الجدل يتسع في إيران حول قتل وزير سابق لزوجته

السعودية

بوابة الفجر


لم تكن مشاهد فيلم جنائي أو مسلسل رمضاني. الثلاثاء وبعد أقل من ساعة على الإفطار شاهد الإيرانيون عبر التلفزيون الرسمي مراسلًا يحمل مسدسًا بيديه ويفرغ ببراعة ما تبقى من ذخيرة المسدس الخاص بعمدة بلدية طهران السابق محمد على نجفي، مؤكدًا صحة خبر انفردت به وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري»، حول اعتبار أحد أبرز المسؤولين التكنوقراط، «المشتبه به الأول» في قضية قتل زوجته الثانية، ميترا أستاد.


وتطورت الأحداث بشكل دراماتيكي منذ أول ساعات الصباح بعد إعلان عن العثور على جثة زوجة عمدة طهران السابق محمد علي نجفي، الذي قدم استقالته بشكل مفاجئ قبل عام واعتزل الحياة السياسية.


ويحمل نجفي في سجله وزارة التعليم العالي في ثلاث حكومات إيرانية قبل أن يشغل منصب وزير التعليم لعشر سنوات، عامان منها في حكومة علي خامنئي (المرشد الحالي) وحكومتي علي أكبر هاشمي رفسنجاني قبل أن يختار الرئيس محمد خاتمي نائبًا له في رئاسة منظمة التخطيط والموازنة لثلاث سنوات. وبعد فترة من تمثيل الإصلاحيين في مجلس بلدية طهران، عاد نجفي مرشحًا لتولي مناصب كبيرة مع فوز حسن روحاني بمنصب الرئاسة في 2013 واختاره مستشارًا للشؤون الاقتصادية لأربع سنوات. ومع فوز روحاني بالولاية الثانية، رفض في اللحظات الأخيرة تولي وزارة التعليم مجددًا، ورغم اعتذاره أصر الإصلاحيون الذين حققوا فوزًا ساحقًا، على ترشيح نجفي لرئاسة بلدية طهران وهو ما أنهى مشوار 12 سنة من رئاسة محمد باقر قاليباف، القيادي في «الحرس الثوري».

ولم تمر ساعات من تسرب خبر قتل زوجة المسؤول إلى وسائل الإعلام الأسبوع الماضي، حتى نقل التلفزيون الإيراني مشاهد مباشرة لنجفي لحظة تناوله الشاي في مقر أحد مخافر الشرطة في العاصمة الإيرانية. وكان مراسل التلفزيون الإيراني يشير إلى السابعة مساءً بالتوقيت المحلي لحظة إعداد التقرير قبل أن يدلي المسؤول الإيراني بتصريحات قال فيها إنه قتل زوجته لأسباب عائلية، مشيرًا إلى أنها لم يكن يقصد القتل وإنما تهديد زوجته قبل أن ينتهي الأمر بإصابة الضحية برصاصتين في الصدر من أصل ثماني رصاصات أطلقها من المسدس.

ومنذ اللحظات الأولى تابعت وسائل الإعلام المعارضة للتيار الإصلاحي تفاصيل الحدث. وهو ما أثار انتقادات من الإصلاحيين.
وبعيدًا عن توجهات وسائل الإعلام في تغطية الحدث، أثار بث مشاهد نجفي لحظة تناوله الشاي سخط الإيرانيين في شبكات التواصل الاجتماعي. وتساءل بعض المغردين في «تويتر» عمّا إذا كان المسؤول الإيراني في زيارة رسمية إلى مخفر الشرطة.

ولكن الرد السياسي الأبرز في الساعات الأولى من بث المشاهد التلفزيونية جاء في تغريدة غلام حسين كرباتشي، أمين عام حزب «عمال البناء» أبرز الأحزاب الإيرانية والذي أسسه الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني. وأشار كرباتشي في التغريدة التي أثارت ردود فعل واسعة: «مهما كانت أسباب حادثة قتل ميترا أستاد لا يمكن أن نتجاهل مسؤولية بعض الأشخاص الذين حفروا هذه البئر للإصلاحات ونجفي رغم تحذيرات وحرص بعض المسؤولين والمراكز المسؤولة».

