى لصناعة الدراما الأمريكية بمشاركة الوكالات الأمنية

مقالات الرأي



أخطر تحقيق فى كلية إعلام ستانفورد

أجهزة الأمن الأمريكية لديها مكاتب اتصالات فى هوليوود و"البنتاجون" فى علاقة مفتوحة مع صناع السينما

الجيش الأمريكى يتدخل فى مشاهد الأفلام والسيناريوهات ويحذف مشهدا لمارينز يسرقون أسنان اليابانيين الذهبية


هوليوود أهم بكثير من تركها للسينمائيين، وهو أمر واضح للغاية بعدما تم اكتشاف علاقة عاصمة القوة الأمريكية الناعمة بأجهزة المخابرات الأمريكية، وهو ما كشفه موقع جلوبال ريسرش فى تحقيق مطول بعنوان «الأضواء.. الكاميرات.. العمل السري: سياسة هوليوود العميقة»، والذى أعده الدكتور ماثيو ألفورد، أستاذ السينما والتليفزيون فى جامعة بريستول بالتعاون مع روبى جراهام المحاضر فى الإعلام بكلية ستانفورد.

ويكشف التحقيق عن أن هوليوود كانت ولا تزال تخدم السياسة الأمريكية وتتعاون بشكل مؤسسى مع الوكالات الفيدرالية الأمريكية، خصوصاً المخابرات المركزية، لتقديم صورة تخدم مصالح أمريكا فى العالم، حيث لجأت هذه الوكالات لصناع الدراما سواء السينمائية أو التلفزيونية لتمرير أجندتها واعتمدت هذه الوكالات على كبار النجوم والكتاب والمخرجين لتقديم رسائلها فى أفضل صورة ممكنة لضمان التأثير المطلوب.

ولفت عدد من المعلقين الانتباه إلى علاقة هوليوود الطويلة والمنفتحة مع البنتاجون والخارجية الأمريكية، والتى ظلت فى إطار سرى لم يتم تناوله صحفياً إلا فى أضيق الحدود خصوصاً فى فترة ما بعد 11 سبتمبر، ما يمكن تسميته السياسة العميقة لهوليوود بسبب التأثير السرى للاعبى القوى الغامضة.

ضابط يعدل السيناريوهات ويتدخل فى المشاهد

يؤكد التحقيق أن لدى مجموعة متنوعة من الوكالات الفيدرالية مكاتب اتصال فى هوليوود حالياً، تابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالية، ووكالة ناسا مروراً بالمخابرات المركزية الأمريكية، وقليل من هذه الوكالات لديها الكثير لتقدمه مقابل الحصول على قصص مواتية، وبالتالى فإن تأثيرها فى هوليوود ضئيل، الاستثناء الرئيسى هنا هو وزارة الدفاع، لأن لديها علاقة مفتوحة مع هوليوود ولكن يتم الإعلان عنها بشكل مخفف.

ويقوم البنتاجون بشكل روتينى، فى مقابل تقديم المشورة والرجال والمعدات التى لا تقدر بثمن، مثل حاملات الطائرات والمروحيات، بتعديلات فى السيناريو، مثل تغيير هوية البطل العسكرى لفيلم «سقوط بلاك هوك» فى عام 2001، على سبيل المثال، نظراً لأن الشخص الحقيقى كان متهماً باغتصاب طفل، بالإضافة لإزالة نكتة عن «خسارة فيتنام» من فيلم جيمس بوند «غداً لا يموت أبداً» عام 1997، ومنع عرض صور المارينز وهم يأخذون أسنان الذهب من الجنود اليابانيين القتلى من فيلم «ويند توكرز» عام 2002، وحالات أخرى مشابهة لا حصر لها.

