عادل حمودة يكتب: أفكار للبيع بلا مقابل

مقالات الرأي



تمويل مليارات التعليم من اليانصيب

محلات لبيع السلع بسعر جملة الجملة

كروت بنكية للمجاملات بدلا من الزهور والشيكولاتة

تخصيص الحارة الشمال للسيارات التى يركبها أكثر من شخص فقط


رأس الإنسان رحم لا نعرف ماذا يحدث فيه.. وماذا يخرج منه.. وما نوع المخلوقات التى تتشكل بين جدرانه.

وبحكم فضيلة العقل وحرية الاختيار تنتظر الحياة من هذه الرأس أن تبدع وتجدد وتبتكر وتحل مشاكلنا بأفكار جديدة مبتكرة.

والحقيقة أن الولايات المتحدة أكثر دول العالم تخصيبا وتوليدا للأفكار وربما كان ذلك سر قوتها وتميزها وتفوقها.

إنها ليست شجرة تجف وتموت فى مكانها حتى تصبح لوحا من الخشب وإنما فهد يقفز من فكرة إلى فكرة بحثا عن الأفضل.

وفى رحلتى الأخيرة إلى هناك رصدت أفكارا يمكن أن نطبقها فى مصر أو على الأقل نناقشها ونعدلها ولا نسارع برفضها.


1- تمويل التعليم باليانصيب

فى مصر نطلق على اللوترى: يانصيب.

واليانصيب أوراق مرقمة.. معتمدة من الحكومة.. تصدرها جمعيات خيرية.. تبيعها بقروش قليلة.. وتجرى عليها سحبا عشوائيا.. تشرف عليه جهات رسمية.. جوائزه مغرية جدا.. تنقل الفائز من حال إلى حال.. وباقى الحصيلة تمول بها أنشطة التى تخدم المجتمع بلا مقابل.. ولو شئت دليلا على ذلك تذكر أدوار فاتن حمامة المأساوية أو أدوار نجيب الريحانى الكوميدية فى أفلام الأبيض والأسود.

بتمويل من اليانصيب تكونت جمعية الإسعاف وبنيت مستوطنات علاج الجذام وكثير من المستشفيات المجانية وملاجئ الأيتام.

ولكن فى ظل حمى التأميم التى اجتاحت مصر فى ستينيات القرن الماضى سيطرت الحكومة على تلك الجمعيات وتصورت أنها قادرة على دعمها ماليا ولكنها سرعان ما عجزت عن تحمل نفقاتها وتركتها تتدهور يوما بعد يوم حتى فقدت صلاحيتها وعجزت عن تقديم خدماتها لتصبح فى النهاية مجرد مبنى بلا معنى.

فى أمريكا حدث شيء مشابه.

إن التعليم هناك مجانا من الحضانة حتى الثانوية وتموله الحكومة الفيدرالية بنسبة 12% وتموله حكومة الولاية بنسبة 44% وتسدد البلديات والأحياء النسبة نفسها ولكن لارتفاع التكلفة عجزت بعض المدارس الحكومية عن سداد رواتب المدرسين أو شراء أجهزة الكمبيوتر أو تطوير المعامل مما أضعف مستوى التعليم الذى يستوعب نحو خمسين مليون طالب.

وتحولت تلك المدارس إلى أوكار لتهريب وإدمان المخدرات وخرجت منها عصابات الشوارع وعانت من ظاهرة تبادل التلاميذ إطلاق النار فى فصولها.

تراجع تصنيف التعليم الأمريكى إلى ما بعد التعليم فى اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية مما استفز وليم ليدر فأصدر كتابه الصدمة: أمة من الغنم.

أجمعت كل الجهات المسئولة على أن مشكلة التعليم فى تمويل تكلفته المتصاعدة وبعد مناقشات شارك فيها أصحاب الشأن من أولياء الأمور بجانب رجال دين ورجال أعمال سمح بتمويل التعليم بأوراق اليانصيب التى نجحت فى توفير عشرات المليارات من الدولارات سنويا ردت اعتبار المدارس الحكومية ووفرت لهم وجبات صحية وملاعب رياضية وأنشطة فنية ومعامل تكنولوجية حتى تراجعت نسبة الإقبال على المدارس الخاصة بنسبة 35% فى بعض الولايات مما أجبر تلك المدارس على تخفيض ما يدفعه الطلاب إليها بنسبة 25% تقريبا.

بل أكثر من ذلك مولت حصيلة اللوترى منحا لطلاب الجامعات العاجزين عن دفع مصروفاتها العالية ووفرت عليهم القروض التى عليهم سدادها بفوائد عالية مركبة بعد تخرجهم.