وسلطت تغريدة كرباتشي الضوء على انسحاب نجفي المفاجئ من منصب رئيس بلدية طهران، رغم نجاح نسبي حققه في الكشف عن ملفات الفساد في زمن رئاسة قاليباف وأجهزة أخرى مرتبطة بـ«الحرس الثوري».
وكان نجفي قد أعلن عن زواجه الثاني بعدما قدم استقالته في مارس (آذار) 2018 من عمودية بلدية طهران بدعوى المرض عقب ثمانية أشهر من إزاحة قاليباف الذي انسحب من الانتخابات الرئاسية 2017 لصالح المرشح المحافظ إبراهيم رئيسي.

وقالت الشرطة الإيرانية، الخميس، إنها تحقق مع صحافيين بعد معلومات عن اتصال المقتولة بموقع إخباري قبل يوم من وفاتها. وكانت صحافية تعمل في موقع «إنصاف نيوز» المقرب من أجهزة الأمن، قد ذكرت أن الموقع تلقى اتصالًا من زوجة نجفي وكانت تبدي رغبتها في إجراء حوار، وهو ما أثار تساؤلات حول إمكانية معرفة نجفي بخطة زوجته للإدلاء بتصريحات.

بدورها ردت وزارة الاستخبارات الإيرانية، الخمیس، في بيان على تقارير صحافية للإصلاحيين اعتبرت زوجة نجفي «سنونوة» تابعة لوزارة الاستخبارات.

ووجه القضاء الإيراني رسميًا تهمة «القتل المتعمد» و«حيازة أسلحة غير مرخصة» إلى نجفي. وقال محاميه محمود علي زاده طباطبايي إنه «يطّلع على تفاصيل القضية وأدلة القضاء»، مشددًا على أنه القتل «لم يكن متعمدًا».

وأثارت وسائل إعلام مؤيدة للحكومة والتيار الإصلاحي خلال يومي الأربعاء والخميس فرضيات أشارت إلى إمكانية وقوع عمدة طهران السابق، نجفي، في فخ أمني أجبره على اعتزال الحياة السياسية على أثر كشف ملفات فساد واختلاس أموال في بلدية طهران.
وقالت وزارة الاستخبارات إنها لم تربطها أي صلة بزوجة نجفي، وهدد مسؤول في الوزارة بـ«ملاحقة قضائية ضد مزاعم تشوش على الرأي العام».

وعلى مدى الأيام الماضية، شهدت الصحف الإيرانية على صدمة الشارع الإيراني ونهاية السياسي، لكنّ كلًا منهما اختلف في تفسير الحادث وخلفياته.

من جهتها هاجمت صحيفة «جوان» التابعة لـ«الحرس الثوري»، الصحافيين الإصلاحيين بـ«تسييس قتل زوجة نجفي»، وقالت: «النظرة السياسية إلى قتل أستاد ليس أخلاقيًا، ووسائل إعلام التيار المعارض لنجفي لم تكن ترغب في تجاهل الأخلاق والاستغلال السياسي لتحوّل المنافس السابق إلى قاتل».

لكنّ منابر التيار الإصلاحي رفضت انتقادات من هذا النوع واتهمت هيئة التلفزيون والإذاعة التي يسيطر عليها التيار المحافظ بـ«تسييس قضية نجفي» بسبب تغطيته السريعة لتطورات الحدث.

ونقلت صحيفة «شهروند» الإيرانية عن مسؤول الشؤون الجنائية في الادعاء العام محمد شهرياري، أن «أيًا من وسائل الإعلام لا يحق لها أن تُظهر وجه المتهم من دون غطاء فما بالكم بالبث عبر التلفزيون خصوصًا أن السلاح، أداة القتل، يجب ألا يكون بيد أحد غير القضاة وفريق تحقيق الجرائم... كل واحد منهما جريمة، يجب تجريم هيئة الإذاعة والتلفزيون».

في الأثناء، نقل موقع «خبر أونلاين» المقرب من رئيس البرلمان الإيراني، أمس، عن وزير «الحرس الثوري» في الثمانينات محسن رفيق دوست، أن «مؤامرة استهدفت نجفي».

وقال رفيق دوست: «باعتقادي أن مؤامرة دُبرت ضده وأنه وقع فيها. لقد كان أخلاقيًا جدًا». وأضاف: «لقد كان نجفي سليم النفس وهادئًا ويتعامل بلطف مع الجميع، لهذا ما حدث لا يمكن تصديقه».