وهناك قائمة طويلة من الأفلام المعاصرة التى تدخل فيها البنتاجون بما فى ذلك فيلم «أكاذيب حقيقية» عام 1994، و«توب جان» عام 1986، و«الرجل الحديدى» عام 2008، و«المتحولون» عام 2007، وغيرها من الأفلام التى تحمل رسالة تريد وزارة الدفاع الأمريكية ترويجها عالمياً. ويتعاون الجيش الأمريكى مع صناعة السينما الأمريكية علانية، عكس وكالة المخابرات المركزية حيث كانت علاقة الأخيرة بمدينة السينما غير معترف بها إلى حد كبير، وفى عام 1996، أعلنت الوكالة افتتاح مكتب الاتصال الإعلامى يترأسه الضابط المخضرم تشيس براندون.

وكجزء من موقفها الجديد، أعلنت الوكالة أنها تتعاون فى إنتاجات هوليوود، ولكن هذا لا يعنى أن هذه الخطوة لم تبدأ سوى فى منتصف تسعينيات القرن الماضى، إذ سبق للوكالة العمل مع هوليوود.

وحسب «تقرير فرقة العمل لعام 1991 حول الانفتاح الأكبر للوكالة»، والذى جمعه مدير وكالة الاستخبارات المركزية، آنذاك روبرت جيتس، والذى ناقش سراً - من الناحية النظرية - كيف استخدمت المخابرات الأمريكية وسائل الإعلام وصناعة السينما والتليفزيون لتحقيق أهدافها الخاصة.

وبالإضافة إلى ذلك، هناك جلسات استماع عقدها الكونجرس فى سبعينيات القرن الماضى أشارت إلى أن الوكالة كانت تحتفظ بحضور راسخ فى وسائل الإعلام الوطنية والدولية، فيما يعرف بشكل غير رسمى بعملية «الطائر المحاكى».

فى الواقع، لا ينبغى أن يكون مفاجئاً أن الـ»سى آى آيه» شاركت فى أفلام ومسلسلات تليفزيونية حديثة، مثل سلسلة «الوكالة» التى أنتجتها محطة سى بى إس، عام 2001 والتى شارك فى كتابتها وكيل سابق للوكالة التى فتحت أبوابها أمام الإنتاج السينمائى والتليفزيونى، وسهلت كلا من اللقطات الخارجية والداخلية لمقرها فى لانجلى، على غرار ما فعله مكتب المباحث الفيدرالية فى المسلسل التليفزيونى الشهير «اف بى آى» الذى تم عرضه من 1965 إلى 1974 والذى صاغه المكتب بالتعاون مع محطة إيه بى سى، وحمل تتر المسلسل شكرا خاصا إلى جى إدجار هوفر، مؤسس ومدير المباحث الفيدرالية على مدار نحو 40 عاماً، وكان المسلسل يشيد بالأمريكيين الذين يحاربون الأشرار «الجيش الروسى والإرهابيين العرب والألمان وتجار المخدرات الكولومبيين والعراقيين».

وأشارت مصادر إعلامية إلى أن المخابرات الأمريكية عملت فى فيلم أنتونى هوبكنز وكريس روك «صحبة سيئة» عام 2002، وفيلم جيرى بروكهايمر «عدو الدولة» عام 2001، كما أن نسخة الـ دى فى دى لفيلم لعبة التجسس الشهير، بطولة روبرت ريدفورد وبراد بيت، حملت اعترافاً من مخرج الفيلم تونى سكوت، بأنه زار مقر المخابرات المركزية ولكن مدير مكتب الاتصال الاعلامى للمخابرات حذف هذا التعليق من النسخة النهائية.

وظهرت تفاصيل أكثر من المعتاد حول تورط «سى آى إيه» فى فيلم توم هانكس «حرب تشارلى ويلسون» عام 2007، وفيلم روبرت دى نيرو «الراعى الصالح» عام 2006 والذى استعان بضابط المخابرات الأمريكية السابق ميلت بيردون، كخبير استشارى فى الفيلم.