وتشاركت عدة ولايات فى لوترى واحد لترفع قيمة الجوائز فيها إلى ما يزيد على المليار دولار ولا تزيد الجوائز عن 5% من الحصيلة وتذهب 5% أخرى إلى الشركات المنظمة ويذهب الباقى (90%) إلى التعليم بالمنشأة والمنهج والمعلم والناظر فقفز من جديد مثل أرنب برى بعد أن كان سلحفاة عجوز تلهث قبل أن تمشى.

هل يمكن أن نفكر فى تمويل التعليم بالطريقة ذاتها؟

إن تكاليف تطوير التعليم الذى يرضى طموحنا فى زمن الديجتال يحتاج إلى أضعاف أضعاف المخصص له فى موازنة الدولة مما اضطر الوزير طارق شوقى إلى توقيع بروتوكول خاص مع جمعية مصر الخير لدعم التابلت وأطلق فى الأسبوع الماضى صندوقا خيريا لدعم وتطوير التعليم وكلها وسائل أهلية جيدة يمكن أن نضيف إليها اللوترى الذى أتصور أنه سيكون الأكثر تمويلا بما يصعب تخيله أو تصديقه.

ولكن بالقطع سيخرج علينا البعض بتحريم اللوترى وهو أمر حدث فى أمريكا نفسها حيث توجد جماعات دينية متشددة.

عند عرض المنح الدراسية المجانية على الطلاب يعرفون أنها ممولة من اللوترى وعليهم أن يقبلوها أو يرفضوها.

وأجبرت بعض الولايات المدارس على وضع علامة تشير إلى أنها ممولة باللوترى حتى تترك حرية الاختيار للأهل والتلاميذ بدخولها أو بالبحث عن غيرها. أما التبرير المقنع فهو أن الدولة تفرض ضرائب وجمارك على بيع الخمور وكازينوهات القمار وبالحصيلة التى تجمعها تمول بها الخدمات بما فى ذلك دور العبادة.

والسؤال الأهم: هل حلال وجود مدارس حكومية عاجزة عن التعليم بكفاءة ووجود مدارس خاصة تكسر ظهر أولياء الأمور بمصروفات خيالية جعلت من التعليم بيزنس أعلى ربحا من المخدرات؟


2- محلات جملة الجملة

يوفر التسوق بالإنترنت جهد الوصول إلى المراكز التجارية ويوصل السلعة مهما كان حجمها إلى البيوت هوم دليفرى بأسعار تقل عن أسعارها فى محلات بيعها.

كان ذلك الانقلاب سببا مباشرا فى إغلاق كثير من تلك المحلات وتسريح عمالها مما هدد بهبوب موجة جديدة من عواصف الكساد.

ولكن العقلية الأمريكية التى لا تكف عن الابتكار توصلت إلى فكرة بها خفضت من أسعار السلع أكثر من شرائها بالإنترنت.

تكونت شركة تسمى كوستكو تبيع كل ما يحتاجه البشر من سلع (غذاء وملابس ودواء وإلكترونيات ومجوهرات وأجهزة تعويضية) بأسعار بما يزيد قليلا عن سعر التكلفة ولكنها تفرض على زبائنها اشتراكا سنويا (ميمبر شب) فى حدود 55 دولارا (يمكن أن يكون 75 دولارا لشخصين معا) تعيده إليهم فى صورة نقاط يحصلون عليها من مشترياتهم تتيح لهم الحصول على سلع مجانية حسب عدد هذه النقاط.

وأحيانا تمنح كوستكو زبائنها 2% تخفيضا إذا ما زادت المشتروات عن ألف دولار مما يوفر عليهم قيمة الاشتراك السنوى بل ربما حصول على مال إضافى عليه.

لو دخلت فرعا لـ كوستكو ستجد نفسك فى مساحة هائلة تقدر بعشرات الأفدنة شيدت عليها هياكل حديدية وضعت عليها السلع فى أحجام كبيرة أو أعداد كثيرة جعلت أسعارها رخيصة بدرجة لا تصدق جعلت بعض التجار الصغار يشترونها ويعيدون بيعها محققين ربحا مغريا.

انتقلت التجربة من الولايات المتحدة إلى كندا والمكسيك وبريطانيا واليابان وفرنسا وإسبانيا وكوريا الجنوبية.. حتى أصبحت شركة متعددة الجنسيات أطلق الناس عليها: نادى الأسعار أو نادى المخزن.

ويتعامل مع الشركة سنويا ما يقرب من مليار شخص اعترفوا أنها ساهمت فى توفير نصف ما كانوا ينفقون على السلع التى يشترونها.

إن علبة الكورن فليكس يهبط سعرها من خمسة دولارات إلى نصف دولار ولكن بشرط أن تشترى ثمانية علب معا ويتكرر انهيار الأسعار على هذا النحو ليشمل غالبية السلع الضرورية وغير الضرورية.

ورغم ذلك حققت الشركة عائدا سنويا وصل إلى 139 مليار دولار جنت منه ربحا صافيا يزيد على 3 مليارات دولار بعد ما أنفقت على موظفيها وعمالها (عددهم 231 ألفا) 4 مليارات دولار وبلغت أصولها نحو 37 مليار دولار.