وسافر بيردون مع دى نيرو إلى مهرجان موسكو السينمائى، واصطحب النجم السينمائى للقاء أفراد من عصابات المافيا الروسية وكذلك ضباط من المخابرات الروسية.

من ناحية أخرى، صور فيلم «حرب تشارلى ويلسون» جهود الولايات المتحدة السرية لتزويد أفغانستان بالأسلحة لمحاربة الاتحاد السوفيتى فى ثمانينيات القرن الماضى والتى أسفرت فى النهاية عن تحول الحليف القديم إلى العمل ضد أمريكا فى شكل تنظيم القاعدة، ومع ذلك، فإن بيرودون، الذى كان عميلاً للوكالة وزود طالبان بالأسلحة، عمل مستشاراً فى الفيلم الذى نفى فكرة أن مساعدة أمريكا للمقاتلين الأفغان ضد السوفيت أنتجت تنظيم القاعدة وبالتالى أحداث 11 سبتمبر.

الأسباب الحقيقية لقيام المخابرات الأمريكية بدور «استشاري» فى أفلام هوليوود تكشفها محاضرة ألقاها المستشار العام المساعد السابق للوكالة، بول كيلبو، فى كلية فى فرجينيا عام 2007، عن علاقة الوكالة بهوليوود، حيث قال إنه تم تعيين عميل للمخابرات طوال فترة تصوير فيلم آل باتشينو «التجنيد» عام 2003، تحت ستار خبير استشارى، لتوجيه الإخراج.

تاريخ طويل من التدخلات

يؤكد تحقيق جلوبال ريسرش، أن الوكالات الأمنية الأمريكية لها تاريخ طويل من التدخل فى صناعة السينما، تكشفه الرسائل الموجودة فى مكتبة أيزنهاور الرئاسية وتخص العميل السرى لويجى لوراشى، المدير التنفيذى لشركة بارامونت، الذى عمل فى مجلس الاستراتيجية النفسية التابع للمخابرات الأمريكية، وتكشف إلى أى مدى تمكنت المخابرات المركزية من الوصول إلى صناعة السينما فى الأيام الأولى من الحرب الباردة، رغم نفيها للأمر.

على سبيل المثال، ذكر لوراشى أنه حصل على موافقة العديد من المخرجين المهرة لزرع مشاهد لأمريكان من أصول إفريقية يرتدون ملابس جيدة، مثل مشهد لـ»كبير خدم» يلقى عبارة تشير إلى أنه «رجل حر» فى فيلم «سانجاري» عام 1953، كما تدخلت الوكالة لحذف مشاهد رئيسية من فيلم «رأس السهم» عام 1953 كانت تصور نقل الجيش الأمريكى لأفراد قبيلة أباتشى الهندية قسرياً.

بنجاح أكبر، فى عام 1950، اشترت وكالة المخابرات المركزية ومنظمات سرية أخرى مثل مكتب تنسيق السياسات، حقوق استغلال كتاب «مزرعة الحيوانات» للكاتب الشهير جورج أورويل حيث تم إنتاج أول فيلم بريطانى للرسوم المتحركة، بتمويل من المخابرات الأمريكية، يحمل نفس اسم الكتاب عام 1954، تضمن دعاية مضادة للاتحاد السوفيتى.

كما تم إنتاج فيلم عن رواية أورويل «1984» فى عام 1956 تحت إشراف اللجنة الأمريكية للحرية الثقافية، التى كانت تشرف عليها المخابرات الأمريكية، وتم تغيير رسالة الفيلم لتخدم السياسة الخارجية الأمريكية، كما عدلت الوكالة المعالجة السينمائية لرواية «الأمريكى الهادئ»، عام 1956، وهو ما أدانه المؤلف جراهام جرين.

ودخل العقيد فى سلاح الجو الأمريكى، إدوارد لانسديل، عميل الوكالة الذى كان يقف وراء عملية النمس وهى حملة للتخريب والاغتيالات قامت بها الوكالة ضد كوبا، فى مراسلات إنتاجية مع المخرج جوزيف مانكويتز الذى قبل أفكاره التى غيرت الفيلم من التحذير من التدخل الأجنبى إلى مناهضة الشيوعية ودعم القوة الأمريكية.

جميع الأجهزة خلف الكواليس

ليست الوكالة هى الجهاز الأمريكى الفريد من نوعه فى التدخل فى أعمال هوليوود، ولكن جميع الوكالات الأمريكة تقوم بالشىء نفسه وفى عام 2000، تبين أن ضباط الحرب على المخدرات فى البيت الأبيض أنفقوا عشرات الملايين لتمويل القنوات الأمريكية الرئيسية لتتناول الحرب ضد المخدرات.

فى 11 نوفمبر 2001، تم عقد اجتماع فى هوليوود بين كارل روف، نائب رئيس الأركان آنذاك، وممثلى جميع استوديوهات هوليوود الرئيسية لمناقشة كيف يمكن لصناعة الأفلام المساهمة فى «الحرب على الإرهاب». وقال جاك فالنتى، رئيس رابطة الأفلام الأمريكية «المحتوى كان خارج الطاولة»، لكن روف حدد بوضوح سلسلة من الطلبات، أدت فى النهاية لتكملة الأجزاء الجديدة من سلسلة أفلام «رامبو» وإنتاج جزء جديد منها عام 2008، وجزء خامس سيتم عرضه فى الصيف.

وكان هذا الاجتماع، فى الواقع، مجرد اجتماع واحد ضمن سلسلة اجتماعات بين هوليوود والبيت الأبيض فى الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2001.

وفى 17 أكتوبر، واستجابة لأحداث 11 سبتمبر، أعلن البيت الأبيض عن تشكيل «فرقة عمل الفنون والترفيه» وبحلول نوفمبر، تولى فالنتى قيادة دور هوليوود الجديد فى «الحرب على الإرهاب»، وكنتيجة مباشرة للاجتماعات، سعى الكونجرس للحصول على مشورة من هوليوود حول كيفية تشكيل رسالة فعالة فى هذا الإطار إلى أمريكا والعالم.

وفى نوفمبر 2001، نصح جون رومانو، كاتب ومنتج المسلسل التليفزيونى الأمريكى الشهير «ثرى واتش»، لجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب، بأن محتوى أفلام هوليوود يعد جزءاً رئيسياً من تشكيل التصورات الأجنبية لأمريكا.

وفى 5 ديسمبر 2001، عقدت أكاديمية الفنون والعلوم التليفزيونية اجتماعها الخاص بعنوان «هوليوود تذهب إلى الحرب؟» لمناقشة ما يمكن أن تفعله هذه الصناعة رداً على أحداث 11 سبتمبر، وحضر الاجتماع ممثلا عن الحكومة، مارك ماكينون، مستشار البيت الأبيض، وفيل ستروب، كبير منسقى الترفيه فى البنتاجون، بالإضافة لجيف زوكر، رئيس شبكة إن بى سى الترفيهية، وآرون سوركين، مؤلف المسلسل الشهير «الجناح الغربى».

وقال العميل السابق فى وكالة المخابرات المركزية، بوب باير،إن مدير وكالة المخابرات المركزية الأسبق جورج تينيت كان يتواجد بشكل مستمر فى هوليوود للحديث مع مديرى الاستوديوهات، كما يتم تنظيم اجتماعات سنوية فى صن فالى فى أيداهو، بحضور مئات من أكبر الأسماء فى وسائل الإعلام الأمريكية - بما فى ذلك كل مدير تنفيذى فى استوديوهات هوليوود - لمناقشة استراتيجية الإعلام الجماعى للعام المقبل، وهو الاجتماع المحظور على الصحفيين حضوره أو الكتابة عنه.