هل يمكن تنفيذ هذه الفكرة فى مصر؟.

نعم ممكن لو اتحدت أكثر من شركة توزيع السلع بالجملة معا واشترت مخازن كبيرة تبيع فيها بأسعار تزيد قليلا عن سعر المصنع وتفتح باب العضوية للمستهلكين بمائة جنيه فى السنة تستثمرها لصالحهم ومع الحجم الكبير المتوقع للبيع ستكسب الشركة وتتوسع فى كافة أنحاء البلاد.

ويمكن إيفاد مجموعة خبراء من الغرف التجارية يرأسها أحمد الوكيل ويرافقهم وزير التجارة والصناعة المهندس عمرو نصار أو من يرشحه نيابة عنه إلى الولايات المتحدة لدراسة الفكرة على الطبيعة مع أصحابها.

واثق أنهم سيعودون متحمسين لها فسوف تحقق سعرا منخفضا للمستهلك وربحا مناسبا للتجار والأهم أننا لن نتهمهم بانتهاز الفرص وابتلاع ما يحصل عليه الموظفون وأرباب المعاشات من علاوات وزيادة فى الأجور.

لن نخسر شيئا.

ويكفى ما لدينا من أفكار معلبة أصابتنا بفقر الدم.


3- كارت هدايا كاش

ما أن يخرج إنسان من حجرة الجراحة حتى يحاصر بباقات لا حصر لها من الزهور وعلب الحلوى يضطر إلى توزيعها فى النهاية على كل من يصادفه من الأصحاب وغير الأصحاب.

وتتكلف هذه المجاملة غير المستفاد منها كثيرًا من المال كان يمكن أن يساهم فى نفقات علاج المريض بما قد يجنبه شر الاقتراض وصعوبة السداد.

ولكن وضع المال فى ظروف ووضع الظرف تحت مخدة المريض كثيرا ما يسبب حرجا له ولأهله ومن هنا جاءت لى فكرة تبعدنا عن ذلك الحرج.

كارت تصدره البنوك.. بقيمة مالية متنوعة.. خمسون جنيها ومضاعفاتها.. نشتريه من البنك ونقدمه للمريض فى ظرف مغلقة فلا يشعر بالحرج الذى تسببه النقود.. ويسهل صرفه نقدا أو وضعه فى الحساب البنكى.

ويمكن أن تنفذ الفكرة فى مجاملات الزواج والإنجاب والنجاح والترقى.

والحقيقة أننى اقتبست هذه الفكرة من المحلات والمكتبات والمطاعم الأمريكية المختلفة حيث تبيع كروتا بفئات مختلفة تبدأ بخمسة دولارات وتصل إلى مائة دولار تقدم هدايا لمن تشاء تنفق الأماكن التى تصدرها لشراء الكتب أو الملابس أو تناول الطعام.

لست ضد مجاملات الزهور والشيكولاتة ولكنها مجاملات أصبحت مكلفة جدا وترهق من يشتريها ولا تفيد كثيرا من نجامله بها.

وحان الوقت لنغير من عاداتنا ولنبدأ بهذه الفكرة.


4- سيارة العائلة تسير أسرع

بدأ مع قدوم الصيف موسم السفر خارج المدن إلى الشواطئ وسوف تزدحم الطرق بالسيارات خاصة فى عطلات نهاية الأسبوع.

ورغم ارتفاع أسعار البنزين فإن كثيرًا من أصحاب السيارات يقودونها بمفردهم فى حين لا يحدث ذلك غالبا فى دولة شديدة الثراء مثل الولايات المتحدة.

الناس هناك توفر فى تكلفة الوقود وتقلل من استهلاك السيارة بأن يتبادلوا الركوب معا وتشجيعا لذلك تخصص الحارة الشمال من الطرق للسيارة التى يركب فيها أكثر من شخص (كما فى ولاية جورجيا) مما يوفر وقتا لمستخدميها.

ويعاقب من يقود سيارته بمفرده ويستخدم تلك الحارة بغرامة مالية لا تقل عن 100 دولار وتسحب رخصته لو كرر الخطأ متعمدا.

ومن باب الفهلوة وضع بعض المصريين هناك دمية كبيرة الحجم فى المقعد المجاور للسائق للإيهام بوجود راكب آخر فى السيارة وعند كشف الملعوب حرموا من القيادة سنة كاملة.

أتصور أنها فكرة جيدة يمكن أن نجربها فى الطرق خارج المدن فسوف تشجع على تجمع أكثر من شخص للسفر فى سيارة واحدة مما يخفف من زحام الطرق ويقلل من نسبة الحوادث عليها كما يقلل من تكاليف البنزين ورسوم الطرق واستهلاك قطع الغيار.